الكاتب يوسف القويري.
المقالة

حقائقنا البشعة والمثيرة للرثاء.. معزوفة ..الرجل الذي لم يولد بعد .. وغادرنا …

عزالدين عبدالكريم

 

الكاتب يوسف القويري.
الكاتب يوسف القويري.
الصورة: عن الشبكة.

 

اليوم تصدرت الأخبار نبأ مغادرة الأديب الليبي الكبير الأستاذ ” يوسف القويري ” ولعل أجمل ما تهدينا إياه روحه ، هو أمر يبعث على الفخر والاعتزاز ، فعودة الأرواح إلى بارئها ، أمر مقدر ، وسُنة حتمية لا انفكاك أو مناص منها ، بل فيها خير كثير لا محالة ، لأصحاب الأرواح ، رغم ما يحدثه رفيفها الى الملكوت الأعلى من حزن ولوعة عندنا نحن الآخرين المنتظرين …
لعل جانب من جوانب الأسف الذي يملأني ويحضرني اللحظة في هذا المقام ، هو الجهل بكثير منا نحن الليبيين ، نتيجة الطمس المتعمد في أحقاب تاريخية عشنا بعضها ونعيشها اليوم وقد يكون غداً كذلك ، فعند مراجعة الأرشيف العالمي المؤرخ لحركة الإبداع ، نكتشف سقوط أسماء وجهود وإبداعات عاشت على الأرض الليبية وتشكلت عبر تميز مبدعيها بما جسدته من حركة أدبية أتت في أزمان بأشكال غير مسبوقة ، وشكلت معها ريادة فريدة في عوالم الأدب والفكر …
ما يعرف بأدب ” الخيال العلمي ” أو “Science Fiction ” واختصاراً “Sci-Fi” كان لأديبنا الكبير صولة فيه كبيرة قبل أن ينشأ في أقطارٍ أخرى ، وعند الاحتكام الى خزائن “Google” فإنه يبرز لنا محاولات جاءت حديثاً في البلدان العربية ، مسقطاً الإرهاصات الليبية التي أخذت في التشكل من عقود طويلة مضت ، فمنذ الخمسينات أخذت الأفكار تتبلور، لتنتهي على هيئة نصوص في حلقات نثرية صغيرة كإسبوعيات في جريدة ” الميدان ” الليبية عام 1966 الى عام 1968 ، ولتأخذ طريقها الى التجميع والتنقيح عام 1971 حسب ما عبر عنه الأستاذ يوسف نفسه بالقول :

(( رأيت أخيراً أن تجميعها وتنقيحها وترتيبها في كتاب قد يكون مفيداً لمن لم يكسر إطار الحاضر ويمد البصر الى الآفاق البعيدة … فأكثر السجناء سعادة من يظن أن سور سجنه هو حدود العالم ، ولكنه – مع ذلك – يظل أكثر غباءً . ))

الموسوعة العربية ” Arab Encyclopedia” وفي بحث للأستاذ ” طالب عمران ” يشير الى أن الخيال العلمي ” هو الانتقال في آفاق الزمن، على أجنحة الحلم المطعم بالمكتسبات العلمية، وغالباً ما يطرق مؤلفو قصص الخيال العلمي science fiction أبواب المستقبل بتنبؤاتهم من دون زمن محدد. وفي قصص الخيال العلمي نظرة واسعة إلى العالم يدخل فيها العلم فيمتزج بحقائقه مع خيال الكاتب، وتُرسم أحداث تنقل القارئ إلى المستقبل، أو الماضي السحيق، فتثيره وتذهله.”

” ليديا غرين ” في موقع “بي بي سي عربي ” تلخص من وجهة نظرها أمر أدب الخيال العلمي على أنه ” نوع من الأدب يتحدى الواقع السياسي أحيانا في بلدان تعتبر الاحتجاجات السلمية فيها جرما قد يؤدي بصاحبه إلى السجن لفترة طويلة. أحيانا يتحول هذا الأدب إلى وسيلة لاستعراض روعة الملكوت الإلهي.”

أما أديبنا في جزءٍ من مقدمته للطبعة الأولى لكتابه ” من مفكرة رجل لم يولد ، فيلفت الانتباه الى أنه :

(( ليس في هذا الكتاب أي نوع من الاستباق غير المعقول للواقع . بل إن بعض لمحاته العلمية المتناثرة ستبدو للقارئ المثقف أموراً قريبة جداً سوف يحققها العلم قبل ذلك التاريخ البعيد ، إن لم يكن بعضها في طريقه الآن من مختبرات العلماء الى ساحة المجتمع البشري .
والمقصود ليس التنبؤ بما سيكون عليه العلم في المستقبل ، أو التنبؤ بأي شئ آخر ، أو استثارة دهشة القارئ بسلسلة من الأوهام المنسقة .
انما أسوق للآخرين رؤية معينة للأيام النائية التي لم تأتي بعد ، من خلال انسان تاريخي له وشائجه الاجتماعية والأسرية – اذا ما كانت الأسرة كمؤسسة ثنائية أو خماسية ستستمر – انسان في طي الغيب ، ولكن جذوره التي تصاعد منها وامتد في الزمن رأسياً وأفقياً ، موجودة هنا ، الآن ، نابضة بكل ما فيها من مساوئ وفضائل ، وراء حيطان المدينة ، وفي ميادينها الصغيرة الكئيبة ، خلف نوافذ محكمة الاغلاق ، حيث تتوارى وتتعرى – ايضا- جملة حقائقنا البشعة والمثيرة للرثاء . ))
ثم يملأه شعور بالارتياح يعبر عنه بالقول : (( .. إنها ميزة جليلة لنوعنا الانساني تلك القدرة الخاصة على القفز المزدوج فوق الأرض والزمن .))

لن أسهب … فكتابه هذا ليس الوحيد ، وعطاءه المتميز لم يقف عند هذا الحد ، لكنني بإشارتي هذه إعتزاز بما أنجبت الأرض الليبية ، محاولاً لفت الانتباه ، بأن كثير منا سباقون لما لم يُسوق كريادة لهذه الأرض وبعض من عليها …

اسأل الله له المغفرة ولروحه السكينة، ولنا اللطف حتى تسود حقائقنا الباعثة على الزهو والحبور عن تلك ” البشعة المثيرة للرثاء “….
_____________________________

9 / 4 / 2018

مقالات ذات علاقة

ديالكتيك إياتي (100/75)

حسن أبوقباعة المجبري

ليبيا بين المطرقةِ الدولية والسندانِ الإقليمي!

أحمد الفيتوري

ثلاث مقالات

محمد دربي

اترك تعليق