استطلاعات

في أربعينيته: محمد حسن في عيون المثقفين الليبيين وبأقلامهم

حليمة التواتي/ حسين مفتاح

الفنان محمد حسن.
الصورة: عن صحيفة العرب.

لم يكن رحيل قامة فنية، ورمز وطني بوزن محمد حسن، حدثا عابرا في ذاكرة الشعب الليبي، بل كان علامة فارقة، وقف عندها الجميع، واتفق الفرقاء والمختلفون على فرادته وتميّزه، في حالة من الحالات النادرة التي لم تعد شيئا مألوفا في ليبيا، ولأن رحيل محمد حسن لم يكن حدثا عاديا، كان لزاما أن يولى اهتماما غير عادي، وانطلاقا من دورها في إعطاء الرجل حقه رصدت “بوابة إفريقيا الإخبارية” شهادات وكلمات تأبين عدد من الفنانين والملحنين والمثقفين والإعلاميين.

الشاعر والكاتب رامز النويصري، مؤسس موقع بلد الطيوب

·       جزء من المشروع الفني الليبي

الفنان محمد حسن، هو أحد أجزاء المشروع الفني الليبي، وهو مشروع يعكس الثقافة والتراث الليبييْن. وإن كانت الأغنية الليبية الحديثة قد استفادت من التأثيرات المشرقية، فإن ما يميز الراحل محمد حسن، هو تركيزه على الاستفادة من التراث الليبي، وما يحفل به من غنى على صعيد الكلمات والصور الشعرية، لمعرفته بارتباط المواطن الليبي بتراثه الشعبي. عندما بدأ الفنان الراحل محمد حسن، رحلته الفنية، كان متأثرا بالتيار الذي كان موجوداً وقتها، وهو الأغنية الحديثة، التي تأثرت بمثيلتها العربية، وبشكل خاص المصرية، لكنه بعد أن تمكن من أدواته الفنية، خاصة على صعيد التلحين، أراد أن يكون مختلفاً، لذا توجه إلى احد مصادر الثقافة الليبية، وهو الشعر الشعبي  والتراث الشعبي، فعمل على إعادة إنتاجه بطريقة مختلفة، بعيداً عن صورته النمطية، فهو فنان يختار بعناية كلمات الأغاني التي يقوم إما بغنائها أو تلحينها، إذ تشترك جميعها في قوة كلماتها، وجمال صورها، وهو لم يختر قالباً واحداً لهذه الأعمال الغنائية، فقدم الأغنية المفردة، والجماعية، والملحمة، والمغناة. كل أعمال الراحل مميزة، لكن لي حنين خاص لثلاث أغان هي؛ بلادنا زين علي زين، كان اللوم ينسينا الغوالي، يسلم عليك العقل.

الصحفي خليل عريبي، نقيب فناني بنغازي سابقا

·       صاحب اللحن النابع من وجدان الناس

يقول خليل عريبي إن ما يحسب لمحمد حسن أنه فنان مجتهد متجدد، برز نجمه بسرعه لانحيازه إلى اللحن النابع من وجدان الناس، والمرتبط بالبيئة الليبية والثقافة الشعبية، التي وجد فيها المتلقي أحاسيسه ووجدانه ومشاعره، وهذا لا يعني إلغاء تجارب من سبقه بل إن محمد حسن، استفاد كثيرا ممن سبقه وممن تتلمذ علي أيديهم وعندما تمرس وتشبع من إبداعات أساتذته، وظف هذه التجربة والخبرة ليقدم من خلالها أسلوبه المتميز، الذي ارتضاه لنفسه واتجه إلى الموروث الشعبي الثري والغزير والمتنوع الذي تزخر به بلادنا شرقها وغربها شمالها وجنوبها، ليمزج تجربته بتجارب من سبقه، وليصنع لنفسه لونا مميزا صعد به إلى مصاف النجوم وشد إليه الانتباه والأنظار والقلوب، وقدم مدرسة لحنية فنية جديدة متميزة صعدت بالأغنية الليبية إلى مراحل متقدمة، بدأت برحلة نغم مرورا بالخيمة الغنائية وصولا إلى النجع في مسيرة تميز وإبداع وتفوق.

