شعر

حالات

(الكرسي) من أعمال التشكيلي الليبي عبدالجواد المغربي
(الكرسي) من أعمال التشكشيلي الليبي عبدالجواد المغربي

الحالة الأولى:
أحياناً تتملكني حالاتُ من فرحٍ دفّاق
تنتعشُ رؤى الأحلام
فأبني بيتاً من أطواق الورد
أصيرُ أفصلُ وأخيطُ
مدائنَ وشوارعَ يغمرها النور
لا تعرف طعماً للغبن
أسرحُ فيها كيف أشاءُ
وأمرحُ كيف تشاءُ اللحظةْ
ألقى الأصحابَ طوال الوقت
وحين يحين الليلً
أحضن صاحبتي..
تتفتح كل حقول الأرض بما اكتنزتْ من تمر حلو
يصبح رهنَ يدينا
أطايبُ كل اللحظات المحبوسة في ذاكرتي من أزمان
يا صبح تأخرْ لا تطلع
لا أرغب شمسَك هذا اليوم
فشمسي ملءَ الحضن تنام
تتأرجحُ أحلى، أحلى من كل الأزهارْ
ما أمتع هذا الوقت الطيب
ما أحلى النسمة حين تهبُ
ولا تحجبها الأبوابْ
يتمايسُ نخلُ النشوة في ليلة عرس قمرية
طبلٌ يصدح في الليل ومزمار
أغنيةٌ تحكي عن عشقٍ فتّان
قيلت في كل الأعراس ولم تبهتْ
نمت عبر الأجيال
نمت وازدادت تشويقاً
تنتظر المرأة عاشقها
تتزين كلَ صباحٍ ومساء
تصنع كل ربيع طوقاً من وردٍ بلدي
وتعلقه في غرفتها
مراتٌ عشرٌ ذبلت أطواق الورد ولم يأتِ
في كل ربيع تغرس شجرةَ وردٍ أخرى
صار لديها أجمل بستان ورود
صارت تهدي كل عروسين جديدين
طوقاً من وردٍ بلدي


سجن الحصان الأسود 1 / 4 / 1984


الحالة الثانية:
هي الدرجات التي لا تعدُ
تسلقتُها خطوة خطوةً
وحين اقتربت من القمة المفرحةْ
حلت اللحظة المحبطةْ
وكنت تعلمتُ بالتجربة
كل شيء مباح إذا ما استطعته
وكل محاولة صائبة،
فلماذا تعثرت حين أقتربتُ من اللحظة الحرجة
هل من العدلِ ان يخسر المرء
جهد الكهولة والحلم بالراحة الممتعة.
ليس حظاً، لكنها المهزلة
كنت لا أعرف الخوف إلا من الحظ حين يخون
فلماذا تجئ المصيبة من حيث لا تنتظر
كنت لا أعرف الحقد إلا اقتناءً لما أشتهي
كنت ممتلئاً بالطموح الجريء،
ربما ما كرهتم يكون به خيركم
فاستعيذوا من المفسدات
وأنهلوا ما أُحلَّ من الطيبات
إن شكرتم اجزتم،
وإن تجحدوا تخسروا اليوم والآخرة
يا عبادي الذين أتقوا إنها محنة عابرة..
تمر السنونُ ويوسفُ في السجن
لا الأخوةً الخائنين
يفيقون من غيهم
ولا الدربً يأتي بسيارة عابرة


سجن بوسليم 11. 9 .1984


الحالة الثالثة:
انا العاشقُ الفردُ، منذ اكتشفت حقيقة هذا الزمان القميء
وأشبعته بالتأمل في كل شيء، واتبعني بالصدود
عرفت المحبة فيضاً بدون حدود
ولكنها قبضة من هواء
تعلقتُ في عشقها منذ أدركت أن الحقيقة والوهمَ صنوان
من يجمع الماءَ والنارَ في قبضة، يعرفُ الحلَ
يدركُ سرَ الحياة العجيب
محاولةٌ كل يوم تخيب
وأرجع كل صباحٍ إلى نقطة البدء
أحتسي كلَّ يومٍ مع نصفِ كوبٍ من الحليب
نكهةَ العسفَ والغصةَ المزمنة
أسائل نفسي
لماذا معاقرةً الحلمِ، والسجنُ واقعة لا يداخلها الشكُ
من ينزل الحلمَ من حلمه
يجد السجنَ من حوله كعكةً من رماد
صار طعمُ الحليب
لاذعاً كسياطٍ على الظهر وقت الظهيرة في يوم صيف
أىُّ هذا الزمانُ المخيف
ينقذ المرءَ من وهدة الاكتئابْ
أي خوف مخيف
ينشل الروحَ من مستنقعات السحابْ
أىُّ نازلةٍ تنزل الأرض في ضربةٍ عن صليب العذابْ
كل شيء سرابْ
قبضتي تعبت من تعلقها بالهواء
كبدي احترقت مثل عود ثقابْ
أيُّ شيءٍ هو الفرحُ المرتقب
غير سوط العذابْ


سجن بوسليم 13. 9 .1984


الحالة الرابعة:
مكابدةٌ مرهقة، وانتظارٌ ممضُ
أحاول أن أقهرَ السجنَ بالصمتِ حيناً
وحيناً يعربدُ نهرُ الغناء الحزين
ويزهر حقلُ المواويل بالأمنيات وباللوعة المحرقة
يا حبيبي الذي في السجون ذوى
قد ألفت القيود، طول هذي السنين
فهل تألف الفُرقة الدائمة
كيف خمسُ دقائقَ في العام تنقذ حباً من الاحتراق
أصبحت لعبةُ الوقتِ خاسرة
والزيارةُ مَحرقةٌ للعواطف
لا وقتَ للحب إذ يحسبُ الحرسُ الفظ ُحتى حروفِ الكلام
يفتش بين الأصابع
علّ قصاصةَ حبٍ تهربُها امرأة عاشقة
كلُّ شيءٍ هنا جالبٌ للخطر..
دمعةُ الأم، أو بسمة الطفل، أو همسة الحب
هذه المحاذيرُ تفضي إلى التهلكة
انتهى الوقت، لا وقت للقبلاتِ أو اللمسةِ الحانية
نحن في هذه المعركة،
لا نخاف سوى قلم الحبر والبسمة الصافية
قلمٌ وكتابْ..
كل ما أشتهي حين تشتد وطأة هذا الغيابْ
لكنه السجنُ يا صاحبي، كومة من ترابْ
أفتش فيها فلا ألقى إلا الذبول
كل شيء هنا بحسابْ
سوى غضبة الحرس الهمجية والاكتئابْ
كل شيء هنا طاله الخطرُ..
حتى الصحيفة تصبح فاكهة لا تُطال
مرة قلت للآمر المتعجرف يا سيدي:
أعطني قلماً أو كتابْ
قال: إنسَ القراءةَ ينسك سوطُ العذابْ


سجن الحصان الأسود 15 .9 .1984

مقالات ذات علاقة

“ يناير“ الشابي والشعب

الحبيب الأمين

مناجاة

مراد الجليدي

إجابة

حواء القمودي

اترك تعليق