حدثني أحدهم قال:
بعد ان سجد اخي مع صلاة الفجر الى الله طالبا الرحمة؛ شاهدته رافعا يديه الى السماء يتسلق بنظراته السماء؛ شاهدته يحدق بعينيه في النجوم كأنه يريد أن يدرك منتهى تلك النجوم؛ بدا لي كانه يراقب نجما تائها اضاع طريق الوصول الى تلك النجوم في اقصى السماء؛ بدا كانه جزء من تلك النجوم في ارتفاعها؛ تبا لمن كان يعبد القمر والنجوم؛ رحلت النجوم؛ توارت كالطيور في السماء؛ سمعته يتملق في طلب الدعاء؛ زرع عدة امنيات فوق تلك الجبال الشاهقة؛ ما انفك يطارد احلامه وسط احلامه وراء تلك النجوم وقد ذابت كالطيور في كبد السماء؛ هو يجتهد في القراءة والتلاوة؛ قال بصوت جهوري خافت و باهت كالسحب تسير دون وجهة، المهم انها تسير؛ يا رب … يا أرحم الراحمين خلصني…. خلصني؛ هز الى الله يديه المرتجفتين كأزهار الشتاء في فصل الشتاء؛ قال: ارحمني؛ مع الفجر والفجر لا يشعر ادى ركعتين؛ هو يعرف ان ركعتان في الفجر خير من الدنيا وما فيها؛ ردد الشهادة؛ استلقى على فراشه ينتظر خروج الروح كما تخرج تلك الطيور من اوكارها في الصباح الباكر؛ بدا يحس لحظة بلحظة ودمعة بدمعة بأن روحه بدأت تستسلم الى خالقها دون مقاومة تذكر؛ انفصلت الروح عن الجسم؛ طارت مثل حمامة برية في السماء؛ لم يعد يشعر بأنه يتحكم في ساقيه؛ فقد كل احساس بالحركة؛ دخل في عالم الاموات قبل ان يلتقي بالأموات؛ لم يعد يستطيع أن يهرب؛ خارت قواه؛ فقد السيطرة على عدة اشياء كان يثق فيها ثقة عمياء؛ لمست يديه؛ كانت باردة كالثلج لا معنى له حين يسقط في الصحراء؛ ها هو على فراش الموت ينتظر الموت؛ تمتم بكلمات تفتحت كأزهار الخريف في فصل الخريف؛ كلمات تدافعت كالأزهار حين تغرق في الماء؛ نعم تركت تلاوته لسورة الكرسي مع الفجر أو قبل اذان الفجر صوتا متقطعا كالغناء …كالبكاء؛ هي اصوات تتجمع كصهيل حصان في الصحراء….هي أدعية مفهومة الى درجة غير مفهومة؛ تركت أثرا كالجرح في السماء او كخرير الماء في اقصى الصحراء؛ هي تلاوة وسط تلاوة لها أثر قاطع كالسيف يهز الرقاب… فهمت منها… فقدت الأمل في الدنيا؛ انتهى القطار الى آخر محطة؛ لم تعد هناك محطة اخرى…لم تعد هناك عربات اخرى يمكن ان يتسلقها؛ او يمكن ان ينتظرها؛ هجمت الروح على الجسد؛ انتصرت عليه؛ هجمت الصحراء على ذلك الحصان؛ لم يدرك الماء؛ هو دون ماء؛ ينتظر خروج الروح من الجسد وقد اغواها الماء دون الوصول إلى الماء؛ لم يستطع ركوب ذلك الحصان؛ هجمت العاصفة الصحراوية على تلك الازهار قطعت كل الازهار؛ نزل كل المسافرين الا هو رفض النزول؛ رفض ان يتنازل عن تلك التذكرة الاخيرة، ادعى بأن هناك محطة نقل بري أخرى يريد الذهاب اليها؛ يريد الوصول اليها؛ لا يمكن ان يعود القطار الى الوراء؛ لم يعرف لماذا ظل محتفظا في يده باخر تذكرة…تحمل التذكرة تاريخ السفرة؛ كما تحدد وقت الانطلاق؛ لكنها لا تحدد وقت الوصول؛ وصل قطار الموت إلى مدينة الموت؛ اعطته التذكرة مشاعر مختلفة؛ لعل من اهمها…فشلت في تحقيق السعادة؛ يا رب ارحمني؛ انت ارحم الراحمين…يا رب خلصني من عذاب وسط عذاب انا فيه؛ ماتت الدنيا في نفسي؛ لم اعد اتنفس؛ لم اعد اشعر اني اشعر