 

ويضيف عريبي أن أكثر ما شد انتباهه من أعمال الفنان المبدع محمد حسن كان جوهرته المتميزة” رحلة نغم” التي طاف بنا وبها في ربوع بلادنا الحبيبة، والتي تنوعت فيها الكلمات والألحان والأصوات العنائية. وأشار إلى أن كل أعمال محمد حسن تعتبر إضافة مهمة للمكتبة الفنية الليبية ستبقي ذخرا للأجيال القادمة تؤرخ لمرحلة متميزة من مسيرة اللحن الليبي الأصيل.

فاطمة الزهراء، مدونة ليبية ومشرفة صفحة “رحلة نغم

·       لم يكن ظلا لغيره

لكل فنان قيمته الفنية كبيرا كان أو صغيرا، في زمن امتلأت فيه الساحة الفنية بأكبر الأصوات وأجملها. وقيمة الفنان الكبير محمد حسن لم تصنعها الألحان والكلمات بل صنعتها شخصيته الفنية واحترامه للتراث. لم يكن الفنان الكبير ظلا لغيره من الفنانين، بل هو قامة تصدرت الفن الأصيل الذى كنا نحتاجه فى ذلك الزمن وبأمس الحاجة إليه اليوم. وهذا لا يعنى أن الساحة خلت من غيره فلا يمكننا نسيان أولئك الذين أثروا في الأغنية الليبية أمثال حسن عريبي ومصطفى حمزة وعلى الشاعلية ومحمد صدقى ومحمد مرشان وسلام قدرى ونورى كمال وغيرهم من أفضل الأصوات. من أروع الأعمال الفنية التي تحضرني للفنان الراحل أغنية (السيد نام) تغنى بها عن الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، والتي لازلت رغم مرور كل هذا الوقت أحفظها عن ظهر قلب، كما أن أغاني “دللتني وليش بطا ويسلم عليك العقل” تعتبر من أكبر الملاحم الفنية شأنها شأن “رحلة نغم والنجع والواحة والسلسبيل وفارس ورجال” وغيرها.

الكاتب والصحفي عبد السلام القماطي

·       التحم بثورة 69 وواكب المشروع القومي

يعتبر الفنان محمد حسن واحدا من أهرامات الأغنية الليبية الحماسية، هو يعد من أشهر المطربين الليبيين، الذين جعلوا الأغنية الوطنية يتغنى بها الناس في الشارع مثلها في ذلك مثل الأغنية العاطفية، وقد ساعده في ذلك أنه أمضى أيامه الأولى ببنغازي شرق ليبيا موطن الفن الشعبي الليبي، وعاش بقية حياته في طرابلس غرب ليبيا وبالتالي تميز بإتقانه للهجات الليبية شرقا وغربا. وقد التحم بثوار ثورة سبتمبر لما كان لها من زخم شعبي ذاك الوقت وتلقف أدبياتها البدوية والحماسية، وانطلق بها مطربا وملحنا فيما بعد وإذا اعتبرنا سلام قدري وكاظم نديم وحسن عريبي من رواد الأغنية الطرابلسية القائمة على كلمات المدينة فإن محمد حسن يعتبر مؤسس مدرسة الأغنية الحماسية الوطنية الشعبية ذات المفاهيم البدوية من الشرق ووسط وجنوب البلاد. محمد حسن رغم أنه غنى لونا جديدا من الغناء في ليبيا مقارنة بسابقيه، إلا أنه يعد امتدادا للأغنية الليبية التي بدأها الشعالية وعريبي والنديم وبالتالي هو يعتبر مطورا لما كان قبله من جيل الستينات وبداية السبعينات ولعله قد استفاد كثيرا من الواصلين الجدد لطرابلس بعد سبتمبر 1969 حيث وجد في التنوع الثقافي الليبي مبتغاه مع أماناته الفنية وصوته الجهوري مما جعل منه نجما مميزا في عالم الأغنية الليبية، ولعل ما زاد من فرصته في النجاح استعداده الفني وكثرة الزخم الثوري المصاحب لثورة 69 ورغبة قادتها في رفع درجة حماس الناس مع المشروع القومي العربي، ما أتاح له ما لم يتح لغيره من الفنانين المعاصرين له إضافة إلى تغليب الكلمات البدوية والشعبية والقومية على الكلمات والقصائد الجهوية التي كانت تتميز بها طرابلس العاصمة.

