أخبار الأدب :: بشرى عبدالمؤمن
لم أدعى مطلقا في أي مشهد ثقافي عربي
لم أملك رفاهية أن أظل محايدا تجاه ما يجري في ليبيا
أكتب تاريخ أناس أخرين لم يكتب التاريخ عنهم شئ
لا يوجد صراع بين المثقف والسياسي فالثاني لا يصارعه أحد
مقياس نجاح الرواية العربية هو قبول الغرب واهتمامه بها
لا أفكر في الجوائز لكن أتمنى أن تنال كتاباتي إعجاب الكثيرين
لا توجد في ليبيا جائزة رسمية منسوبة إلى الدولة كلها منسوبة للنظام
روائي ليبي لم يغمض عينيه، ولم يملك رفاهية أن يظل محايدا تجاه ما يجري في ليبيا، مقل في إنتاجه الروائي لكنه متميز للغاية، مظلوم نقديا لكنه لم يعبأ بذلك، يرى أن للإحتفاء في المشهد الثقافي العربي شروطه وهو رجل لا تتوافر فيه سوى شروط الإبداع، يعلو عنده النبض القومي للدرجة التي تجعلك لا تعرف إن كانت روايته راوية ليبية أم ليست كذلك، يستهجن الرواية العربية التي تكتب خصيصا من أجل المتلقي الغربي، تحدث د. غالي شكري عن روايته الأولى “متى يفيض الوادي” فقال: “صالح السنوسي أحد الامتدادات الحية لتراث نجيب محفوظ ويوسف إدريس معا”، من رواياته “متى يفيض الوادي 1980، لقاء على الجسر القديم 1992، سيرة آخر بني هلال 1999، حلق الريح 2002، يوميات زمن الحشر 2012″، وله مجموعة قصصية وح يدة بعنوان “غدا تزورنا الخيول”1984. التقت به “أخبار الأدب” أثناء تواجده في معرض القاهرة الدولى للكتاب أول هذا العام ودار معه الحوار التالي:
أقمت في فرنسا فترة السبعينيات والثمانينيات فإلى أي مدى يقع تأثير الأدب العربي على الثقافة الغربية؟
– في الحقيقة الثقافة العربية بوجه عام كغيرها من الثقافات في مواجهة ثقافة الغرب للأسف هي تعتبر شئ من الفلكلور أكثر من كونها ثقافة، وبالتالي تأثيرها على الثقافة الغربية مبالغ فيه لأن الثقافة العربية منذ عدة قرون وهي في حالة تقهقر بينما الثقافة الغربية متوغلة ليس على الثقافة العربية فقط بل على كل الثقافات، فهي ثقافة عالمية تمتلك كل الإمكانيات والصفات التي تجعلها قوية ومهيمنة، فما أكتشفته في تلك المرحلة أن الثقافة العربية ينظر إليها على أنها أولا: ثقافة قديمة، ثانيا: غير متطورة، ثالثا: لا تمثل هوية ثقافية فاعلة على مسرح الطريق المعاصر وهذه مشكلة كبرى بالنسبة لها، وبالتالي كل العرب عندما يذهبون هناك -على الرغم من أن الكثير منهم جيد ورائع وما إلى ذلك- ولكن طالما هو يتعمل بالثقافة التي ينظر إليها نظرة دونية فتأثيره قليل طالما لم يخاطبهم من خلال ثقافتهم ولغاتهم هم.
ولكن ماذا عن ترجمة الأدب العربي؟
– هي مبادرة طيبة لا بأس بها ولكن أرى أن تلك الترجمات تتم من زاوية التعرف على العجائب والخوارق والأشياء التي مضى عليها الزمن وليس من قبل أنها أدب ابن ثقافة متطورة وفاعلة ومؤثرة، بالتالي أنت ترى الكتاب العرب للأسف ولاسيما الأدباء والقصاصون بالدرجة الأولى يتخيرون موضوعات تهم القارئ الأوروبي على أمل الوصول إلى الغرب وعلى أمل أن تتم ترجمة أعمالهم، فتراه مهتم بكل ما هو غريب وعجيب ومتهم كذلك بالمسائل الدينية أو مسائل المرأة أو الطوائف أو العرقيات لأنه يرى أن هذا هو المطلوب من الغرب السياسي، والغرب السياسي هو من يعطي الضوء الأخضر إذا صح هذا التعبير للغرب الثقافي لكي يهتم بهذا أو ذاك، فالغرب غربان: غرب ثقافي وغرب سياسي، والثقافي يعمل في خدمة السياسي، فكل ما هو مفيد للغرب السياسي يسلط عليه الغرب الثقافي الضوء، غير ذلك أكتب ما تشاء حتى ولو كان رائعا.
