تظل تجارب الكتابة التاريخية في أدب الطفل تتعدّد، وتتنوّع حسـب لمواضيـع المراد طرحهـا في ثقافة الـطفـل تلـك الـتـجـارب التي تكشـف لنا قـدرة الـكاتب الذي يمتلك الـموهبــة والمهارة، والإحساس المفرط اتجاه ما يحيط به من كائنات بشرية، وحيوانيـة وطبيعيـة، وجمادات. وهو يبـذل كلّ ما في وسعـه لتقريب مواضيع الكتابة التاريخية من مستوى الطفل بطريقـة فنيـة ممتعـة، تدخـل السرور إلى نفسه وتساعده على فهـم محيطـه الاجتماعـي (بصـورة دقيقـة).
ولعلّ أصعب مواضيع الكتابة للطفل هي تلـك المواضيع التاريخية التي تنقل الطفـل مـن مرحلـة معينــة إلى مرحلـة أخـرى. أي تنقلــه مـن الحاضـر إلى الماضـي، ذلـك الماضـي الملـيء بالأسـرار، والغمـوض في أغلـب الأحيـان.
فنحن إذا أحلّنا الطفل على موضـوع الأساطيـر القديمـة، فإنـّنا بلا شـكّ نحيلـه على عالم خرافي لا يصدّق إلاّ في حدود ما يتفق مع حقائق الأشخاص الذين عاشوا في تلك الفترة الزمنية فترة ما قبل التاريخ مثلا أو فترة ما قبل الميلاد، ولعلّ ما وصلنا من كتابات عن (قصـص الأنبياء) مثلا فهو مرتبط ارتباطـا وثيقا بتلك الآيات والسور القرآنية التي تعطي لنـا الضـوء الأخضـر لدخـول تفاصيل عالم تلك الشخصية المقصـودة في العـرض. ولنا أن نقدّم على سبيل. المثـال (قصـة سيدنـا سليمـان والنمـلة، أو قصتـه والهدهـد، أو قصـة الملكة بلقيس). إن مثل هذه القصص يتطلـّب منـّا إلماما واسعا عن تلك الشخصيات المـراد تقديمهـا في قالـب فنـي ممتـع يكـون الهـدف مـن ورائـه تقديم مغزى. تربويا ودينيا وعبرة خالدة للقارئ الصغيـر، وهنا يلعب عنصر الخيال دورا كبيرا في وضع تلك اللـّمسات الفنـّية الجميلة الساحرة التي تجعل الطفل يقبل على مثـل هذا النــوع من القصـص، والرّغبـة في معـرفة المزيـد من أخبار على مثـل هذا النــوع من القصـص، والرّغبـة في معـرفة المزيـد من أخبـار.
إنّ أصعب تجربة في الكتابـة للطفـل هي أن يحـاول الكاتـب تنـاول موضوع حيـاة شخصيــة معينــة لهـا دورهـا البــارز في التاريـخ. وهو بذلـك يحـاول صياغتها في قالب قصصي فنـّي، موجه للطفل، وتكون تلك الصياغـة بعيـدة عن أسلوب السرد الفنـّي أو بعيدة عن كتابـة السيـرة الذاتية للأشخاص. مهما كانـت تلك الشخصيـة من العصـور القديمـة أو العصـر الحديـث. إنّ الغايــة من صياغـة حيـاة تلك الشخصيـات التاريخيـة صياغـة فنـّية بلغـة متألقـة وأسلوب مشـوّق. وذلك حتى يتعلـّم الطفل فهم تلك الأحداث الماضية ومعرفة أسـرار تلك الشخصيـات التي ساهمـت في صنـع التاريـخ، ومعرفة أسلوب الحياة والمعيشة التي عاشتهـا الأجيـال السابقـة. كمـا يمكن أن يستفيد الطفل من حياة تلك الشخصيـة التي أصبحـت مضربـا للمثـل في حياتنا، كما أصبحت قدوة للكثير من أبناء هذا العصر. الطفل من حياة تلك الشخصيـة التي أصبحـت مضربـا للمثـل في حياتنا، كما أصبحت قدوة للكثير من أبناء هذا العصر.