محمد حسن فنان اشتهر بالغناء في كل المناسبات وغنى القصيدة كما غنى الخواطر والأناشيد وله تسجيلات متعددة تناول فيها مختلف أصناف الغناء ولعل المقارنة بين أغانيه القديمة بألحان فنانين آخرين، وأغانيه الحديثة بألحانه تعطينا مدى التطور الذي بلغه محمد حسن على مدى مشواره الفني الطويل. غنى محمد حسن الغزل كما غنى الشعر القومي وأجاد أداءه في النوعيْن. غنى المرحوم محمد حسن أغنية “لا لا انسيتك ولا الخاطر هانك مازال في قلبي العزيز مكانك”، وغناها بإحساس تشعر معه بأنه يخاطب محبوبته وهي واقفة أمامه.. كان مفعما بأحاسيسه الرقيقة لدرجة تشعر معها أنه يتحدث بكلماته وصوته لمحبوبه.. وكما هو يتغزل هنا في حبيبته، نجده يقود حصانه في رحلة نغم من مدينة إلى أخرى وبيده سيف يقاتل به المستعمر الايطالي مع عمر المختار ويشارك المجاهدين في طرابلس أثناء معركة الهاني التاريخية. كان يتقمص أوضاع أغنيته وكأنه يعيشها أو أنها تتلبسه الحالة حتى يصعب الفصل بينه وبينها. هذا هو الفنان المبدع محمد حسن.. إننا نحييه اليوم وندعو له بالرحمة والمغفرة.

عبد السلام قرضاب، الملحن والمؤلف الموسيقي

·       مدرسة أقتدي بها وأعتز

في اعتقادي أنه كما للطبيعة ألوان للفن الموسيقي أيضا ألوان، وأقصد بالألوان المقامات والإيقاعات والألحان. فالمخضرمون رحمهم الله تركوا لنا إرثا فنيا هائلا ورائعا، ولو جمعنا أعمال كل هؤلاء حتما سنرى كل عمل منهم فيه لون صاحبه كلحن. يعني لو جئا بفنان من خارج الوطن وأسمعناه هذه الأعمال حتما سوف يقول هذا في روح ذاك العمل، تماما مثلما عندما ترى شخصا معينا لأول مرة يذكّرك دائما بشخص ما، كما نقول نحن الليبيين “الدم يجبد”. ولا ننسى بأن كاظم نديم وحسن عريبي قد سبقا الفنان محمد حسن في الفن ولكنه لم يتأثر بمدرستهما وكان له لونه الخاص المتفرد وهذا ما ميز الرائع المرحوم محمد حسن.

الفنان المرحوم محمد حسن وضع في ألحانه كل الإيقاعات العربية، فقد لحن القصائد ولحن الأعمال الشرقية العربية وغنى له العديد من المطربين العرب المعروفين بالإضافة إلى الليبيين المعروفين، ولكنه لم يتفرد فقط بالايقاع الليبي الشعبي، أو بمقام معين. وأيضا علاقته الرائعة بزملائه الفنانين خصوصا ممن سبقوه في هذا المجال تجعلك تدرك بأنه لم يكن في باله طمس أي لون أو قامة أو عمل فني كان لغيره، والدليل عندما لحن سيرة أولاد هلال كان النصيب الأكبر كصوت للفنان الكبير ملك المالوف المرحوم حسن عريبي، وأيضا في جل أعماله كان يتعامل مع كبار المطربين الليبيان كما فعل في رحلة نغم وباقي الملاحم التي لحنها، وأيضا كان بإمكانه أن يغني كل أعماله لوحده بل إنه كان محبا جدا لأعمال غيره من الملحنين والمطربين الليبيين. هو إنسان ودود ومحب للجميع لكن تميز عن غيره كما وكيفا، وهذا من حقه حيث يعتبر من رموز إحياء التراث الليبي وذلك ناتج عن حبه لهذه الأرض الطيبة أم الجميع.. لييبا الغالية. أخيرا… تروقني كل أعمال المخضرم محمد حسن واعتز بجميعها، ولكن عندما استمع إلى عمل السيد نام أو رحلة نغم أو الغربة أو سيرة أولاد هلال، أعتبره مدرسة من المدارس التي اقتدي بها وأعتز بها ناهيك عن علاقتي الشخصية به كأخ أكبر وأستاذ بالإضافة إلى العلاقة الاجتماعية المتينة جدا.

