صباح الأمل يا عام 1994م…
قبل أيام كنت أبحث عن كتاب ما، ولكني عثرت على أعداد من مجلة (الناقد)، مجلة دار الريس التي تصدر من لندن، أعداد من عدة سنوات، ولكن كدت أطير حقا حين وجدت العدد الذي احتفى بالإبداع الليبي في ملف داخل المجلة، و تلك القصيدة، قصيدتي التي اختاروا لها عنوان (أراقب العالم بدهشة) مع قصيدة صغيرة بعنوان (أُمنية)، هذه القصيدة التي غيرت في عنوانها حين نشرتها في (الأهرام الثقافي) حين اخترت عنوان (طرابلس 1994)، و حكاية اللقاء مع الشاعر والصحفي اللبناني “يحي جابر” في معرض الكتاب بطرابلس في سبتمبر 1994م…
كانت زيارتي للمعرض ذاك المساء، ثم اكتشاف وجود الشاعر “يحي جابر” وأمسيته، “مجاهد البوسيفي” ولفيف من الأصدقاء والصديقات، لقائي لأول مرة بالشاعرة “تهاني دربي”، ولكن كأننا التقينا منذ زمن، المكان مكتظ والأمسية وحديث سريع مع الشاعر، ولا أدري هل هو من أخبرني أنه يعد ملفا عن الإبداع الليبي أم أخبرتني “تهاني” أو ربما “مجاهد”، وكيف ستصل القصائد إليك سألت فقال “يحى جابر”: أنا أقيم بالفندق الكبير، إذا لم تجديني اتركيهم في (الريسبشن).
وعدت محمّلة بكتب ومفعمة! ولكن أي قصيدة ستكون في مجلة بحجم (الناقد)، حيث خواتم “أنسي الحاج” التي حتى بعد نشرها في كتاب (خواتم) مازال يواصل رشق الخواتم على صفحاتها لأهيم وأغرق، وغرقت بين كراساتي حيث بدايات نصوص وخربشات، كانت (أمنية) قصيدة صغيرة ومكتملة..
في عالم آخر
في دنيا أخرى
حين يطفئن
ثلاثين شمعة
يفكرن في الهدوء
فالصخب كان كثيرا … كثيرا جدا
وأنا أنتظر
حتى تنطفئ الأربعون
وتفقد أمي
كل رجاء وأمل ويأس
وينشغل إخوتي
بزوجاتهم
حينذاك سأشرع
أجنحتي
وأسرح
في فضائك
أيتها الحرية….
ولكن ثمة قصيدة بها تجريب كتبت جزءا منها في بداية العام وجزء آخر ربما في يونيو، أي منتصف عام1994م، ولكن هناك شيء مفقود، وفي هدأة الليل جلستْ تلك الشاعرة وبدأت الكتابة، ثم قرأت ما كتبت وانتبهت أن هناك وشيجة بين هذه الأجزاء، وضعت رقم – 1- وأعادت القراءة هذا المفتتح، ثم – 2- وأعادت القراءة هناك، تساوق وارتفاع وتيرة غاضبة، و كان المقطع أو الجزء-3-، وأتذكر أن كلمة سبتمبر كتبتها (أيلول الأسود) ولكن الليلة الأولى من (أيلول الأسود)، ستأخذ منحى غير الذي أريده و هكذا… صارت الجملة: ليس لهذيان الليلة الأولى من سبتمبر إلا هذي الجرعة الأخيرة … (حين نشرت في الناقد لم يُرقم هذا الجزء – 3-)
رتبت الأوراق وكان معي قصائد لصديقي الشاعر “فرج بوشينة”، وأيضا لصديقي الشاعر “عبد الحكيم كشاد”، اخترت لكل واحد مجموعة و جهزتها جميعا ونمّت بانتظار الغد، ولأني معلمة لأربعة فصول في مدرسة (الجماهيرية المصغرة) كان لابد أن أعطي حصصي ولأذهب بعد الثانية عشرة للفندق الكبير فلا أجد الشاعر “يحي جابر”، وكما أوصاني وضعت الأمانة في (الاستعلامات) وانتظرت (مجلة الناقد) كل شهر تالٍ بانتظار الملف الخاص بالإبداع الليبي والذي نشر في فبراير 1995.