من هنا يمكن أن نتحدث عن صراع المثقف والسلطة.. فهل السلطة دائما تحتاج إلى مثقف أم السياسي رجل حكيم يستطيع قيادة الأمور وحيدا؟
– علينا أولا أنا نعرف من هو هذا السياسي، فهناك سياسي يحتاج إلى مثقف لأن النظام السياسي لا يسير إلا على قدمين هما: المثقف والسياسي، لكن ربما هناك نوع من الأنظمة وكذلك السياسين الذين يعتبرون أنفسهم ليسوا في حاجة إلى أحد ويكادوا يكونون أنصاف ألهة، لا يحتاجون إلى ثقافة ولا إلى معينين ولا إلى مستشارين، وبالتالي تكون الثقافة مهمشة، والمثقف في مثل هذه الأنظمة عليه أن يرضى بألا يكون شريكا، بل عليه أن يقبل بأن يكون خادما، مثل الترزي يطلب منه حسب الوصفة، وغير ذلك فلا حاجة للأنظمة به، لكن غير ذلك من الأنظمة المتطورة والأكثر إنفتاحا فهي تعرف أهمية الثقافة وبالتالي تحتاج إلى جوقة ثقافية تعطيها نوع من الشرعية في نظر بقية المجتمع، في هذه الأنظمة السياسي يحيط نفسه بمجموعة من رموز الثقافة والفن، أما عن صراع المثقف والسياسي فلا أعتبره صراعا لأن السياسي لا يصارعه أحد، يمكننا أن نستبل صراع المثقف بوضع المثقف.
لك ست روايات فكيف ترى واقع الرواية العربية الأن؟
– هناك روايات رائعة مؤكد، ولا أنكر أن هناك نوع من الإبداع، ولكن الرواية العربية باعتبارها ظاهرة مستنبتة في البيئة العربية فهي دائما تتعثر، ودائما تحاول أن تقتفي أثر الرواية العالمية الأوروبية الغربية بالدرجة الأولى، فمقياس نجاح الرواية العربية أصبح هو قبول الغرب واهتمامه بها، وإن لم تنطبق عليها معايير رؤية المتلقي الغربي فهي فاشلة، فلو أن هناك رواية عربية ناجحة فذلك لأنها ارتدت زيا جعلها تقبل لدى المتلقي الغربي إذا أراد ذلك، لكن لا تعرف الرواية العربية مقياسا للنجاح من ذاتيتها هي، فمقياس الغرب هو مقياس النجاح.
وهل صحيح ما ذكره مؤخرا الناقد د.جابر عصفور حينما قال إن هذا زمن القص؟
– إذا كان د. جابر عصفور قالها الأن في هذه السنة، فهذه قيلت منذ عقد أو عقدين، عندما قيل أن الرواية أصبحت هي ديوان العرب، وأنا أرى ذلك صحيحا فالرواية العربية الأن أخذت مكان الشعر، فالشعر بدأ ينحسر بالطبع، الشعر حساس للغاية ويحتاج إلى ثقافة متطورة كثيرا ولا يكون ناجحا إلا إذا كانت ثقافته وصلت إلى قمة الرقي لأنه يخاطب مجموعة من الحواس والعواطف أكثر مما يقص عليك ويحدثك، فإذا لم تخلق الثقافة في الإنسان الشعور بالتلقي غير المادي ستظل الرواية تسبق الشعر، فالرواية بما أنها حكاية وقص فكل يروي كما يريد، وكل يحكي ما يشاء، لذلك تجد الرواية منصت أكثر مما يجده الشعر ولكن سيظل الشعر في الخطاب المباشر للمتلقي أفضل من الرواية لأن الشعر وجد كخطابة وليس ككقص وبالتالي إذا كان جمهور المتلقي حاضرا والخطاب مباشر فالشعر أفضل من الرواية.