الفنان الراحل محمد حسن.
الصورة: عن الشبكة.

محمود السوكني، الكاتب والصحفي والشاعر الغنائي

·       مرحلة باذخة العطاء في تاريخ الفن الليبي

كان الراحل مدرسة متفردة نسجت قماش لون ﻻ يباريه فيه أحد، فهو وحده الذي تلتقط أنغامه اﻷذن ولا تخطئها، وهذا التميز لم يسبقه إليه اﻷولون رغم ريادتهم وأستاذيتهم وأنه -أي الراحل الكبير- تعلم في مدارسهم وترعرعت موهبته بحكم اﻷقدمية على وقع إنتاجهم الموسيقي الذي ﻻ ينكر إﻻ جاحد تنوعه، وثرائه وتفوقه على الكثير من اﻷعمال الغنائية، التي تعج بها الساحة الفنية العربية آنذاك.

 

لقد سطر الفنان الكبير “محمد حسن ” مرحلة باذخة العطاء في تاريخ الفن الليبي وله كما لغيره من اﻷولين مكانته اللائقة به في الحركة الفنية العربية بأسرها. تميز فقيد الفن بطابعه الخاص، ووضع لموسيقاه قالبا مميزا وإيقاعا محددا يستمد جمالياته من عراقة التاريخ وأصالة التراث، ونقاء البداوة مع توظيف محكم لجمال ألفاظها، وهو أبداً لم يكن يغرد خارج السرب بل أعطى للمسيرة الفنية رشاقة الحركة، وتناغم المسير، وجمال المظهر، وشكل بهذا عنصر اﻹثارة كما كان المستفز الدائم لمجايليه على المنافسة الشريفة، خدمة للفن وإثراء لمسيرته. كنت دائماَ وﻻ زلت عاشقا للملحمة الغنائية “رحلة نغم” التي قلت مرة للراحل الكبير أنه لو اكتفى بإنتاج هذا العمل لكفاه فخراً وشهادة بنبوغه الفني وأستاذيته، فقد أرخ هذا العمل للوطن بأسره كما جمع أجمل الاصوات على وقع أعذب اﻷلحان المتجدرة في تاريخ الوطن والتي صاغها وطوعها الراحل على طبعه الخاص وفي إطار مدرسته المفردة .وﻻيفوتني أن أشير إلى أغنية “تذوب ولها” ويعتمدها العشاق نشيدهم الذي يصدحون به في كل وقت وهي مغناة “جرح الحبيب” التي ما عادت ملكاً للراحل الكبير بل أضحت ملكاً لكل من اكتووا بنار الهجر والحرمان وعانوا عذابات العاشقين .

الشاعرة تهاني فرحات دربي رئيسة تحرير صحيفة أحوال

·       وجد الإمكانات ولم يدخر جهدا

محمد حسن فنان موهوب هذا أمر لا غبار عليه ولكن استفاد من ظرف تاريخي فالنظام السابق يعتبر أن ليبيا بدأت يوم 1/9/1969 وأي مكون ثقافي ..سياسي اجتماعي اقتصادي هو رهن التغير لذا كلما تعمق كيان الثورة ذهبت أثار الدولة المدنية التي كانت قبل الثورة. الجمهورية وبعدها الجماهيرية تبنت كل مظاهر هذا البلد وتم استخدام الفنان محمد حسن في ذلك والذي على ما يبدو من النجاح الذي حققه بعد ذلك أنه يجد نفسه في هذا اللون، قدمت له كل الإمكانيات وهو لم يدخر جهدا في السعي لإرضاء السلطة من جهة والنَّاس من جهة أخرى حتى أنه من النادر جدا أن يمر يوم ولا نسمع أغنية لمحمد حسن في الوقت الذي تم فيه إهمال رواد الأغنية الليبية الحديثة. وشارك محمد حسن في خيمته وانتصرت الخيمة في نهاية المطاف، في إطار البدوانة لم يكن رهان السلطة خاسر، فمحمد حسن بألبومات رحلة نغم والنجع أثبت أنه فنان موهوب واستقبال الناس لها عزز حضور محمد حسن الفنان ففي الثمانينات والتسعينات فترة الصعود الأبرز له كان الناس في البلد كلها ينتظرون أغانيه بشغف فمن لم يسمع (مطلوق سراحك يا أطوير ) (وكدا حط الشاي علي النار).

