الطيوب | متابعة وتصوير : مهنَّد سليمان
إثراءً للمشهد الثقافي الليبي تتواصل فعاليات المركز الليبي للمحفوظات والدراسات التاريخية بمدينة طرابلس، وذلك ضمن مناشطه الأسبوعية حيث استضاف مساء يوم الأربعاء 22 مايو الجاري محاضرة جديدة للباحث الدكتور “المختار الطاهر كرفاع” حملت عنوان (الاهتمام الروسي بليبيا من خلال الأرشيف الروسي – السوفييتي) من تقديم وإدارة الدكتور “علي الهازل” برواق قاعة المجاهد بالمركز وسط حضور لفيف متنوع للنخب الأدبية والفكرية، وممثلين عن البعثة الدبلوماسية الروسية بليبيا.
لمحة تاريخية
إذ تطرق الدكتور كرفاع في توطئته الاستهلالية إلى لمحة جغرافية عن روسيا وموقعها الجغرافي ومكانتها الجيوسياسية في العالم وشكل نظام حكمها الرئاسي علاوة على جذورها التأسيسة منذ الحقبة القيصرية في 16 يناير عام 1547م حين تبنى “إيفان الرابع” لقب القيصر، وعرفت الدولة الروسية توسعا جغرافيا كبيرا حتى اندلاع الثورة الحمراء أو ما يُعرف بالثورة البلشفية في أكتوبر عام 1917م لتنتقل روسيا من الحكم القيصري إلى الحكم الاشتراكي السوفييتي بانضمام نحو 14 جمهورية، كما عرّج الدكتور كرفاع على الخريطة الروسية الراهنة وتبعات انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991م.
أقسام الأرشيف الروسي
فيما توقف الدكتور كرفاع عند أهمية الأرشيف الروسي في الكتابة التاريخية الليبية، وقد استشهد بما قاله الدكتور “عقيل محمد البربار” أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة طرابلس الذي يؤكد بدوره أن الروس لم يسعوا يوما إلى احتلال ليبيا مما جعل الباحث يستبعد احتمالية وجود تزوير ما في المعلومات المتوفرة بالأرشيف الروسي، ومن جهته يعتقد الدكتور كرفاع أن أهمية الأرشيف الروسي تكمن في كونه يحمل الكثير من المصداقية التي ربما لا تتوفر في سواه من الأراشيف الأوروبية، وأضاف بالقول : إن الأرشيف الروسي ينقسم إلى ثلاثة أقسام تتمثل في أرشيف العهد القيصري، وأرشيف الشيوعية الدولية، وأرشيف وزارة الخارجية.
جهل النخب البحثية الليبية بالأرشيف الروسي
وأكد الدكتور كرفاع أن هذا الأرشيف وفق فروعه المذكورة يعد أحد أهم الأراشيف الأوروبية نظرا لما يضمه من مادة وثائقية هامة حول دور روسيا بعهديها القيصري والسوفييتي، وأوضح الدكتور كرفاع بأن هذا الأرشيف كان حتى عهد قريب موصدا أمام البُحّاث والأكاديميين حسب تصنيف أهميته بالنسبة للحكومة السوفيتية بينما عزى الدكتور كرفاع سبب عزوف البُحّاث الليبيين عن الدراسة بالاتحاد السوفييتي لأسباب سياسية وأيدولوجية دفعت بالدولة الليبية لتوجيه طلابها للدراسة بالدول الغربية أدى إلى جهل النخب البحثية بما يحتويه الأرشيف الروسي.
غياب المصالح المشتركة بين ليبيا وروسيا
وأوضح الدكتور كرفاع أن اسم ليبيا لم يغب عن روسيا برغم البُعد الجغرافي فالأحداث التي شهدتها ليبيا خلال العصور الحديثة لم تغب عن دائرة اهتمامات الطبقة السياسية الروسية ضمن صراعها مع القوى الكبرى، ويستدل الدكتور كرفاع بالمادة الوثائقية الهامة المحفوظة في الأرشيف الروسي في المقابل يُبيّن الدكتور كرفاع أسباب انصراف روسيا عن الاهتمام المباشر بليبيا مثل غياب وجود أية مصالح مشتركة لروسيا في ليبيا والبُعد الجغرافي مثل عدم وجود امتداد عقائدي لروسيا في ليبيا يتمثل في طائقة دينية أرثوذكسية يمكن أن تكون وسيلة للتواصل بين البلدين بخلاف بعض الدول المشرقية كسوريا ولبنان ففي هذه الدول كان لروسيا دور في صناعة الأحداث من خلال دعمها للمتمردين عن الدولة العثمانية آنذاك، وفي بعض الأوقات كانت روسيا تتدخل سياسيا بذريعة حماية الأماكن المسيحية المقدسة للأرثوذكس.
طلب روسي بإنشاء قاعدة عسكرية
بينما يشير الدكتور كرفاع إلى أن هذه العوامل لم تلغي بشكل كامل وجود اهتمام روسي ولو كان بسيطا بليبيا وفي حقب تاريخية مختلفة فليبيا كانت من تلكم المناطق التي جذبت أولئك الرحالة والمستكشفين من مختلف الجنسيات الأوروبية بسبب قربها الشديد من القارة الإفريقية وبوابتها الشمالية على أوروبا، وتابع الدكتور كرفاع قائلا : إن الملفات الوثائقية المتوفرة بالأرشيف الروسي كتبها بحاثون روس وسوفييت تناولوا فيها تاريخ ليبيا عبر فترات تاريخية مختلفة، مضيفا إلى أن أول إشارة اهتمام لروسيا بليبيا بدأت في الأدبيات الروسية في عهد بطرس الأكبر عندما جاءت في كتاب بعنوان(كتاب حررته سرا وخفية) لمؤلف مجهول سرد فيه رحلته من مدينة الأسكندرية بمصر وصولا إلى طرابلي الغرب مدونا مشاهداتته لحياة الليبين أوان ذاك الزمن، وشهد عام 1772م تقديم روسيا بشكل رسمي بطلب إلى باشا طرابلس وقتذاك “علي القرمانلي” تلتمس فيه الحصول على موطئ قدم وقاعدة لأسطولها في البحر الأبيض المتوسط، وتحديدا في خليج بومبه قرب مدينة درنة بيد أن هذا الطلب رُفض تماما جراء ضغوط فرنسية على الباب العالي أدت لمنع باشا طرابلس من اتمام الصفقة مع روسيا.