البعض يظن أنك في بداياتك كتبت شعر لكنك بدأت أول ما بدأت بكتابة الرواية على الرغم من أن الغالبية تبدأ بكتابة القصة القصيرة.. فهل لديك تفسير لذلك؟ وهل مازلت تحتفظ بمخطوط روايتك الأولى؟
– لم أدون الشعر ولم أنشره لكن كتبت بعض القصائد لنفسي، أما البداية فكانت رواية، وبالفعل في أول محاولاتي كتبت الرواية ولم أكتب قصة قصيرة، هي أول كتابة ساذجة بالطبع، ودائما أسأل نفسي عن كل من كتبون الرواية بدأوا على الأغلب بكتابة القصة القصيرة لكن أول محاولاتي جاءت على خلاف ذلك أو هكذا صورت لي نفسي الأمارة بالسوء، ولازلت أحتفظ بهذا المخطوط حنى اليوم، أراه وأتعجب من نفسي وأتجرأ عليه وأقول ما هذا الكلام “البايخ” البسيط لكن في تشكيلاتها كانت رواية ولم تكن قصة قصيرة، أما عن تفسير ذلك فيرجع إلى جذوري البدوية، والبدو يحبون الحكايات الطويلة لأنهم عندما يسافرون يحتاجون إلى الحكاية ولا يرون القصص القصيرة، فربما من تلك الجذور بدأت بالحكاية الطويلة ولم أبدأ بالقصة القصيرة.
لماذا اتجهت إلى الرواية وهل كان للجوائز دور أساسي فب إتجاهك إليها؟
– أبدا، عندما أكتب لا أفكر في الجوائز، صحيح كل شخص يتمنى أن يجد لما يكتبه تقدير ومكانة ولكن لا أستطيع أن أفكر في الجائزة وأكتب، أنا أكتب فقط، مع التمنى أن ما أكتبه يحوز إعجاب الكثيرين ويكون له مردود معنوي، لكن لا أكتب من أجل جائزة وقد ظللت مدة كبيرة أكتب ولا علم لي بالجوائز، فعندما كتبت أولى محاولاتي لم أكن أعرف شئ عن عالم الجوائز.
بمناسبة الحديث عن الجوائز.. إعتذرت عن قبول جائزة الفاتح التقديرية للآداب عام 2009.. فلماذا هذا الإعتذار؟ وماذا لو جاءت الجائزة من مكان أخر.. هل كنت ستقبلها؟
– لو جاءت الجائزة بمسماها القديم كما كانت في ليبيا ذلك الوقت وهو جائزة الدولة التقديرية كنت سأقبلها، لكن هذه الجائزة ربطت بنظام سياسي وبالتالي قبولها يعنى أيضا قبولك لكل أطروحات هذا النظام بالنسبة لي شخصيا، وهي وضعت من أجل الدعاية للنظام وليس للدولة، فلو كانت للدولة ما كنت سأعتذر، ليبيا لا توجد فيها أي جائزة رسمية منسوبة إلى الدولة كلها منسوبة للنظام مثل جائزة الفاتح وجائزة القذافي، فهي ليس مرتبط لا بوطن ولا ببلد وإنما مرتبطة بأشخاص أو بنظام سياسي فعليك إذا قبلت أن تقول أنني أقبل كل أفعال النظام لذلك إعتذرت وقلت أنني مازلت في مرحلة لا أستحق فيها جوائز، وهم لم يصدقون ذلك ولكن اعتبروها نوع من النكور والتراجع دون أن أجرحهم ولا أجرأ على ذلك، وطوال وجودي في ليبيا لم أكن من النظام وهم يعرفون ذلك لكن في نفس الوقت لا أتنطع في الصراع معهم، أنا أهمشهم وهم يهمشوني!
ذكرت في أحد حواراتك أن للإحتفاء في المشهد الثقافي العربي شروطه وهذه الشروط لا تتوافر فيا.. ففي رأيك ما هي الشروط التي يضعها أو يحددها المشهد الثقافي لكي يحتفي بالكاتب؟
– المشهد الثقافي العربي هو إعادة إنتاج للمشهد السياسي، والمشهد السياسي العربي يقوم على العصبة، يقوم على الغنيمة، حتى في البلدان العربية الأكثر تحضرا يوجد نظام العصبة وليست هذه العصبة قبلية فقط وإنما عصبة طائفية وعصبة فئوية عسكرية، لابد للنظام العربي من عصبة لكي يغلق على نفسه ويمتلك السلطة، وبالتالي تمثل السلطة بالنسبة له غنيمة ويوزعها كما يشاء، أما عن المشهد الثقافي فهناك ما اسميه “المافيات الثقافية العربية” على المستوى القطرى، هذه المافيات على مستوى كل بلد تشكل عصبة صعب إختراقها وتتبادل مصالحها مع بعضها البعض كما الغنيمة، وعلى مستوى العالم العربي كذلك هم يحتكرون الضوء والكتابة والدعاية والحضور إلى المؤتمرات والحضور إلى كل المشاهد الثقافية، ومعظم المافيات تجود عليها السلطة بجزء من الغنيمة فتعطيها مكان الصدارة وترشحها لإدارة المؤسسات، أما أنا فلست في عصبة ولا أستطيع أن أحصل على غنيمة! ولم يدعونني مطلقا في أي مشهد ثقافي عربي! لأني ليست لدي علاقات مع هذه العصب وليس لدي ما أبادلهم به إلا الكتابة وهي لا تعني لهم شيئا، فمثلا معرض القاهرة الدولي للكتاب أحضره منذ 25عام ولا مرة دعيت إليه!