فارس سالم برطوع

·       وجد لنفسه منطقة جديدة لم يسبقه

أعتقد أن بدايات محمد حسن رحمه الله كانت امتدادا للمشروع الغنائي بليبيا والذي بدأ منذ الخمسينات إلا أنه وجد لنفسه منطقة جديدة ربما لم يسبقه إليها أحد لأنه لم يكن لها وجود إلا في ذاكرة الموروث الشعبي الذي لم يحقق لها أي تطور. الحقيقة لم يتم إلغاء الأغنية الليبية ذات الطابع المدني ولكن للأسف تم تناسيها وتجاهلها إلى أن اختفت بالتدريج من ذاكرة الشارع الذي تحول بالتدريج إلى الأغنية القادمة من بيئة جديدة بأسلوب جديد وبمفاهيم مغايرة. بالنسبة إليّ يظل حسن من أعلام الفن الليبي الذي يصعب تحديده في عمل معين لكن سوف اختار “بلادنا زين علي زين… ويسلم عليك العقل” باعتبارهما الأقرب إليّ.

الشاعرة سميرة بوزيدي

·       ملحن وفنان اتكأ على موروث شعبي عميق

النسيج الفني الليبي، على تنوعه وغزارته أتاح لنا أن نستمع لمدارس فنية مختلفة لكل واحدة منها نمطها وعلاماتها اللحنية الدالة عليها في قلوب سامعيها، وبالتالي فإن النمط الذي اعتمده الفنان محمد حسن، عبر اتكائه على موروث شعبي عميق الأصالة يظل السمة الخاصة به كفنان وملحن، ولا يمكن أن يكون امتدادا لفن ونمط قدري وعريبي مثلا لاختلاف النسق الفني بينهم ولكن هذا لا يمنع أنه قدم فنا ليبيا خالصا عبر أعمال غنائية لاقى معظمها النجاح.

وحول إذا كان مشروعه فيه إلغاء لبقية الأغاني الليبية فبالتأكيد لم يقصد الإلغاء على الأقل في بداياته ومحمد حسن، نعرف أنه مطرب السلطة التي كانت تمجد البداوة على حساب الفن الطرابلسي العتيق مثلا. إذا الاقتراب من السلطة كان له الدور الكبير في تغيير نسقه الفني بالإضافة إلى أن محمد حسن لم يكن ابن مدينة وربما هذا سبب يجعله يتوجه إلى النمط الذي يبرع فيه والذي ترك علامات بارزة في الغناء الليبي. أخيرا ..محمد حسن له الكثير من الأعمال المهمة والتي بقيت في الذاكرة، أحب ما لحنه لوردة الجزائرية في أغنية لما باعونا حبايبنا، وطبعا ودائما رحلة نغم.

الدكتور مبروك سلطان الأكاديمي في جامعة قاريونس

·       إضافة وتكملة لفسيفساء الأغنية الليبية

محمد حسن مرحلة مهمة تمثلت في موهبته في تطويع التراث، ونشره بصورة فنية راقية من حيث الكلمات والألحان، وخروجه من فن المناطق إلى فن ليبي يمثل شريحة عريضة من كل الليبيين، ففنه لا يمكن وصفه بالطرابلسي ولا البرقاوي ولا الفزاني، بل هو مزيج فني جميل ورائع، يجد كل ليبي فيه ما يرتبط به، هذا المشروع لم يكن أكاديميا، ولم يكن محاولة منفردة بل نجاح في تكوين فريق عمل، ومدرسة فنية أصبح لها روادها من المريدين، ولون آخر يجتاز حواجز المناطقية الفنية، ورفع الحرج عن إدراج التراث بصور ممتعة لا يمكن لغيره أن يقوم به، نتيجة حصوله على دعم واسع تمثل في فرقة موسيقية، وإمكانيات عرض، وان تمثلت في خيمة غنائية. في اعتقادي وإن لم أكن مختصاً، محمد حسن، نحت لنفسه خطاً موازيا لم يكن يهدف فيه لإلغاء ما قبله، بل إضافة لبنة جديدة لكم هائل من الألحان، والكلمات التي كانت مهملة أو قدمت بصور تزيد من صورة هذا المخزون. فهو إضافة وتكملة لفسيفساء الأغنية الليبية، وأن كانت الأكثر سطوعا خلال مرحلة طويلة بسبب تفرده وسعة شريحة متلقيه لاستعماله الوسيلة الأهم في المرحلة الماضية وهي الشاشة الصغيرة. أخيرا… شخصيا أعتبر أغاني محمد حسن مجموعة متكاملة، وأهم أعماله: “عقلي دليلي” و “لا تجرحيني” وهي أعمال متميزة لها مكانة خاصة.

