حمزة الفلاح
إلى الأيام الصعبة التي بدلت أرواحنا. الأيام التي نعيش حزنها بصدور مفتوحةٍ على كل ما قد يُلفت انتباه نوافذ الأوجاع إلينا ونحن في شرودنا كالمسامير الصدئةِ ، لا نفهم كيف صرنا إلى ما نحنُ فيه.
إلى الأصدقاء الذين لم تسعفهم أحلامهم الطاعنة التي خذلتهم، المتمسكين بغباءٍ في خيط رفيع لا يُرى يدعونهُ الأمل.
إلى بائعة السمك المتسخة بصبر النسيان على تذكرها، لئلا تتلاشى سريعًا دون أن تخبرنا عن اسمها، وتطعم أولادها والقطط المشردة التي تحب.
إلى ذل الشوارع التي نهرول فيها لاهثين إلى الحنين في حطام الصابري، وبطء الصباح في مطعم “شتيوي” ، وحركتهِ المفرطة من ألم الجدران المحطمة في عينيهِ _ الجدران المريضةُ من اعترافاتنا المصابة بسعال الذكريات المرّ.
إلى دموع من قاد سيارته بعد انتهاء الحرب في أزقة البلاد المنسية، وتوقف فجأةً وأسقط رأسهُ على المقود وانهار ضاحكًا ؛ لأنه نسي فجأةً أنه كان هنا في باحة المدرسةِ المطلة على البحر مراهقًا يحلم بأن يصير شيئًا، ولكنهُ صار شيئًا يجهلهُ على كل حال.
إلى مقاعد المقهى الرمادية، وإلى كل قصائد الذين صدقوا الشعر في المقاهي أود أن أخبركم أنكم واهمون باعتراف الحياة في عيون البنادق والركام والفئران التي تقُرض عُمركم كل دقيقة _ أرأيتم في زمنكم كيف تلّبس الفئران الساعات التي بثمنها قد تنقذون أمهاتِكم المحطمات على الأسرة الصفراء بأمراض القلب والضغط وداء السكري. أمهاتكم اللواتي يفتحن شبابيك المجهول
في أعينكم كل فجر، ويرضخن بالدعاء إلى الله أن ينقذكم من حائط أسمنتي يسد سماء مدينتكم.
إلى كل الغرباء الذين لا أعرفهم في المقاعد المجاورة، إني أكرهكم، وأرجوكم ألا تضحكوا كثيرًا فهذا الضحك يزعجني ولا يعنيني، وأنا أرغم الزرقة الداكنة أمامي كل يوم على سماعي، كلما فكرت في أن أراقب النوارس البيضاء هذه الكائنات المالحة كم تشبهنا، وهي تفتش عن سطح هادئ لتدفن رأسها.