إنّ شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم هي خير شخصية يمكننا أن نركـز عليها من أجل تقريب صورة القدوة في حياة هذا الرجـل الذي لم يـزل يشغل بال الكثيـر من شعـوب العالـم من مسلميـن وملحديـن على حدّ سـواء.
والكاتب الكبير، هو ذلك الذي جرّب الكتابة عن هذه الشخصية العظيمة عبر العصور والأجيـال الغابـرة. وعلى الكاتـب أن يتخيّـر الألفـاظ والكلمـات التي يدخـل بها عالـم الكتابـة عن شخصيـة الرسـول صلى الله عليه وسلـم، وهو يتنقل من مرحلة لأخرى من الطفولة إلى الشباب، إلى الكهولة ونزول الوحي عليه ومواجهة المشركين له، ونشـر الرسالـة، وتدرجـا في تلك المواقـف التي مرّ بها حياته وصـولا إلى سنـة وفاتـه.
هذه التجربة لا شكّ أنـّها تحيـل الكاتب إلى عالم السرد المباشر في كثير من الحالات، ذلك السـرد الاستعراضـي لتفاصيـل حيـاة الشخصيــة التاريخيــة، يستخـدم في هذه التجـربة الأسلوب الروائي الذي يمتزج فيه السرد بالحوار.
وقد يوّفـق الكاتـب في طريقـة ثالثـة للكتابـة وهي الصياغـة الفنية التي يعتمد فيها الكاتب على فنيّات الحـوار واللغـة التي تستـوعب جلّ الصور والمعاني وذلك بتقنية موفقة، تجعل الطفل يقبل على هذا النوع من الإبداع، ويحاول أن يدرك تلك الأبعاد الفنية والثقافيـة والتاريخيـة المستـوحاة من حياة الشخصية المـراد تناولهـا وقد يستعيـن الكاتب بتلك المؤثرات الخارجية من مزج بين الحقيقة والخيال، فيستفيـد من تقنيـات السينمـا، ومن محطـات ثقافيـة ومعرفيـة أخـرى.
ولعلّ المتتبع لتلك القصص التي تناول أصحابها سيّر الشخصيـات التاريخية يجد جلّ كتاباتهم تصب في مصب واحد يتمثـل في ذلك السرد بحيث يستعين الكاتـب على عنصـر الخيـال. كمـا يحـاول الاستفـادة من ذلـك المحيـط الذي يحيط بعالم تلك الشخصية. وهناك فرق بين أن نكتب للطفل وأن نكتب للكبارين أصعب التجارب في هذا المجال هي أن يكتب الكاتب للأطفال من أصعب التجارب في هذا المجال هي أن يكتب الكاتب للأطفال من منطلق إلمامـه بالأحـداث التاريخيـة، وهو يحـاول أن ينقلهـا إلى الصغار. فيكتب عن المعـارك والحـروب، وعن الشخصيـات التي صنعـت تلك الأحداث.
إنّ الكثيـر من الكتاب لم يستطيعوا أن يواصلوا رسائلهم الهادفة إلى الصغار من خـلال كتاباتهـم. ولـذا نجـد الجيـل الجديـد من الشبــاب ينفـرون من تلـك الكتابـات التاريخيـة لأنها تصلهـم في أغلب الحالات جافة خالية من العنصر المشـوّق، وخالية من الجمالية الفنية فهي سردية مملــّة. وقد وقفت على عدّة تجـــارب في حيــاة أدب الطفــل في حيــاة أدب الطفــل في الوطـن العربــي، فكانـت في غالبهـا مجـردة من العنصـر الجمالـي بلغـة لا تختلـف عـن اللغـة اليومية العادية التي لا تقـدّم إضافـة جيـدة في ثقافـة الطفـل من حيـث الشكـل والمضمون. وقد جاء ت السلسلة الثانية التاريخية التي تولت الإشراف عليها وزارة المجاهديـن، والتي تحـاول تقديم حياة الشهداء في قالب قصصي فني، وهي تجربــة جديـدة في ثقافـة الطفـل.
غيـر أن المتـأمـّـل في مواضيع ومضامين هذه السلسلة. يدرك سرّ الصعوبة التي تكمـن وراء كــلّ عمـل يقــدّم عن حيـاة الشهـداء. انطلاقــا من الجانـب التاريخي (الميلاد والنشأة والتعليم، والانخراط في صفوف الثورة، وتاريخ المعارك éض والاستشهاد، ومن الصعوبـة نجدهـا في هـذه الكتابات التي تعتـرض سبيـل الكاتــب المختــصّ أو المتخصص.