بما اشعر به؛ فقدت حاسة الذوق؛ كما فقدت حاسة السمع؛ كل الروائح امامي غريبة؛ لم تعد هناك روائح؛ فقدت حاسة الشم؛ كل المناظر باهتة وشاحبة؛ اريد ان ارحل اليك؛ انا مشتاق إلى جنة عرضها السماوات والارض؛ انا عبد ضعيف لا أمل؛ فقدت الأمل؛ لا رجاء؛ فقدت الرجاء؛ برحمتك يا أرحم الراحمين؛ اللهم لا نسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف فيه؛ لجأت اليك؛ ارحم ضعفي وعجزي؛ لا تقف ايها القطار؛ لا تنحرف عن مسارك؛ عن سكتك؛ لا اريد العودة؛ سر بي الى المحطة الاخيرة؛ لم أعد املك ثمن تذكرة اخرى تعود بي في نفس القطار الى نفس المحطة؛ إلى نفس السكة؛ لا مهرب لي؛ الا ان تضعني امام نهر من انهار رحمتك؛ اريد جنتك؛ اريد رضاك؛ خلصني حملت الحديد والصخر فلم اجد اثقل من الدين؛ لم اجد من يفهمني؛ انا في ورطة؛ وقّعت بالبصمات على عقد زواج رسمي؛ طلبوا مني اكثر من بصمة؛ لم ارفض؛ كانت أحلامي بسيطة و واقعية؛ لكنها عند البعض تقوم على الايام بالواقعية؛ اريد فتاة تشبه في جمالها نساء الجنة؛ أريدها من قاصرات الطرف في الابراد لم يطمثهن انس او جان؛ البعص قال انت تعيش في الخيال والبعض الاخر قال: اعمل لدنياك كأنك تعيش ابدا واعمل لآخرتك كأنك ستموت غدا؛ تمسكت بذلك الواقع لا يتحقق الا في الخيال؛ او بضرب الأمثلة في الخيال؛ أردت الوصول إلى ذلك الواقع المتخيل؛ حتى إذا جاءني ملك الموت قلت له: اشتهي الاستقرار على تلك الارض مع تحقيق السيادة على تلك الارض؛ نعم وقعت على عقد ملكية تلك الارض؛ اشتريت الارض؛ بعد ايام اكتشفت ان عقد البيع والشراء كان عقدا مزورا تنقصه عدة وثائق هامة؛ منها وثيقة التصريح على الشرف؛ كم سمعت ذلك الفلاح يصيح في المحكمة بصوت مرتفع المهم ان استرجع الارض؛ نعم المهم ان استرجع الشرف؛ المهم ان اكسب القضية؛ تشابهت القضيتان؛ كلانا يريد أن يدافع عن نصيبه في تلك الارض التي ورثها عن اجداده؛ غير ان قضيتي في حجمها اكبر من تلك الارض؛ هي قضية مرتبطة برد الاعتبار إلى صاحب الارض؛ هكذا وجدت نفسي اعيش في أرض لا اعرفها؛ وجدت نفسي في وطن لا اعرف كيف ارفع فيه اعلام النصر؟ كيف استرجع فيه حقي المغتصب في العيش على تلك الارض بطمأنينة؛ التقينا خارج حدود تلك الارض التي رسمتها او كان يمكن ان ارسمها؛ التقينا شمالا بينما كانت الرحلة متجهة جنوبا الى اقصى البحر والصحراء؛ في تلك المحطة التقينا على وجه الخطأ؛ كنت ضحية مؤامرة دبرتها احدى أجهزة المخابرات التي لاحقتني في كل مكان؛ اغتصبت ارضي؛ اغتصبت حقوقي التاريخية فيها؛ حاصرت حتى اتصالاتي الهاتفية؛ تجسسوا على جيراني؛ نعم اخترت الارض دون ان اعرف من صاحب الارض او من تنازع عليها؛ لم اتنازل عن الدفاع عن حقي؛ وراء كل قضية هناك متهم؛ نعم هناك صاحب حق؛ ما ضاع حق وراءه طالب؛ المتهم في القانون بريء حتى تثبت ادانته؛ انت متهم بالتقصير في موضوع الحب؛ فكرت ان تتزوج؛ ولم تفكر ان تحب؛ فكرت ان تشتري الارض ولم تفكر ان تدفع الثمن؛ اغرتك المعاملات المصرفية حسب الاقساط؛ لم تفكر انك وقعت في الربا وهو من المحرمات؛ لا يوجد في الزواج حب حسب الاقساط؛ لا توجد أرض دون اصحاب؛ لا يوجد قطار دون محطة؛ لا توجد قصة دون عنوان؛ وراء كل عنوان هناك قصة؛ لم أكن البطل في تلك القصة؛ كنت شخصية وهمية تبحث عن عنوان وهمي؛ او عن حب وهمي؛ لم افكر طويلا وانا اقف اول مرة امام تلك الارض هل هي الارض الصحيحة؟