المهدي أبودينة.. فنان وملحن

·       محمد حسن مثل ليبيا يقرأ من الجهتين

يقول أبودينة، إنه تعرف على محمد حسن، منذ عام 1979 عندما كان ضمن الشباب المشاركين في أول مهرجان وطني لموسيقى المواهب، حيث يقول إنه تشرف بإعجاب محمد حسن بأدائه الموسيقي، والذي كان بداية لعلاقة استمرت حتى رحيله. ويضيف أبودينة أن الراحل محمد حسن يعد ظاهرة فنية فريدة لا تتكرر، وقد ساهم في إثراء الموسيقى ليس في ليبيا فقط بل في الوطن العربي، فقد تغنى بألحانه عدد كبير من الفنانين، وكلهم تميزوا ونجحت تجاربهم معه.

محمد حسن يعتبر معجزة حقيقية لأنه خلال مسيرته الفنية الطويلة التي تجاوزت 50 سنة، وفي أكثر من 90% من أعماله لم يستخدم إلا مقامين موسيقيين (البياتي والرصت)، ونادرا ما يخرج عن هذين المقامين، وهذا في حد ذاته إعجاز. محمد حسن محب للفن إلى درجة نكران الذات، حيث أذكر في إحدى المرات أخبرته أن أغنية ليالي الغربة التي لحنها وتغنت بها الراحلة وردة الجزائرية، تقدم على أنها من ألحان بليغ حمدي، فقال أنه سعيد بأن تنشر الأغنية على أوسع نطاق وإن كانت منسوبة لغيره، مؤكدا أنه سعيد بأن تصبح ألحانه تنسب لملحن بقيمة بليغ حمدي، بل أنه رفض تصحيح المعلومة وطالب بأن تبقى على ما هي عليه.

وعن رحلة محمد حسن مع المرض، أكد بودينة أنها بدأت منذ سنة 2013، إلا أنه كابر وتحدى ولم يستسلم، وشهدت مسيرته مع المرض عدة محطات، إلا أنه كان دائما يطمئن كل من يسأل عنه، ويكفي أنه حتى بعد رحيله جمع كل الليبيين بمختلف اتجاهاتهم السياسية. وفي الختام أذكر أنه في أحد البرامج المسموعة في إحدى الإذاعات الليبية كانت تقدم مسابقة بين المستمعين تتمثل في تحديد اسم صاحب العمل الغنائي، الذي يعرض بطريقة عكسية لمحاولة إخفاء هوية صاحب العمل، فقدم سؤال لأحد الأصدقاء عن عمل لمحمد حسن فأجاب مباشرة دون تفكير، فسألته ما سر معرفته بصاحب اللحن، فقال “محمد حسن زي ليبيا يقرأ من الجهتين”… وكانت تلك الإجابة بالفعل تعبيرا صادقا وحقيقيا عن محمد حسن الذي يمثل بالفعل عمودا من أعمدة الوطن… الذي أصبح اليوم يتيما بعد أن فقد رموزه الواحد تلو الآخر. كما اخترنا تجميع عدد من الشهادات التي كتبها أصحابها على حساباتهم بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” نوجزها في هذا السياق:

عبد الرزاق الداهش كاتب صحفي

·       حنجرة وطن… لم ترحل ولكنها توقفت عن الغناء

محمد حسن ليس مجرد صديق، ولا مجرد فنان، ولا مجرد فقيد. محمد حسن معلم من معالم ليبيا، مثل السرايا الحمراء، ومنارة خريبيش، وجبل تيبستي. محمد حسن هو محمد عبد الوهاب ليبيا، وهو محمد عبدة ليبيا، وهو فهد بلان ليبيا. محمد حسن حنجرة وطن، لم يرحل ولكنه توقف عن الغناء، وسيظل في ذاكرة شعب مصفحة ضد النسيان.