أ – عـدم حـرية الكاتب في تقديـم موضوعـه بالأسلـوب المناســب وبالطريقـة المناسبة. وهنا تجد الجهـة المشرفـة تملي شروطـا معينـة لتقديـم هذه السلسلـة.
ب – عدم توفيـر بنـك للمعلومـات الخاصة بالشهيد (ميلاده، طفولته، مراحل دراستـه)
ج– عدم توفر هذه السلسلة على فريق (تربوي إبداعي) متكامل ومنسجم.
د – عدم توفر وثائق دقيقة تضبط دقة أسماء الأشخاص وألقابهم، كما تضبـط أسماء الأماكــن التي هي في الغالـب (عاميـة) أو أجنبيـة محرّفـة في نطقهـا.
هـ – إن أغلبيـة هذه الشخصيـات هي أسماء مبهمـة من الميلاد إلى الوفاة وأمام
هذه الصعوبـات يجــد الكاتـب نفسـه في الحالات ينقـل تاريخ الكبار من الكتب إلى فئة الصغار، سردا مملا ومنفّرا للطفل في كثير من الأحيان. نظرا لانعدام عنصر التشويق.
لقد وقفت على هذه الصعوبات مع بعـض أعضاء هذه السلسلة التاريخية الخاصة بأبطال الجزائر في ثورة التحرير الكبرى، بحيث وجدنا أنّ الصعوبـة تتنـوّع وتتداخـل، انطلاقــا من صحـة المعلومـات التاريخية الدقيقة، وانتهاء بصحة اللغة المناسبة لمستوى ثقافة الطفل.
لقد استغرقنــا وقتـا طويـلا من أجـل انجـاز خمسيــن عنوانــا من هذه السلسلة التي تخصّ بعض الشهــداء أمثـال العربـي بن مهيدي وديدوش مراد، حسيبة بن بوعلي، وزيغوت يوسف فاطمة نسومر وأحمد رضا حوحو ……الخ إن مستوى الكتابـة في هذه السلسلـة يتفـاوت من شخصيـة إلى أخـرى، وذلك انطلاقــا من تجربــة كـلّ كاتـب، وانطلاقـا من المعلومـات المتوفــّرة عن كـلّ شخصية يريد الكتابة عنها.
إنّ الوثائق والمعلومات المتوفـّرة في المراجـع التاريخية عن ثـورة الجزائريـة وشخصياتها تكـاد تكـون متشابهـة. وخاصـة في حيـاة أولئـك الشهــداء الذين تمّ إدراج أسمائهم في هذه السلسلـة (المستـوى الدراسـي، انخراطهـم في صفوف الكشافـة، أو في صفـوف حـزب الشعـب، هجرتهـم إلى فرنســا. وهذا بالنسبــة ولعل كل المصادر في تاريخنا القديم والحديث يغرف من مصدر واحد، وفي كثير من الحالات نجد ذلك التضارب والتناقض في تلك المعلومات التاريخية وفي أصحابها وفي تفاصيلها ومن خلال هذه الإضاءة المتواضعة في مجـال كتابـة الأعمـال التاريخيـة التي لهـا صلـة بثقافـة الطفــل يتــّضـح لنـا أن أدب الطفـل يجب أن يكـون على قدر كبير من الأهمية في حيـاة الأمـم والشعـوب. كمـا يجب علينـا أن نوليـه أهميـة كبرى من أجل إعداد الأجيـال وتكويـن شخصياتهـم تكوينا سليمـا، بحيث ينشـأ الطفل محبا لدينه ولغته ووطنه، كما ينشــأ على درجـة من الوعـي بتلـك القيـّم والثوابت الوطنيـة التي ضحـى مـن أجلهـا الأجـداد والآبـاء. ولا يأتـي ذلـك إلاّ بوجود فئـة ذات مستـوى رفيـع من الأدبـاء والمبدعيــن الذيـن يهتمــون بثقافـة الطفـل من مختلف جوانبها الإبداعية والفنية والتاريخية.