المقالة

كتب… وتطوع…!!!

من أعمال التشكيلي الليبي جمال الشريف (من معرض دمى)
من أعمال التشكيلي الليبي جمال الشريف (من معرض دمى)

لا ادري ما السبب الذي يجعل السلطات في بلادنا العربية تنظر بعين الشك والريبة لأمرين هما الكتب … والعمل التطوعي … رغم انه لا يمكن تصور حدوث تطور وتنمية دون انتشار المعرفة … ودون ازدهار العمل التطوعي …   وفي هذا الصدد تحضرني قصة مؤلمة حدثت لصديق احب الكتب وعشق العمل التطوعي …

بدأت القصة بعودة شابة ليبية الى الوطن من دراستها بأمريكا …  الشابة عاشت لسنوات في المجتمع الامريكي واعجبت بحب الامريكيون للقراءة … وكيف ان المكتبات العامة منتشرة في الاحياء … وكيف تشجع العائلات اطفالها على اقتناء الكتب وقراءاتها …وكيف ان هناك جمعيات خيرية تقوم بجمع الكتب المستعملة وتقوم بإقامة معارض لها وبيعها بأسعار زهيدة …

عند رجوع هذه السيدة اكتشفت النقص الهائل في الكتب الثقافية والأدبية والكتب الدراسية والمناهج باللغة الانجليزية … حيث تقتصر المناهج الجامعية على عدد قليل وقديم من الكتب … وشعرت بان من واجبها ان تقوم بعمل ما للمساهمة في نشر المعرفة … فتحدثت مع عدد من زملائها السابقين بجامعة سياتل الذين قاموا بإنشاء جمعية لتشجيع القراءة واقتناء الكتب …تم تشكيل مجلس الجمعية التي بادرت بمخاطبة الاساتذة والطلاب  وتحثهم على التبرع بالكتب الزائدة عن حاجتهم والتي ستسهم في ثقافة وسعادة مواطنين من العالم الثالث… وكان ان انهالت على الجمعية أعدادا متنوعة من الكتب … تم جمعها وتخزينها استعدادا لشحنها الى … ليبيا.

وكان الطرف الليبي قد اعلن عن تحمله لرسوم الشحن عبر البحر … وبالفعل تم شحن اول مجموعة التي وصلت ميناء الخمس وتم الافراج عن الحمولة … واستقبلت بالترحاب … وتم عرضها وبيعها لطلاب الجامعات بأسعار زهيدة مثل دينارين وثلاث …وتوالت الشحنات الثانية والثالثة … عبر نفس الميناء ونفس الاجراءات والنجاح …

وقبل شحن كتب الشحنة الرابعة …اقترح احد اعضاء المجموعة الليبية  استخدام ميناء طرابلس وذلك توفيرا لمصاريف نقل الكتب من الخمس الى طرابلس … وافق الجميع على الفكرة … وتم شحن الكتب مباشرة من امريكا الى طرابلس حيث وصلت في يناير 2021 … وعند وصولها تم تجهيز المستندات المطلوبة من الجمرك للإفراج على الشحنة … وعند الذهاب الى ادارة الجمرك اخبروهم ان الكتب معفاة من رسوم الجمارك ولكنها تتطلب موافقة قسم مراقبة المطبوعات … ذهب الشخص المختص الى قسم مراقبة المطبوعات الذين كلفوا موظفة من القسم بالذهاب الى الميناء واجراء التفتيش وتقييم الكتب والسماح او الرفض لدخولها.

تم فتح اول صندوق امام الموظفة الذي تناولت اول كتاب بالصندوق وكان الكتاب يتناول معاهدة فرساي التي جرت في نهاية الحرب العالمية الأولى وكانت من اسباب انطلاق الحرب العالمية الثانية …المهم … ان السيدة تأملت غلاف الكتاب الذي كان عبارة عن خريطة لفرنسا وفي الخلفية صورة لهتلر وتحته تشرشل وشارل ديغول … اهتزت السيدة الموظفة وقالت بصوت حاد … هذا كتاب يدعو للنازية …ورغم هول المفاجأة …حاول مندوب الجمعية ان يشرح لها انه على المعاهدة …وعن قصة المعاهدة …لكنها تمسكت برأيها … ثم طلبت اسماء كل الكتب الموجودة في الشحنة … قيل لها ان عناوين الكتب موجودة في الإقرار الجمركي …فلم تبالي واصرت على تقديمها كقائمة لها …

احس أعضاء الجمعية بالإحباط …غير ان احدهم قال بيننا وبين هذه السيدة القانون … فلماذا لا نذهب ونشتكي لدى الرقابة الادارية … فذهب وقدم شكوى ضد تصرف سيدة الرقابة على المطبوعات …التي ما إن علمت بالشكوى …حتى قامت بمصادرة الشحنة وقالت حرفيا …خلوا الرقابة الادارية تنفعكم … وهكذا وضعت هذه السيدة نهاية بائسة لمشروع جميل… كان كل عيبه ان جمع بين امرين …الكتب والتطوع …!!

مقالات ذات علاقة

خمسون العرّاب

جمعة بوكليب

من مقالات منتصف اللّيل في بلاغة القران

المشرف العام

الفرصة الضائعة لتحويل ليبيا لمدينة سينمائية

المشرف العام

اترك تعليق