في إحدى ندوات معرض القاهرة الدولي للكتاب تم مناقشة كتاب فوزي الحداد عن القصة النسائية القصيرة في ليبيا.. فهل بإمكانك أن تحدثنا عن تلك القصة؟ وتعطينا جانب من أسرارها ومميزاتها وعيوبها؟ ومن هم أهم كتابها؟
– في الحقيقة لم أطلع بعد على كتاب فوزي الحداد وأعرف أن أطروحته في الدكتوراه تناولت بعض من رواياتي، ولم أحضر الندوة حتى أعلق عليها، أما عن القة كضرب من ضروب الإبداع لا يجب أن تذكر وأن تؤنث، وسنظل نقع في هذا الخطأ، طالما نحن في العالم العربي دائما ما نتحدث عن المشكلات الخاصة بنا ومنها مشكلة المرأة وأنها قاصر وأنها ناقصة عقل ودين وإلى أخره، وبالتالي مضطرين أن نهتم بها وأن نتحدث عنها بما في ذلك تصنيفها ضمن الفئات وليس ضمن المواطنين، وقد قرأت بعض القصص وكذلك الروايات التي كتبتها روائيات ليبيات وأعجبت بها جدا، منهم نعيمة رزان المغربي والروائية وفاء البوعيسي في روايتها “للجوع وجوه أخرى”، والروائية الليبية التي تقيم حاليا في إيطاليا “نجوى بن شتوان” في روايتها “زرايب العبيد”.
روايتك “يوميات زمن الحشر” تتحدث عن حادثة شهيرة وهي تظاهرات القنصلية في بنغازي والسبب الواضح فيها هو ظهور الرسومات التي أساءت للرسول عليه الصلاة والسلام.. فكيف أثرت الأوضاع السياسية الليبية في كتاباتك الروائية؟
– التأثير السياسي على كتابتي بوجه عام هو جزء من تأثير الواقع العربي حتى أنهم أتهموني في ليبيا أنني لا أكتب رواية ليبية وإنما أكتب رواية عربية وكل كتاباتي كذلك ولذلك أسباب عديدة أولها أنني كتبت خارج ليبيا وثانيها لأني أمتلك نفس قومي وبالتالي أكتب للقارئ العربي ولذلك معظم رواياتي لا توجد بها جنسية للأبطال لكي يتماهى كل قارئ عربي مع هذه الشخصية، لكن فقط رواية “يوميات زمن الحشر” جاءت ليبية، فالواقع الليبي شديد الخصوصية في كل جوانبه، وبالتالي لم أملك رفاهية أن أظل محايدا تجاه ما يجري، فكتبت هذه الرواية التي تتحدث عن 30 عاما مرت علينا في عهد القذافي.
كيف تخصلت من الأزمة الأكبر التي تواجه كل من يكتب الرواية التاريخية وهي أن تتحول روايته غلى تأريخ صرف؟
– كتبت أكثر من رواية أكتفيت فيهم فقط بالواقعة التاريخية وأحول هذه الواقعة إلى حدث روائي، فلا أسرد وقائع التاريخ وإنما أكتب تاريخ أناس أخرين لم يكتب التاريخ عنهم شئ، وبالتالي أكتب عن حياة أشخاص خلال حدث تاريخي يظل في مؤخرة المشهد الثقافي فقط أعود إليه بمجموعة من الإشارات، أنا أكتب رواية ولا يكون من ضمن شخوصها أشخاص حقيقيون هذا لا علاقة لي به، أما عن رواية “يوميات زمن الحشر” فصحيح فيها نوع من التأريخ لكن معظم الروايات الأخرى لم تكن روايات تاريخية.