كانت الشمس قد مالت إلى الغروب، عندما اقترب القارب الذي سيأخذنا من الميناء في رحلة حول الجزيرة … بدأ يشقّ الماء ببطء في ممرّ طويل تصطفّ القوارب البيضاء على جانبيه، وبدأ يتسلّل إلى سمعنا صوت موسيقى (زوربا) قادمًا من على الرصيف المقابل، وكلّما اقتربنا يزداد الصوت وضوحًا، ويأخذني إلى المرافئ البعيدة، ويشعرني بالسعادة والفرح.
ثمّة شابُّ أسمر اللون يحضن أكورديون صغير بين ذراعيه، ويداعب بمهارة مفاتيح تلك الآلة، وكأنّه يراقصها بمحبّة وشغف. يا الله، كم هو جميل هذا النغم! أعادني إلى هناك.. يوم كنت في المرحلة الثانويّة، وذلك الصيف الذي أنهيت فيه قراءة رواية زوربا اليوناني، ومن ثم شاهدت الفيلم وعشقت موسيقاه، يومها تعلّقت بكلماته وكتبتها في مذكّراتي:
“كنت أريد أن أقول لك كلامًا كثيرًا؛ لكن لسببٍ ما فقدت الرّغبة في الحديث
وصرت أفترض أنّني قلت لك كل شيء، وصرنا حبيبيْن..”
ولست أدري لماذا كلّما سمعت هذه الموسيقى؛ شعرت بحنين يأخذني إلى شواطئ مدينتي، يوم كنا نذهب إلى البحر منذ شروق الشّمس وحتّى غروبها،
نلاحق الأمواج ونجمع الأصداف ونجمات البحر، ونعود وقد لفحتنا الشّمس وتغيّر لون بشرتنا، لا نفكّر في شيء سوى من سيغتسل أوّلًا ويذهب إلى النّوم.