الملف: ليبيا 1994م (قبيلة من شعراء.. وعشيرة من قصاصين)
البنات الجميلات حفيدات 1994م
غريب جدا هذا العام باكتظاظه بالذكريات، من فبراير حيث أمسية الاحتفاء بديوان (رجل بأسره يمشي وحيدا) للشاعر “مفتاح العماري”، واكتظاظ جدولي المدرسي وتفكيري الجدي في الانتحار والذي وثقته في قصة نشرتها في مجلة المؤتمر عنوانها (بنت السلطان تموت جوعا) قصة كتبتها في نهاية يوليو، شهر يوليو حيث في يوم 18 أطلت حفيدة جديدة لعائلتنا هي (أماني)، ومازلت أذكر تلك الصورة التي رسخت في قلبي حيث البنات الجميلات في قيلولة: أختي ثم حفيدتنا الأولى وتليها حفيدتنا الثانية شقيقتها ثم الحفيدة الثالثة ابنة عمهما والتي كانت في عمر شهر، نظرت إليهن وفكرتّ أيّ حياة تنتظرهنّ في هذا المجتمع؟
وقد ظهرت هذه اللوحة/ الصورة في القصة، ثم جاءت الحفيدة الرابعة (سميحة) في نهاية أغسطس، أي كان ثمة أربعون يوما وأيام بينها وبين ابنة عمها “أماني”، وهكذا ستغدوان صديقتين مقربتين، أتذكرهما في الخامسة من عمرهما تجلسان تحت شباك حجرتي المطلة على شجرة (الكرموس) اسمع تخافت حديثهما وضحكاتهما، أرفع صوتي مهددة (سمعتكم توة نحرش فيكم) فتطلان من وراء حديد الشباك ضاحكتان لتطلبا (شوكلاطة أو حلوة).
ومازلت أتذكر وتحديدا في (سبوع سميحة) أي كان شهر سبتمبر في أوله وتذكري اليوم ميلاد صديقي القاص والذي فازت مجموعة قصصية للأطفال من تأليفه في أحد دورات معرض الشارقة ونشر مجموعة قصصية، هو (محمد الطاهر)، سرقت وقتا لأجيء إلى مكان عمله والذي كان مع صديقتي الشاعرة (كريمة حسين) في مبني (صوت الوطن العربي)، وجلسنا نتحادث وأخبرهم عن (السبوع) وعن البنات الجميلات حفيدات (القمودي وزهرة).
وفي عام 1994م أيضا … وأيضا …
ولأنها حواء (المصارعة) فكرت في إكمال الدراسة العليا، عرضت الأمر على أمها “زهرة” والتي كالعادة ستقول لها: شاوري خوتك…؟
لأنها تعرف أن أبي (القمودي) تستطيع ابنته “حوا” بسهولة إقناعه، وكنت قد أقنعت صديقة لي أن تكمل دراستها، وقدمنا أوراقنا لقسم الدراسات العليا / جامعة ناصر، ونجحنا في امتحان القبول، ثم بدأت الدراسة و جاءتني زميلتي بالجدول، وأخبرتني أنها ذهبت وتساءلت عن سر (نكوصي) وأنا التي أقنعتها بإكمال الدراسة العليا؟ وغادرت هي لتطلّ الأسئلة والاستغراب، ما حكاية هذا الخوف ووووو هي خطوة وكنت شاردة الذهن حين سمعت تصفيقا وهتافا، كان ثمة مباراة في الدوري الإيطالي وإخوتي بين ميلانو ويوفنتس وأنا (في حيص بيص)، نهضت أجهز مذكرة وأنظر إلى الجدول الذي تركته لي صديقتي، وأخبرتُ أمي أني لن أرجع للبيت إلاّ متأخرة، وأجبت عن سؤالها المستهجن: بنمشي من المدرسة للجامعة.
و حينذاك كان جدولي بواحد وعشرين حصة وثلاث احتياط، وعادة أخرج من الدوام قبل الواحدة ظهرا، مازلت أذكره ذاك اليوم والذي كان هو نهاية العام 1994م، حيث كان التاريخ على السبورة هو 31/12/1994م، ربما لا أنساه ولا أنسى تلك البنت التي مسحت السبورة من طباشير المحاضرة التي كانت عبأتها قبل دخولهم، تتذكر تعليقات الزملاء الذين سيغدون مثل أخوتها وتقبلها لغمزهم لأنها كانت الأكبر، معلمة وشاعرة مفعمة بالرغبة الحقيقية في إنجاز رسالة عن الإبداع الليبي، وكانت المحاضرة الأولى التي افتتحت بها فصلا دراسيا هي (العروض) للدكتور “صلاح مبروك”.