؛ لم افكر وانا اقف امام تلك المحطة هل هي المحطة الصحيحة؟ فكرت فقط أن ذلك القطار هو القطار الاخير قبل بداية الرحلة؛ لم تعد هناك رحلة؛ اصبحت كل رحلة تلغي رحلة اخرى؛ اصبحت كل الأراضي متشابهة؛ لم اعد اعرف حدود ارضي وانا اقف وسط ارضي؛ لم اشعر بأن الارض هي ارضي؛ تشابهت علي الامور؛ لم أعرف أن القصة هي قصتي مع أرض لم اعد اعرفها؛ هل يمكن ان تكون تلك القضية المرفوعة ضد ذلك المالك الثاني الذي اغتصب الارض وزور الوثائق في تلك المحكمة هي قضية عويصة؛ تشبه الى حد كبير؛ قضيتي مع تلك المرأة في تلك المحكمة التي اكتشفت عدة ملفات فساد في قضيتي مع غياب ادلة واضحة تجرم الطرف الاخر؛ قال رئيس المحكمة بعد الاطلاع على فحوى المرافعة-؛ هناك في قضيتك لفظ دون معنى؛ كل المعاني مفقودة؛ هناك عدة ثغرات قانونية في ملف دعواك منها انك تعترف بأنك تعمدت ان تتزوج دون حب؛ انت لا تملك شهود على عقد الزواج؛ هذا باطل شرعا وقانونا؛ وقد أكد لي رئيس المحكمة بأن الفوز بالقضية امر مستبعد في ظل غياب الشهود الذين يثبتون حق ملكيتك للأرض؛ من أعطاك الاذن بشراء الارض؟ هل اخذت اذنا من المحكمة العقارية ترخص لك بالملكية والبناء دون معوقات؟؛ من أعطاك رخصة البناء؟ كيف ستحصل على الماء والانارة؟ من أعطاك عقد الزواج؟ من أعطاك رخصة الحب؟ انت لم تحقق الحب فوق الارض؛ وقد خسرت قضية الارض؛ فكر ان تشتري أرضا اخرى بمواصفات اخرى قانونية بالأساس؛ فكر ان تستعير قصة أخرى بمواصفات اخرى؟ ما اكثر القصص حول موضوع الارض؛ ما اكثر القصص حول موضوع الزواج؛ هل هي القصة الاخيرة؟ لم يكن العنوان صحيحا؛ لكن القصة كانت صحيحة؛ ربما كانت تلك اخر قصة استعيرها من المكتبة العمومية حتى اطالعها؛ كنت مغرما بمطالعة القصص التي لا تحمل عنوانا؛ كنت اجتهد في نهاية كل قصة في اختيار عنوان مناسب لها؛ قرات كل العناوين؛ لم اجد العنوان الذي أبحث عنه؛ لم اجد المواصفات التي اطمح اليها؛ ابحث عن فتاة تكون اجمل من النجوم والكواكب والقمر؛ كم سخر مني احد الأصدقاء؛ حين قال متعاطفا معي؛ ارحل الى جنتك؛ من تبحث عنها يا صديقي هي حورية من حوريات الجنة…لم انتبه الى كلامه كثيرا رغم انه استطاع ان يحدد مواصفات الحب الذي أبحث عنه؛ نعم لقد فهم ما كنت أبحث عنه؛ نعم فهم ايضا ما اضعته؛ وقد تجاهلت ذلك لأني مازلت متمسكا بتحقيق الحب فوق تلك الارض المجاورة لأرضي؛ اين تركت راعية الاغنام تبحث عن قطيع الاغنام؛ يبدو أن الذئب قرر ان يفترس احلامي؛ هو من أكل أغنامي وهي ترعى فوق ارضي بطمأنينة؛ هو من عرف نهايتي؛ لقد اختزل متاعبي في كلمة واحدة” انت تبحث عن فتاة من اهل الجنة” وقد تجاهلت ذلك؛ رغم ان ما حدث فوق ارضي من اعتداء سافر على القطيع او صاحبة القطيع؛ نددت به كل الدول؛ اعتبرته خرقا خطيرا لكل الاعراف؛ ترك الاعتداء في نفسي اثرا عنيفا كالرياح في اقصى الصحراء.
