فوضى الكحل المحببة تحيط بالمكان المهيب، تخط الوسوم والإشارات المبهمة، الآثار الداكنة تعلق ببعض أهداب الرمش، تختفي في أضيق مسافة بين الرمش المضطرب والجفن المرتعش، تحرس سواد العين وتتعثر بالحلم في ليل الشتاء الطويل، لم أتعود على غلق حلم خلفه يتعثر عطره وأنفاسه والدمع والعنبر ورائحة غربته، ويعلق في أعطافه الحنين، أطبقت جفوني وتركت له نافذة الحلم مواربة.
أطبقت جفوني وشددت على طيفه المتسرب ورائحة عطره وجبروت صوته الرخيم ذو النبرة الجنوبية العريقة المختلطة بنبرة أهل طرابلس، الزاخرة بمفردات بدو برقة، أطبقت جفوني ثم فتحتها على نافذة واسعة وكبيرة حيث تهب نسائم عليلة خلال شتاء “ديسمبري” رائق في مدينتي البيضاء الجميلة.
تطل نافذتي على حديقة بيتنا الكبيرة، يواجهني السور المرتفع الذي يحيط بمنزلنا ويواجهني طيفه يرتسم كظل رجل ليلي باهر الحضور، يشرق قبل إطلالة أول خيط باهت من ضوء الصباح ويرسل إشاراته الحبيبة في الظلام تحت جنح نور خافت ترسله ذبالة شمعة عاشقة لحظة غياب كهرباء المدينة.
يتقدم ظل الرجل من نافذتي، يقترب فتتراجع خطواتي إلى الخلف، يتقدم أكثر وأكثر وأرى يداً تخط شيئاً عليها، تكتب بسبابة مرتعشة، ثم يختفي كل شيء، يتلاشى الظل واليد وتختفي السبابة لكن عبارة الحب المكتوبة بالبخار المتكاثف على زجاج النافذة تظل ساطعة في ذاكرتي، كنت أدرك أن تلك العبارة الشاهقة المزخرفة بالمشاعر الفياضة تضج في حقيقتها بالخطورة والغموض، تبعتني خطى الظل إلى سريري، اندسست أرتجف تحت الأغطية وظل طيف الرجل مرسوماً على الجدار أمامي كحارسٍ أمين لا يتحرك إلا لكي يتفقد أشيائي الثمينة، شعرت به يندس تحت الأغطية ويتجسس على أغلى ممتلكاتي ويطمئن إلى غنيمته الغالية حتى الصباح، وأنا أرتجف خوفاً وبرداً وحباً.
في الصباح غمغم الطيف العاشق:
– انطلاقة سهم تساوي هدف.
لا أعتقد أن الذاكرة تخطئ، ولا أصدق أن للقلب عثرة ولا يكمن بحال من الأحوال أن يأثم الحلم عندما يكون المبتغى فائق الجمال مثله، لا يمكن أن يكون حضور ذلك الطيف زلة من زلات الروح، أو هلوسة من هلوسات الفكر المشوش بمتطلبات صعبة المنال.
أعلن صباحاً على الملأ، أعلن بصوت مغموس ببحة الاشتياق والهوس والجنون، مغمور في ليلة كاملة من البكاء، البكاء من شدة الحضور والتبدّي والوضوح والسفور لدرجة النقاء، أعلن من شدة جمال الحب وقوة لحظات الانصهار الرائعة.
أعلن أن هذا الطيف حقيقة وواقع وصدق وأن حضوره منزه عن الخطأ والزور والبهتان.. أعلن أنني من شدة واقعيته طلبتُ إليه أن يزول، أن يأفل، يختفي، يحتجب، يغيب.. طلبتُ إليه أن يمتثل لطبيعتي الطينية، أن يذعن لمرارة الواقع، فزمنه يفوق زمني بملايين السنين، طيفه لا يخضع لأبعادنا المكانية، من المنصف أن يعود من حيثُ أتى، من العدل أن ننفصل، طلبتُ إليه أن نفترق.
كانت طبيعتي البشرية الشكاكة تناقض طبيعته، أدميتي آلمته، أنانيتي المفرطة صدمته، غيرتي، ثقلي ناقض خفته، جسدي لم يحتمل وطأة جسده الأثيري الشفاف الخارق لمنافذي، الثاقب لفكري وخواطري، جسدي مشدود إلى الأرض وطيفه سابح في السماء، القيود المفروضة على تكويني الطيني تخشى طبيعته الهوائية الحرة الطليقة.
تمتم وهو يبتعد…
– تشبثوا بثقافتكم الملوثة، أحذروا لعنات عوالمنا.
رفضته بشدة فودعني بتحية خاصة ألمتني وانطبعتْ في نخاع العظم، ثم رحل، كان طيفاً لا يتراءى إلا تحت ضوء الشموع الخافت، اختفى، أبتلعه ضوء النهار الفاجر.
المنشور التالي
خيرية فتحي عبدالجليل
خيرية فتحي عبد الجليل. مواليد مدينة البيضاء.
خريجة جامعة قاريونس – بنغازي.
معلمة ثانوي – تخصص كمبيوتر.
تكتب الخاطرة والقصة القصيرة.
أعدت في صحيفة الجبل الأسبوعية بمدينة البيضاء 1998/م وصحيفة الكلمة الحرة البيضاء 2012/م.
أعدت للإذاعة الجبل الأخضر عدة برامج ثقافية واجتماعية منها برنامج واحة النصف الأخر ، برنامج مرآتي ، برنامج قاموس المعلومات ، وبرنامج تحت أهداب القمر.
شاركت في عدة أمسيات للشعر والقصة القصيرة.
تحصلت على جائزة الترتيب الأول في مجال القصة القصيرة على مستوى ليبيا ضمن مهرجان لمواهب الشابة الذي أقيم في مدينة بنغازي . سنة …..1996 م.
تحصلت علي الأول في مجال القصة القصيرة على مستوى ليبيا للمعلمين عن قصتي شيخوخة وقصة صرخة سنة 2000م .
نشرت في صحيفة الوطن الإلكترونية.
والآن أحد أعضاء تجمع ناشرون وهو تجمع الكتروني علمي ثقافي أدبي عام لمحبي العربية، أعضاؤه أدباء ومؤلفون وأساتذة جامعة، ودور نشر وتوزيع ومعارض كتب، وقراء وطلبة علم، يلتزمون جميعا بالاحتفاء بالصدق والعلم- الأردن.
حاليا أقوم بتحرير صفحة شظايا أدبية بصحيفة شمس الحوار الصادرة بمدينة البيضاء
أحرر صفحة واحة النصف الأخر بصحيفة “الكلمة الحرة ” التي تصدر بالبيضاء.
لدي كتاب مطبوع يحمل عنوان ” أول الفرح ” ومخطوط لرواية لم تكتمل بعد ومخطوط لمجموعة قصص قصيرة .
نشرت في صحيفة طنجة الأدبية – المغرب.
نشرت في الصحيفة الثقافية ، صحيفة الكلمة التي تصدر بلندن.
نشرت عدة مقالات في صحيفة ” ليبيا المستقبل ” التي تصدر – لندن.
نشرت في موقع قاب قوسين ، موقع إكسير ، موقع بلد الطيوب .
نشرت في مجلة أوتار الخليجية.
وصحيفة عدن اليمنية.
المواقع الإلكترونية: http://fulawaha.over-blog.com/ | http://waha2014.blogspot.com/
مقالات ذات علاقة
- تعليقات
- تعليقات فيسبوك