طيوب البراح

فما بعد العسر إلا اليسر

من أعمال التشكيلية الليبية منيرة اشتيوي
من أعمال التشكيلية الليبية منيرة اشتيوي

مرَّ وقتٌ طويلٌ جداً على آخر جملة دوّنتها وآخرِ نَصٍ نسجت حروفه من أعماقي. أُحس بفراغٍ يملؤني، يُمحيني من الحياة كما تمحو الرياح آثاراً مطبوعة على رمل رقيق، فراغ يمنعني فعل ما أحب ويبعدني عمَّا أرغب، يجرفني لسرداب مظلم عميق، ولا طاقة لي لمقاومته أو لأحاول منه فراراً.

وما بالي وسردابي ذاك، وقد سكنني سرداب الفراغ قبل أن أسكنه، سرداب يشغل حيز التفكير والوجود، لا يشبه أي فراغ وغموضه غير معهود. شعور اللاشعور، غريب هو ذاك الشعور. لا شيء يشبه ما اعتدته و لا شيء يبدو كما أردته، شعور تائه لا يدري عن الأين، لا من أين أتى و لا مقصده إلى أين، وأَمَرُ من كل الأين الهوى و الهوية؛ من أنتِ أيتها النفس المنسية؟

ها أنا أحاول البحث عن أجوبة لتساؤلاتٍ شتى، وأتشبث بآخر المحاولات فأخطو ببطء لعليَّ أرى وجهةً واضحةً أتّبعها لكنّ ذاك الفراغ بداخلي يربكني ويهز أركاني فأتوقف جاثمةً على وهن كياني.

تسرقني لحظات العمر فأجاريها، أتحسس آثار الزمن فأزدريها، وتسطع أسئلتي فأبحث عن سبب لوصلة نحيب وإن لم أجد أختلقها، أخوفاً من ضوعي أم أسىً على انصياعي لا أدري ولكن لا شيء يشبه الشيء.

أسمع ما يشبه الهذيان، هو لا شك صدى فراغ الروح الذي يربك نبضات قلبي فيسكن وبالكاد يدق فدقاته بدأت تتباطأ وكأنها تميل لوقفة على أطلال الصبا. يكاد وقعها يغيب، يفتر بسكون ثم يزمجر زافراً يلفظ نبضة عالقة بتردد بطيء كما يزفر بركان خامد حممه المكبوتة.

أحاول إحياء قلبي المنهك من سباته المريب، فيصدح بدقاته المتثاقلة ثم يخالجه شعور الإعياء فيهدأ ويزيدها تباعداً على تباعدها. ثم ينتشلني لأعماقه البعيدة يسمعني صوت عميقاً متقطعاً. أتساءل لما كل ذاك أيُّها القلب الفتِّيُ أهو الغضب أم الحزن من غشّى دقاتك وأرداك كهلاً هكذا؟ يجيب بصوتٍ أجشٍ لا شيء غُمةٌ وستزول….

هكذا كان حالي وهكذا سيكون مراراً خلال العمر ولا بأس فما بعد العسر إلا اليسر..

مقالات ذات علاقة

رواية لولا المساء

المشرف العام

لـولا البحـر مـا عرفـتك

المشرف العام

احتراقْ

المشرف العام

اترك تعليق