صوت حفيف أوراق العنب المتدلي، امامها في بيت صديقتها عاد بها الى صوت حفيف أوراق العنب المتدلية من عريشة العنب ببيت خالها القديم بطوابقه الثلاثة وأشجاره العملاقة التي احتضنت مشاغباتها وطفولتها الغابرة صوت هفيف الذكريات تناوش أسوار ذاكرتها النائمة بهدوء.
يزداد النبض بشريانها فتتحسس موقعه، ويصلها صوت زوجة خالها الهادر مطلقة أوامرها بالإياب فتركض فوق درجات السلم الرخامي العريضة وتتدافع مع بنات خالها وترتمي متهالكة فوق الأريكة الوثيرة يغافلها أخوها الصغير ويتسلق الجدران قافزا فوق اسوار الحديقة ويأتيها صوت صراخه فتخرج راكضة مرة أخرى للحديقة، ويلحقها الجميع في فوضى عارمة ويتحلقون تحت عرائش العنب فتتساقط عناقيد العنب التي يرميها أخيها نحوهم من عريشة العنب فتندفع للحاق بحباتها المتناثرة ولا تفيق إلا على صوت الخادمة “أم على” الصارخ المولول من شرفة الطابق الأول لاعنة مشاغباتهم.
الشريان النافر ينتفض بقسوة فتمرر يدها عليه لينعم ببعض الهدوء تنبض ذاكرة الشريان فترى صورتها وهي تتسلل مع بنات خالها إلى غرفة الاستقبال للاستمتاع بمشاهدة فيلم تراجيدي ينتهي برحيل البطل ويترك البطلة وحيدة على قارعة طريق الذكريات وتنهمر دموعهن لتختلط مع دموع بطلة الفيلم ذات الملامح الرقيقة الدافئة.
يحرق نبض الشريان جسمها كله وتبرق في ذاكرتها أشعة ضياء شمس الصباح التي تتسلل إلى فراشها، وتوقظها أصوات العصافير المثيرة لضجيج عذب في سكون الحي الهادي الذى يقطع سكونه صوت جهاز التسجيل العالى فتركض بفضول طفولي لتعرف مصدر الضجيج ،لتجد أبن خالها يترنم مغنيا على إيقاع موسيقى احمد فكرون، وطاحن نجوم الليل بين يدي ابن خالها الصغير المفتون بالغناء الغربي، تتجه صوبه وترفع عيونها محدقة بصور الفنانين المرصعة جدران غرفته وسألته: من أين أتيت بكل هذه الصور الكبيرة؟
يجيبها ضاحكا خذي أي صورة تعجبك فتمد يدها وتإخذ صورة “لفرقة البى جيس” وتركض فرحة بغنيمتها.
في سكون الليل وحين يبدأ الكبار في التحلق مع بعضهم في أحاديث حميمية تنسل رفقة اخوتها وبنات خالها الى حظيرة الخيول الملاصقة للفناء الخارجي للفيلا.. يضع أخيها العربة خلف الحصان ثم يتسلل الجميع واحد أثر الأخر قافزين للجلوس بداخلها ويقود العربة ابن خالها المشاغب في دورة حول سور الفيلا الخارجي وسط هلع وخوف أبنة خالها الصغيرة من سياط أبيها لو أنكشف امرهم وبفرح طفولي لذيذ يكتمون صوت ضحكاتهم وفرحهم بالمغامرة الصغيرة.
ينتفض الشريان النافر فتمرر يدها عليه وتحف الفيلا بطوابقها الثلاثة ويعلو صوت مألوف من بعيد مناديا أسماء أطفال أشقياء يهرولون لاهثين في ساحة الحديقة الكبيرة ويبزغ جسد طفل صغير يتسلق سور الحديقة قافزا مادا يديه باحثا عن عناقيد العنب، يعلو صوت حفيف الأشجار متناغما مع صوت الرياح الخريفية وتمتد اليدين فترجعان خاويتين.
_________________________________________
* طاحن نجوم الليل عنوان اغنية للفنان احمد فكرون.
المنشور السابق
المنشور التالي
إنتصار بوراوي
إنتصار بوراوي.
كاتبة من بنغازي تكتب القصة القصيرة والمقال الثقافي/ الاجتماعي/ الشأن الوطنى العام.
نشرت كتاباتها بالملاحق الصحفية الثقافية والاجتماعية المحلية والعربية.
خريجة قسم الصحافة بجامعة قاريونس1993.
عملت بمجلة لا في 1994.
تعمل بدار الكتب الوطنية منذ يناير 1996.
شاركت كعضو هيئة تحرير بموقع جيل ليبيا 2009\2010.
عضو هيئة تحرير بصحيفة الاحوال 2012.
عضو هيئة تحرير بمجلة ثقافة2013.
تولت لفترة عضوية مجلس إدارة دار الكتب الوطنية بنغازى.
شاركت بعضوية اللجنة العليا بنغازى عاصمة للثقافة 2013.
شاركت بعضوية اللجنة الإعلامية لليبيا ضيف شرف معرض القاهرة للكتاب 2013.. وعضو محرر بالصحيفة التي صدرت يوميا عن اللجنة الإعلامية.
تولت رئاسة تحرير مجلة المرأة 2014.
مخطوطات:
ضفاف الكتب والحياة _ مقالات عن الكتب والثقافة.
الظلم المزدوج _ مقالات في الشأن الأجتماعى.
شرفات الروح_مجموعة قصصية.
- تعليقات
- تعليقات فيسبوك