دخلت الى كل مواقع التعارف؛ لم اتعرف الى راعية الاغنام التي اختارت ان ترعى فوق ارضي؛ هي لم تشعر بالطمأنينة الا فوق ارضي؛ الا وهي تنام على صدري؛ لماذا باغتها الذئب في غيابي؟ كم مرة طردته من ارضي؟ كم مرة تسلل خلسة الى اغنامي؟ أخطر مرة عندما هدد أحلامي بالعيش حرا طليقا مع فتاة احلامي؛ وقد كرهت تلك الراعية لأنها استسلمت الى الذئب دون مقاومة تدل على مقاومة؛ لماذا تركت الذئب يفعل ما يشاء؛ هل اتفقت معه على خيانتي؟ وقد كرهت تلك الارض العاهرة لأنها لم تدافع عن شرفي؛ استقبلت الذئب؛ أعطته الماء والمرعى؛ لم تفكر اني احبها؛ لم تفكر ان الارض ارضي؛ لم تفكر ان الاغنام هي اغنامي؛ لم تفكر ان الحقوق هي حقوقي؛ قالت بكل استهتار؛ البيت لساكنه؛ انت هجرت بيتي؛ الجسد جسدي وانا حرة فيه؛ حز ذلك في نفسي؛ لم افكر في قتلها؛ تركت الامر الله؛ سأسترجع حقي في الارض في يوم مقداره الف سنة: هو يوم الحساب؛ يوم تلتف الساق بالساق ويقول الانسان يا ليتني كنت ترابا؛ يا ليتني ما فعلت حراما…بعد عقود نسيت امر تلك الراعية الفاجرة؛ لكني لم انس حقوقي المشروعة في تلك الارض؛ في ذلك الوطن المجازي الذي رسمته في قلبي وعقلي.
لقد دخلت الى كل مواقع الزواج عن حب او بمواصفات عالمية في الحب؛ لم أجد العرض الذي ينسجم مع قدراتي على العطاء في مجال الزواج بمهارات عالية في الحب؛ كم من استمارة عمرتها؟ كم من اسئلة غبيّة اجبت عنها؛ كل المواقع رفضتني؛ ما هو عمرك؟؛ العمر يتراوح بين الحزن والفرح والحزن من جديد؛ ما هو رقمك؟ الرقم ناقص رقم؛ لا يدل على رقم؛ ما هو عنوانك؟ العنوان؛ في شارع الحب لم احقق الحب؛ كل المواقع كانت تأخذ بياناتي؛ ثم تنبهني عبر رسالة إلكترونية الى ضرورة التثبت من المعطيات المخزنة؛ يجب تحيين المعطيات كل يوم؛ كل ساعة؛ قد تلتقي بالطرف الاخر في اي لحظة؛ وقد كرهت تلك المواقع؛ نعم كرهت الزواج الالكتروني؛ دخلت الى صفحة الفيسبوك الخاصة بطلب صداقة؛ شدتني مستخدمة كتبت على صفحتها” الحساب مغلق” لم أفكر لماذا اغلقت حسابها؟ المهم هو مغلق؛ اغراني العنوان؛ بذلت جهدا كبيرا حتى دخلت الى ذلك الحساب المغلق؛ ارسلت طلب صداقة؛ فوجئت بعد ايام بأن طلبي قد حظي بالموافقة؛ فتح الحساب؛ بدا الحساب؛ عليك ان تتحمل نتيجة السطو على ذلك الحساب؛ تحمل نتيجة الدعوة إلى الصداقة ثم الدعوة الى الزواج؛ قرات كل المواقع الاخرى؛ لم اجد الا المواقع الإباحية؛ مواقع لا تنسجم مع عاداتنا وتقاليدنا في الزواج؛ وجدت فتيات يرسلن طلبات صداقة؛ مع ” فيديو اباحي” يعرضن فيه تفاصيل خاصة عن حياتهن الشخصية؛ هكذا أصبحنا بعد ترويج فكرة الزواج الالكتروني؛ يمكن ان تجد شريكة حياتك على اي موقع؛ يكفي ان تضغط على الزر حتى يظهر لك الشريك