من أعمال التشكيلي محمد حجي.
المقالة

المضمون الفكري في المظهر

قضية الشكل والمضمون في الأدب قضية قديمة جدًا في الفكر العالمي، وقد اتخذت ثنائية اللفظ والمعنى في سالف الزمان، فكان السؤال القديم الحديث حول هذا الموضوع هو: بماذا يجب أن تتميز الكتابة الأدبية عن غيرها من الكتابات؟. وما الأهم في الكتابة الأدبية؟ هل الشكل أهم من المضمون.. أم المضمون أهم من الشكل؟

الكتابة الفلسفية أو الفكرية تتكون دائمًا من تزاوج هذين المصطلحين، الشكل والمضمون. والشكل في العمل الأدبي والفني وحتى في النشاط الاجتماعي هو صفة الشيء ومظهر له، ففي الكتابة يحتوي الشكل، كما هيكل البناء، على الأصوات وموسيقى الأصوات والحروف التي ترسم هذه الأصوات وتبرز موسيقاها. هذه اللبنات التي جُسِّدت حروفًا يتكون من مجموعها الكلمة، ومجموع الكلمات يكون الجمل، ومجموع الجمل يكون النص، والنص في صورته النهائية هو الرسالة التي يريد العمل الأدبي أو الفني إرسالها للمتلقي.

أما المضمون الذي يستلهم من النص فهو النشاط الذهني الذي مارسه كاتب النص، وهو أمر غير مادي تجريدي لا يدرك بالحواس، وإنما يفرض نفسه على المتلقي ويحرك فيه نشاطه الذهني، هو كجهاز التحكم عن بعد تحرك به أزرار التلفاز، لكنك لا تستطيع أن تؤثر في البرامج المعروضة، فالمتلقي يتعامل مع مضمون النص بالشكل الذي يمليه عليه نشاطه الذهني أثناء تناوله للنص، الذي قد لا يوافق نشاطك. والنشاط الذهني عند المصدر والمتلقي هو عملية عقلية تنتج عن مجموعة من المحفزات، والفكرة التي يحاول النص إبرازها هي نتاج هذا النشاط صيغت في كلمات تحمل معاني متفقًا عليها بين المصدر (الكاتب) والمتلقي (القاري).

طرح السؤال بالشكل الذي ورد عليه في تعيين أولوية أو أهمية الشكل أو المضمون يجعلنا ننظر إلى الكتابة الأدبية على أنها مجالان أو حقلان متميزان، وهذا أمر غير سليم إطلاقًا، فالقارئ لا يفصل بينهما عند تناوله النص، والكاتب أيضًا لا يفصل بينهما. عندما نقرأ نصًّا أدبيًّا… رواية أو قصة أو شعرًا… نحن نتذوق النص شكلاً ومضمونًا، وحتى إن عجزنا عن فهم بعض المضامين كما في الشعر مثلاً، لكننا نتماهى مع موسيقاه ونشعر بمعاني كلماته. فالشكل والمضمون لا يتعديان أن يكونا وجهين لعملة واحدة تفقد قيمتها إن اقتصرت على وجه واحد.

وقد تتعدد الأشكال الأدبية التي تتناول نفس المضمون، لهذا وجدت تيارات مختلفة في الأدب والفن، فقد ظهر التيار الكلاسيكي والرومانسي والسريالي والوجودي إلخ، هذه التيارات نتجت عن بيئات وأزمان مختلفة، وكأن لكل زمن وبيئة أدواتها الفكرية التي تناولت بها المضامين التي نتجت في تلك البيئة وذلك الزمن، ويمكن أن نستدل على ذلك في الأدب العربي بتغير نمط الشعر من الشعر العمودي التقليدي الذي يحافظ على شكل القصيدة في صياغتها على بحر معين والالتزام بقافية واحدة، إلى الشعر الحر الذي تحرر من القافية وتصرف في بحر القصيدة، إلى الشعر النثري والنثر الشعري. لكن القاسم المشترك هو المضمون الفكري الذي ربط بين هذه الأشكال، وإذا سلمنا بأن الشكل يبرز الجانب الجمالي للعمل الأدبي، فإننا لا نستطيع أن نسحب هذا الأمر على الفكر، ذلك لأنه ليست كل الأفكار موضوعية، والكثير منها يفتقد القيم الإنسانية ويثير المشاعر الغوغائية لدي الجماهير.

______________________________

نشر بموقع بوابة الوسط

مقالات ذات علاقة

الرزنـــامجـتـــــان

خالد درويش

وَجَبَ التنبيه

مصطفى الطرابلسي

كلمة السر هي “الــنـــاس”

الصادق النيهوم

اترك تعليق