د. مصطفى يوسف اللداوي | فلسطين
انتهت الانتخابات الإسرائيلية الخامسة والعشرون منذ تأسيس الكيان، والخامسة المبكرة في غضون ثلاث سنواتٍ، في ظل توقعاتٍ غير مفاجئةٍ، ونتائج غير حاسمةٍ، رغم أن نسبة التصويت كانت الأعلى منذ العام 1999، إلا أن ارتفاع نسبة التصويت لن تساعد في الحسم لصالح اليمين أو يمين الوسط واليسار، فكلاهما يشكو من فشله في الحصول على أكثر من 60 مقعداً في الكنيست الجديد، إلا أن ينشأ تحالفٌ بين نتنياهو واليمين المتطرف ومعسكر التغيير، وهو ما يبدو مستحيلاً ولو مع بعض أطرافه، ما يعني أن حالة الجمود ستبقى قائمة، ومعها حالة التخبط وعدم الاستقرار، وتجذر الخلاف وتعمق الأزمة وزيادة الانقسام.
إلا نتائج العينات التلفزيونية الأولية تشير إلى أن معسكر اليمين الديني المتطرف بزعامة بنيامين نتنياهو قد يكون هو الفائز في الانتخابات، فقد أشارت النتائج الأولية، رغم أنها ليست رسمية بعد، إلى أن اليمين قد يحصل على 61-62 نائباً، من أحزاب الليكود والصهيونية الدينية وشاس ويهوديت هتوراة، مما يجعل نتنياهو أقرب إلى رئاسة الحكومة الإسرائيلية القادمة، ولو أن حكومته ستكون ضيقة، ولا تتمتع بأغلبية كبيرة في الكنيست، إلا أنها تتميز بتجانس أطرافها وانسجامهم، مما يجعلها مستقرة نسبياً، وبعيدة عن الانقسامات والانسحابات، علماً أن نتنياهو سيخضع للابتزاز والاستغلال، وسيجد نفسه مجبراً على الخضوع لأطراف ائتلافه، وملزماً على تلبية رغباتهم والاستجابة إلى شروطهم، لحاجته الشخصية إليهم في النجاة من المحاكمات، وليعود رئيساً للحكومة الإسرائيلية للمرة السادسة في حياته السياسية.
نتائج الانتخابات الإسرائيلية الأولية تكشف بوضوحٍ تامٍ عن وجه الكيان الصهيوني الحقيقي، وهو الوجه الذي نشأ على أساسه وتمسك به، وحافظ عليه ولم يخجل منه، فهذا الكيان عنصريٌ منذ النشأة، وفاشيٌ منذ ما قبل التأسيس، ويمينيٌ متطرف خلال العقود السبعة من عمره.
فهو لم يخف أفكاره القديمة بطرد الفلسطينيين من أرضهم، وترحيلهم من ديارهم، ضمن برنامجٍ قديمٍ عندهم أسموه “الترانسفير”، الذي تولى الدعوة إليه والعمل به كبار المسؤولين السياسيين والأمنيين والعسكريين، وهو وإن غاب عن الطرح حيناً، إلا أنه لم يمت، بل بقي متداولاً بين زعماء الكيان وقادة أحزابه، إذ لم يسقطه من حساباتهم مقتل مئير كاهانا أو غياب رفائيل إيتان.
اليوم أعاد المستوطنون الإسرائيليون الحياة إلى مشروعهم القديم، وكشفوا عن وجههم الحقيقي وسياستهم الرسمية، فاختاروا الأكثر تطرفاً من بينهم، والأسوأ عبر التاريخ فيهم، وانتخبوا نتنياهو زعيم اليمينيين وقائد المتطرفين الأول، الذي عمل على مدى سنوات ترأسه للحكومات الإسرائيلية الخمس، على انتزاع ما بقي من حقوق الفلسطينيين، وحرمانهم من مستقبلهم في أرضهم ووطنهم ومقدساتهم، وها هو اليوم يأتي ومعه الأسوأ منه والأكثر تطرفاً من حزبه، ليواصل مشروعه، ويتمم مخططاته، وينهي ما بدأه عبر سنواتٍ طويلة.
بدأت منذ ساعات الليل الأولى بعد إغلاق صناديق الانتخابات تتضح خطوط السياسة الإسرائيلية الجديدة، فالحكومة القادمة هي حكومة أقصى اليمين المتطرف، وسيكون أقطابها الكبار إلى جانب نتنياهو كلٌ من إيتمار بن غفير ويتسليئيل سموتريتش، الذين حصلا حتى الساعة على 15 عضواً في الكنيست، بما يجعل منهم القوة الثالثة في الكيان الصهيوني، بعد الليكود وحزب “هناك مستقبل” الذي يتزعمه رئيس الحكومة الحالي يائير لابيد، وقد أعلن بن غفير رغبته تسلم وزارة الأمن الداخلي، وفي نيته التشدد أكثر مع الفلسطينيين، وتغيير الكثير من القوانين التي تتعامل بها الحكومة مع الفلسطينيين.
فهو وشريكه سموتريتش لا يريدون للشعب الفلسطيني أن يبقى في أرضه، ولا أن يعيش كريماً فيما بقي له من وطنه، ويريدون انتزاعه وطرده منها، وتمكين المستوطنين من أرضهم، وبناء المزيد من المستوطنات على حسابهم، وخلال ذلك لا يعنيهم كثيراً قتل المزيد من الفلسطينيين، وإطلاق يد الجيش والمستوطنين في إطلاق النار عليهم وقتلهم بحجة الدفاع عن أنفسهم، ومواجهة اعتداءات الفلسطينيين عليهم.
اليوم بات الفلسطينيون والعالم كله في مواجهة أعتى حكومةٍ إسرائيلية، وأكثرها سوءً وفحشاً، وأشدها فاشيةً وعنصريةً، وسيكون لزاماً على دول العالم أن يرقبوها ويواجهوها، ويتصدوا لها ويحاصروها، فهي الحكومة المتفلتة من كل القيود، والمتحررة من كل الضوابط، وهي التي ستفجر الحروب، وستدخل المنطقة كلها من جديد في أتون مواجهاتٍ داميةٍ وحروبٍ قاسيةٍ.
لكن الشعب الفلسطيني الذي خبر غيرها، وعرف سياسات رئيسها العائد، وتصدى له ولقادةٍ كبارٍ أمثاله، لن يضيره عودته، ولن يخاف من حكومته، ولن يذعن لسياسته، ولن يخضع لإجراءاته، بل لعله سيكون أجرأ عليه وعلى حكومته، وأكثر إصراراً على مواجهته والتصدي له، ولعل معارك القدس وبوابات المسجد الأقصى تشهد على صمود الفلسطينيين وتقهقر نتنياهو.
فلا يفرحن نتنياهو بعلوه، ولا يفاخرن إيتمار بفوزه، ولا سموتريتش بانتصاره، فهذا الشعب الصابر العنيد، المؤمن الواثق، يدرك أن العدو واحدٌ وإن تغيرت أشكاله وتبدلت أسماؤه، وهو احتلالٌ وحشيٌ واستيطانٌ غاصبٌ وإن تعددت حكوماته واختلفت سياساته، فهم جميعاً سواء لا فرق بينهم، صهاينة عنصريون، فاشيون استئصاليون، يمينيون متطرفون.