الالكتروني؛ لم تعد يا صديقي في الحب دون تحقيق الحب؛ لم تعد بعد هذا التطور العاطفي؛ العلمي؛ بحاجة الى أن تلتقي بحبيبتك صدفة؛ لم يعد هناك حب عن طريق الصدفة؛ لم يعد ممكنا القول بان حبيبتك ضاعت في تلك المحطة بعد تلك المحطة؛ لم يعد هناك حب بمحض الصدفة؛ لا يمكنك بعد الآن ان تتحسر على ضياع اكثر من صدفة؛ مر امامك اكثر من قطار؛ لم يتوقف امامك اي قطار؛ بعد الآن تحمل مسؤوليتك؛ لا تفوّت عليك هذه الفرصة؛ قد تكون امام اخر صدفة؛ امام اخر قطار؛ امام اخر محطة؛ امام اخر حساب قبل يوم الحساب؛ او بأمور ان يغلق الحساب؛ سجل بياناتك الشخصية بدقة؛ سوف تجد الطرف الاخر بدقة؛ لقد كثرت في عصرنا مواقع الزواج الالكتروني؛ مقابل ذلك انخفضت نسبة الزواج الشرعي؛ اخر الاحصائيات تشير الى ارتفاع نسبة العنوسة؛ اصبح هناك عزوف كبير عن الزواج الشرعي؛ مقابل ذلك تشير باحثة في علم الاجتماع الى ارتفاع مؤشرات زواج المتعة؛ ازعجني ذلك التقرير؛ انتهت الباحثة الى التشجيع على فكرة الزواج الالكتروني؛ يجب مواكبة ذلك التطور العلمي؛ هناك تفاعل كبير في مواقع التواصل الاجتماعي مع تلك الفكرة؛ هناك تفاعل مع فكرة الزواج عن بعد؛ كل خطا في تسجيل البيانات ينجر عنه خطا في تحديد مواصفات شريكتك في الحياة؛ كل البيانات يجب ان تكون دقيقة حول العمر والطول والبشرة والمكياج والملابس. كل مخالفة لتلك البيانات بدقة عالية؛ تنجر عنها عقوبة الاقصاء من الموقع؛ اي لن تجد شريكة حياتك؛ لن تجد من يتفاعل معك؛ لأنك لم تكن جديا في طلب الزواج… لا يمكن ان تتعلل بعد ذلك؛ بأنك وقعت في خطأ الكتروني؛ لم أعرف كيف أخزن بياناتي الشخصية حول أهدافي العاطفية من ذلك المشروع النموذجي في تحقيق الحب النموذجي؛ نسيت ان اسال الباحثة المختصة في علم الاجتماع عن أفضل طريقة أستطيع بها تخزين مشاعري او المحافظة عليها؟ أليست حقوق الحب مثل حقوق الطبع محفوظة الى الابد؟ هل هناك مصرف يحفظ مدخراتي من الحب؟ لا اريد فائضا من الحب؛ اريد ما أدخرته فقط من ذلك الحب دون فوائض في مشاعر الحب؛ هل هناك شبكة إلكترونية مختصة؛ تستطيع ان تقدر نسبة الفوائد الناجمة عن ذلك الحب؟ كيف يمكن ان احمي مشاعري من الضياع؟ هل هناك في مثل هذه الحالات الصعبة شركات تأمين على تحقيق الحب بعد الزواج؟ قد يضمن لك المصرف الممول مصاريف الزواج؛ ولكنه لا يستطيع أن يضمن لك مصاريف الحب بعد الزواج؛ لا أحد يستطيع أن يتكهن لك بمصاريف في الحب من اول نظرة؟ هل يمكن تامين الخدمة او هل يمكن شحنها في قرص ليزري؟؛ هل يمكن ان استعين بذلك الحساب المغلق لإثبات براءتي من عدة تهم باطلة يوم الحساب المفتوح؟ يوم يفر المرء من ابيه وأمه وبنيه؟ هل يمكن ان استعين بذلك الحب عند الحاجة الى الحب؟ هل يمكن ان نضع جهاز انذار مبكر يدل على فراغ القلب من الحب داخل الحب؟ الا يمكن ان يتعطل ذلك الجهاز فجأة؟ الا يمكن ان يتسرب اليه خطأ ما؟ الا توجد في الزواج أخطاء تقنية ورقمية؟ كيف يمكن إصلاح الخطأ التقني في الحب؟ اين يمكن تصنيف الزواج دون حب؟ أليس هو من الاخطاء التقنية؟ كم اعتقدت ان ذلك العدد المفرد صحيح؟ لم أفكر في العدد الزوجي؛ تمسكت بالعدد المفرد رغم انه لا يعكس طاقتي على الإبداع في موضوع الحب؛ ليست كل الاعداد صحيحة؛ ليست كل الصدف جميلة؛ أليست بعض الأخطاء خارج سيطرتنا؟ متى نستطيع ان نتحكم في الخطأ الرقمي عن بعد بإرادتنا؟ الا يمكن ان نشتري أجهزة متطورة تخلق التنافس النزيه على الحب؟ هل يمكن ان نختزل المشاعر في ارقام؟ هل يمكن أن نختزل الحب في اقراص؟ الا يمكن ان نشتري تلك الاقراص؟ هل هي اقراص من النوع المخدر؟ هل يمكن ان نحقق التوازن المنشود بين نسبة الفائدة في الحب ونسبة الانتاج في الزواج عن حب؟
عند الشعور بالحاجة الى الحب؛ هل احتاج الى ذلك الجهاز او القرص؟ الا تكشف بعض الاجهزة عن السرعة القصوى في الطريق؟ هل انا بحاجة إلى سرعة محددة عندما اشعر بالحب؟ الا يمكن ان أفقد الاحساس بالسرعة وانا في قمة الشعور بالسرعة؟ لماذا تنبهنا بعض اشارات الطريق إلى ضرورة الالتزام بسرعة محددة اثناء المسافات القصيرة؟ الم تكن كل المسافات التي قطعتها من اجلك قصيرة؟ لم أتجاوز في طريقي اليك السرعة المسموح بها؛ لم اشعر بان السرعة في بعض المنعرجات خطيرة تفضي بالموت؛ كم غامرت بالسرعة القصوى عندما تعطل جهاز تحديد سرعتي وانا اغامر بالوصول اليك في سرعة قياسية؟ لم انتبه الى ضرورة الامتثال الى إشارة التحكم في السرعة؛ تبا لذلك الجهاز؛ لماذا يتحكم في درجة سرعتي بالوصول اليك؟ لم أستطع ان احدد مكانه بدقة؛ لم أستطع ان اتحكم في سرعة مشاعري نحوك.
اثناء تجاوز السرعة القصوى فكرت هل يمكن ان افتح حسابا في الحب بأرقام سرية لا يستطيع ذلك الجهاز عن بعد كشفها او التنصت عليها؟ الى اي حد يستطيع ذلك الجهاز المستورد وفق تقنيات عالية ان يكشف عن صاحب الحب؟ انت من وافقت على اقتناء الجهاز؛ انت فشلت على صعيد السرعة في تحديد سرعتك وانت تبحث عن الطرف الاخر؛ انصحك ان تخفض من سرعتك؛ تمهل في طريق عودتك من طريق الحب؛ كل الذين استهوتهم السرعة في ذلك الطريق ماتوا قبل الوصول اليك؛ فقدوا الاحساس بمخاطر السرعة؛ تمهل في سرعتك وانت تبحث عن تحقق احلامك في الزواج عن حب؛ اختر السرعة المناسبة؛ ابتعد عن الارقام التي تطلب التعارف على وجه الخطأ؛ كل الارقام مرتبطة بمشاعر مزيفة؛ كم من رقم وجدته في تلك المواقع؛ او الاقراص؛ لا علاقة له بموضوع الزواج عن حب؛ حقا بعض الأرقام مزعجة؛ ابحث عن الرقم المناسب.