عطية باني، إعلامي

·       سيناريو في انتظار التنفيذ

سيناريو وثائقي قصير سيكون ضمن سهرة (الهرم ) عن حياة وسيرة الراحل محمد حسن (صوت) باتجاه عرينه نتجه فهناك وُلِدت أجمل القصائد والجمل والأشعار والألحان (تصوير مرتفعات النقازة يعلو صوت المذياع ياخمس يا – من رحلة نغم – من داخل السيارة يشير إلي) هذه مرتفعات النقازة حيث البحر وسحر الطبيعة يطيب له المقام كثيرا مع الأصدقاء (يعلو صوت المذياع نقترب رويدا رويدا حيث تظهر قرية الأفاضل تتوقف السيارة أنزل منها وتدور الكاميرا) في هذه القرية قرية الأفاضل الوادعة الآمنة عاش الفنان الكبير محمد حسن لم يتغرب ويبتعد عن العائلة والأقارب هو هم وهم هو لا ترى في عيونهم إلا الفرح (تقترب السيارة من بيته نقف نسلم على بعض من أفراد عائلته) في هذا الفضاء وهذه الصومعة كانت شاهدة وحاضنة لميلاد عشرات الروائع بأسماء اختزلتها الذاكرة تسلم وتعيش يا وطني، يسلم عليك العقل، معيدين وديمه عيد، وبالبهجة والفرح، استقبل الضيوف من أدباء وشعراء وكتاب وفنانين، بيته مزار وكرم وإبداع، أبناؤه أصدقاؤه وجيرانه أهله (جولة داخل المكان) بين أهله كانت رحلته وحياته، وبينهم كانت النهاية (ندخل للمقبرة وبخطوات اتجاه مدفنه حيث نجد أحد أبنائه واقفا يقرأ الفاتحة، الكاميرا تتبع الخطوات وتتجه إلى قبره) إلى هنا رحل شهد العسل، ولا بد من هذا المقام وإن طال السفر والزمان، طيب الله ثراه تمنى لوطنه وشعبه أن يكونوا فوق العوالي فوق، وعلى قد الشوق متحابين ومرتاحين وداعا محمد حسن (تدور العدسة باتجاه السماء وصوته يشدو بأحد الأعمال قصيد ديني.

الإعلامي عثمان الطيف

ملحمة قلّما يجودُ الزمانُ بمثيلها

هذا هو محمد حسن الذي عرفناه…فنانٌ بلونِ وطعمِ الوطن… أجادَ حدَ الإبداع، وأبدعَ حدَ التألقِ في سماءِ الفنِ والطربِ الليبي، لونٌ مميزٌ لم يتنازلْ فيه عن مرتبةِ الأصالةِ كلمةً ولحناً وأداء…  ارتبطت مسيرتُه بذاكرةِ الليبيين على مدى عشراتِ السنين، فكانت زاخرةً متشعبةً ومتشبعةً بمفاهيمِ الوطنِ ومدلولاتِه، زخماً لا يتوقفُ نبضُه إلا ليتجددَ بروحِ التّوقِ إلى دَفْقٍ أكبرَ وانتماءٍ أعمقَ. عنوانُه الخيمةُ ملاذاً يلتقي فيه وحوله روادُ الكلمةِ وعشاقُها ومريدوها. ينافسُ فيسابقُ بها أرقى العروضِ والاستعراضاتِ في صورةٍ متأنقةٍ لملمحِ الوطنِ وهو يتسربلُ بأبهى حُللِه وفي أروعِ تجلياتِه فرحاً وطربا.

اكتملت أبعادُ ملحمةِ محمد حسن الغنائيةِ بتشكيلةٍ من كوكبةِ فرسانِ وشعراءِ الكلمةِ الليبيين، التي قلّما يجودُ الزمانُ بمثيلها، فكان أنْ امتزجَ بديعُ الكَلَمِ مع عذوبةِ الألحان، فإذا بها حديقةٌ غنّاءُ لأجملِ مطايبِ ولذائذِ وروائعِ الغناء، لوحاتٌ فنيةٌ تستنطقُ الأهواءَ والأجواءَ. استعذبتها الآذانُ ورقّتْ وطَرُبتْ لها الأسماع، كان فيها محمد حسن الرُّبانَ الذي لا يخطئُ الطريقَ في رحلةٍ طافت الأرجاءَ، وتوقفتْ عند كلّ تضاريسِ البلاد، فعانقت وتغزّلتْ بهضابِها وسهولِها.. وِهادِها ووديانِها.. قممِها الشامخةِ وشواهدِ معالمِها وأعلامِها، وامتداد شواطئها عبرَ الأُفقِ، وهي تتباهي في شََمَمٍ بروعةِ ملاحمِ الجهادِ وبطولاته، تسردُ حكاوى العشقِ والغرامِ في حبِ الوطنِ وأهلِ الوطن …

