الطيوب : متابعة وتصوير / مهنّد سليمان
بمناسبة حلول الذكرى الخامسة والستين لرحيل الزعيم السياسي الشهير “بشير السعداوي” نظم المركز الليبي للمحفوظات والدراسات التاريخية بطرابلس، وذلك بالتعاون مع أسرة الزعيم الراحل على مدار يوميّ الثلاثاء والأربعاء احتفالية تكريمية ألقي من خلالها عدد من الكلمات التي بيّنت الدور الذي الوطني والنضالي لعبه السعداوي في المشهد السياسي الليبي إضافة لمعرض يحتوي وثائق أرشيفية، وشهدت الاحتفالية عرض لفيلم وثائقي عن المكرمين، وممن شملهم التكريم الدكتور الراحل فؤاد شكري، والراحل الهادي المشيرقي، والراحل أحمد زارم، ومصطفى السراج، والدكتور محمد المفتي، والدكتور محمد الطاهر الجراري، والدكتور الرويعي محمد قناو، ومحمد سعيد القشاط، والدكتور أكرم عثمان، ثم أعقب منح مجموعة من الدروع التكريمية لعدد من المؤسسات البحثية والثقافية والرياضية علاوة على منح درع تكريمي لأسرة الراحل بشير السعداوي.
مراحل ومحطات
وانطلقت في صباح اليوم الثاني جلسة علمية أدارها وقدمها الدكتور “علي الهازل” وشارك فيها بورقات بحثية كل من الدكتور “مختار كرفاع” أستاذ التاريخ الحديث بجامعة الزاوية، والدكتور “علي محمد رحومة“، الدكتور “فاتح رجب قدارة“، واستعرض الدكتور “مختار كرفاع” في ورقته المعنونة (الوطنية في ليبيا بين الأمس واليوم..بشير السعداوي أنموذجا) محطات من مسيرة السعداوي مشيرا إلى أن الحديث عن السعداوي ومسيرته النضالية وما قدمه من أعمال في هكذا لقاءات، وتناول أدواره في تاريخ الحركة الوطنية أمر لا يمكن تحقيقه أو الوفاء به فالمرحلة التاريخية التي عاشها الرجل مليئة بالأحداث الجسام التي عرفتها الساحات الدولية والإسلامية والمحلية، ومن ثم فالرجل منذ نعومة أظفاره كان مستوعبا لما تمر به الدولة العثمانية صاحبة السيادة على ليبيا من ضعف وتدهور، وشرع الدكوتر كرفاع في سرد المراحل السياسية في ضوء تجربة الزعيم السعداوي وإبرازها على النحو الكامل.
علاقة السعداوي بالمدفعي
أعقبته مشاركة الدكتور “علي محمد رحومة” بورقة عنوانها (مواقف وطنية بين بشير السعداوي وعمر المدفعي)حيث أوضح فيها ظروف التواصل والعلاقة بين السعداوي والمدفعي قائلا : تعود فترة المفدعي بالسعداوي إلى فترة بدايات الجهاد الليبي ضد الغزاة الطليان إبّان سنتيّ 1911و1912 فقد شارك كل منهما في هذه الفترة الجهادية الأولى ثم هاجر السعداوي إلى الآستانة بتركيا في عام 1912 وتحديدا بعد معاهدة أوشي لوزان وظل مقيما هناك حتى عام 1920 الأمر الذي تزامن مع عودة المدفعي إلى الآستانة في نفس الفترة وتحت نفس الظروف، ولفت الدكتور رحومة إلى أنه في آواخر عام 1920 دعا زعماء البلاد إلى عقد مؤتمر وطني يجمع الشمل ويسعى لتشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة تأخذ في حسبانها التطورات المستجدة وتنأى بنفسها عن الخلافات مضيفا بالقول أنه ضمن الأخبار المتواترة حول عمر المدفعي أثناء إقامته في تونس بأنه كان يسعى لتشكيل تنظيم وطني مسلح يتكون من المهاجرين الليبيين هناك فضلا عن النشاط أو التنظيم السياسي لليبيين في تونس كما أضاء الدكتور رحومة في ورقته دور السعداوي والمدفعي في رأب الصدع بين فريقي خليفة بن عسكر ومحمد فكيني وتجسير هوة الخلاف بينهما بعد أن استطاعت اللجنة الجديدة بحماية قوتها العسكرية تنفيذ ذلك.
جولات السعداوي الميدانية
فيما ضمت الجلسة أيضا مشاركة الدكتور “فاتح قدارة” أستاذ التاريخ بجامعة الزاوية بورقة جاءت بعنوان (جولات السعداوي الميدانية وبناء القاعدة الشعبية لحزبه) مؤكدا بأن الاشكالية تمكن في تعدد الآراء والتساؤلات والاجتهادات حول ظاهرة الالتفاف الشعبي حول شخصية بشير السعداوي مستعرضا التطورات عشية الجولات الميدانية للسعداوي في المدن والمناطق الليبية، موضحا أن الهيئة المرافقة للسعداوي تشكلت من قيادات حزبه والمناصرين له، وكانت تشهد تلك الهيئة متغيرات جزئية بحسب منطقة الزيارة، وترسل رسالة واضحة عن حالة التوافق بين مختلف القوى المؤثرة، حيث أشار قدارة لملامح من خطاب السعداوي خلال جولاته الميدانية فقد اتسم في مجمل جولاته الميدانية بحالة التوافق كمنهج متمسك به برغم وطأة تجاذبات المرحلة وحساسيتها، وتفاعل الخطاب السعداوي المرتجل مع الأجواء المشبعة بالعاطفية الوطنية المصاحبة له، ويجد قدارة أن تركيز السعداوي كان يصب على أن نيل الاستقلال لم يكن منحة من أحد بل هو ثمرة الجهاد والنضال الذي خاضته الأمة الليبية لعقود، وأضاف قدارة بالقول أن خطب السعداوي شملت تلميحات مباشرة وغير مباشرة عن الخلافات والانقسامات والتحذير من الدسائس والفتن، وأكد قدارة أن معالم تبلور الصراع السياسي في طرابلس كانت لصالح بشير السعداوي وتجمعه والذي تعزز بمقررات مؤتمر تاجوراء في رفض تشكيل سلطة محلية في طرابلس مناظرة لسلطتيّ برقة وفزان.
تجدر الإشارة إلى أنه قد شارك في الجلسة العلمية المسائية كل من الدكتور الرويعي قناو والدكتورة فوزية بريون بورقة علمية لكل منهما تناولا فيها أبرز المواقف السياسية للزعيم السعداوي، واختتم رئيس المركز الدكتور “محمد الطاهر الجراري” الفاعلية بكلمة أكد فيها أن البداوة في مجتمعنا قد فرضت شروطها مبينا بأن عملية التوثيق ليست أمرا يسيرا فهو مرتبط بواقع الاستقرار ونحن في المركز نعاني من أزمة التوقيق رغم أننا ندعو الناس لتسليم ما بحوزتهم من وثائق ومخطوطات، داعيا لوضع أسس واضحة لجمع كل التراث الليبي حاضرا ومستقبلا.