هذا هو محمد حسن الذي عرفناه…

فنانٌ لم تستهوه تلك الشطحاتُ العارضةُ العابرةُ التي ألمت بالمشهدِ، فعبثت به وشوّهت الكثيرَ من ملامحهِ واستبدلت بعضَ مفرداتِه الأدبيةِ والفنيةِ بدعوى التغييرِ والتطوير، فكان أنْ تعثّرَ فيها من تعثّرَ، وسقطَ كثيرون انبهاراً بألوانِها وأضوائها، لكنّ محمد لم يستبدلْ منهجَهه وظلّ محافظاً ملتزماً بأصلهِ وأُصولِه، يرفعُ شعارَ الخيمةِ، يستنيرُ ويسترشدُ الخطى على وميضِ قنديلِه وهو يُشعُ ويفوحُ بعَبقِ الأصالةِ وشذاها، ويتجذّرُ بمفاهيمِ الوطنِ واصطلاحاتِه، حيثُ لا يتوقفُ المدُّ ولاينتهيْ معه العطاء… هكذا كان محمد حسن الذي عرفناه، جوّاداً كريماً، يصدحُ بموسيقاه الشجيةِ وترنيماتِ ألحانِه العذبةِ التي يعجزُ غيرُه عن إجادتِها والجُودِ بها، يُزيحُ أستارَ الخيمةِ فيلوذُ به من همْ حولَه استحباباً وطمعاً في كرمه. يمتطي الكلمةَ فيجنّحُ بها حيث لا يصلُ غيرُه، ليستكملَ مشوارَ سُبّاقِه قافيةً ولحناً. لذلك فمآثرُ محمد حسن الذي نودعه اليوم هي حُسنٌ أعظمُ من أنْ يُنكرَ أو يُجحدْ.  رحمَ اللّهُ الفنانَ محمد حسن…

الدكتور نجيب الحصادي

موقف الفنان الذي يُكره على إنتاج أعمال فنية استجابة لممليات السلطان لا يختلف من حيث المبدأ عن موقف أي مواطن يطلب منه الامتثال لأوامر حاكم جائر. ذلك لأن هذا المأزق لا يواجه الفنان بوصفه فنانا، بل بوصفه مواطنا، وإذا حدث أن امتثل الفنان لمطالب السلطان، فإن هذا قد يدينه مواطنا ولا يدينه فنانا، لأن قيمة ما ينتج من أعمال فنية أجدر أن يقوّم وفق معايير جمالية خالصة. بتعبير موجز، العثرات السياسية لا تستتبع بالضرورة عثرات فنية، تماما كما أن مشاركة الفنان في النضال السياسي لا تضمن رقي أعماله الفنية. ولعل الليبيين أدركوا كل هذا حين تغاضوا عن موقف محمد حسن السياسي، فلم يذكروا له سوى فنه الأصيل. أو لعلهم التمسوا له العذر بعد أن أدركوا أنه ما كان له أن يثري المشهد الفني الليبي على النحو الذي فعل لولا أنه قدم بعض التنازلات السياسية. أو لعل حسهم الفني أسر ألبابهم، أو لعل قيمة التسامح وجدت إلى ضمائرهم سبيلا، وفي جميع الأحوال لا مراء في أنهم اتخذوا موقفا جديرا بالإشادة.

_____________________

نشر بموقع بوابة أفريقيا الإخبارية.

مقالات ذات علاقة

بيت سبها الثقافي لم يزوَّد بالكتب منذ ثورة 17 فبراير

المشرف العام

لماذا الفجوة قائمة بين النص والمبدع ؟

مهند سليمان

تحمل كاميرا؟ أنت عدو الأمن والشارع

المشرف العام

اترك تعليق