احد الأطباء في علم النفس قال: هناك اكثر من دواء كيمائي في ذلك القرص الالكتروني؛ هناك جسد الكتروني يمكن ان يتفاعل مع قضيتك؛ انت بحاجة الى تقنيات جديدة في الحب الالكتروني تعوضك عن خسائرك الفادحة؛ انت لم تحقق الحب الطبيعي؛ انصحك بامتلاك عواطف الكترونية حسب تقنيات بمواصفات عصرية عالية الجودة؛ ادعوك ان ترفض المواصفات القديمة في الزواج عن حب؛ خزن افكارك ومشاعرك واحلامك في ذلك الهاتف؛ تجول من مدينة الى مدينة اخرى؛ استثمر ما تملك من تقنيات عالية في الاعلامية؛ استثمر ما تملك من تقنيات عالية في الحب؛ لا تعترض على تلك الفكرة حتى تحقق سعادتك؛ لقد تغير كل شيء؛ نعم حتى العواطف تغيرت حتى الارقام؛ كل الارقام القديمة ليست في وضع استخدام.
اضاف الطبيب وهو يشخص حالتي: تغيرت كل الارقام؛ تغير مفهوم السعادة؛ الجميع يتصفحون الهاتف الجوال كأنه صديقهم المفضل؛ كأنه يملك العلاج لكل مشاكلهم العاطفية؛ يكفي ان تضغط على الرقم حتى يأتيك أكثر من رقم يعدك بتحقيق السعادة؛ كم من رسالة جاءتني صدفة؛ تقول الرسالة: انت صاحب الحظ فزت بالجائزة؛ اتصل على الرقمين؛ فزت بالسيارة؛ لماذا اختزلوا الجائزة في سيارة؟ لماذا لم يفكروا في جائزة اخرى تحقق لك السعادة؟ السيارة قد تتعطل في اي لحظة؛ لماذا لم يفكروا ان تكون الجائزة قلبا يخفق بالحب؛ او بيتا مليئا بالاستقرار؛ بعد محاولات اتصال بالرقم لم أجد ذلك الرقم؛ لم أجد تلك الجائزة؛ لم اعرف من فاز بالسيارة او بالبيت؛ كل الجوائز وهمية؛ حتى تحقيق الحب عن بعد وهمي؛ من حدد شروط الفوز بالمسابقة؟ من صاحب الحظ السعيد؟؛ لم يجبرك احد على المشاركة في تلك المسابقة للفوز بشريكة الاحلام؛ انت اخترت الوقوع في تلك الاحلام؛ انت ابديت الاعجاب؛ ما حز في نفسي ان مواقع الزواج الالكتروني لا تقدم لك خدمة مجانية؛ إدارة الفيسبوك او النت تقبض منك مقابل تأمين تلك الخدمة مبلغا ماليا بفائض مجحف؛ حقا كل العواطف مجحفة؛ هي لا تضمن لك الفوز لكنها تساعدك على تحقيق الفوز؛ المهم انها تساعدك على تحقيق التواصل مع شريك يبحث بدوره عن الحب؛ لم اعد اتحمل الفشل في موضوع من نوع الحب؛ بعد ايام جاءتني فاتورة تطالبني بتسديد ما تخلد بذمتي من أقساط لم ادفعها، صار الحب من الديون المخلدة بذمتي؛ فاتورة الاستهلاك؛ فاتورة الحب؛ شاهدة على حبي لك؛ هي لا تتحمل مزيدا من الاستهلاك؛ هي لا تتحمل مزيدا من الحب؛ هكذا تعللت إدارة الفيسبوك؛ لم اقتنع لكني شاركت في المسابقة؛ المهم أردت أن يكون الحظ من نصيبي؛ سئمت الفشل وقد كرهت تلك المواقع؛ هي لا يهمها تحقيق سعادتك بقدر ما يهمها الصك الممضى مقابل تأمين تلك الخدمة؛ اي كم ستدفع من الدولارات مقابل ان تجعلك تتواصل مع الجسد الذي اعجبك؟؛ لا يهمها الحب؛ يهمها ثمن ذلك الحب؛ شدني عرض واحد؛ كتب عليه” الصندوق مغلق” لم يحقق العنوان نسبة إعجاب كبيرة وهو مهدد بالحذف من الموقع لأنه لم يحقق الفائدة المرجوة؛ نعم شدني ذلك العنوان الالكتروني؛ لم اجد افضل منه؛ هو يستجيب الى موهبتي في الحب حسب تقنيات حديثة؛ تطور مفهوم الحب؛ يجب عليك أن تواكب ذلك التطور والا فاتك القطار؛ لقد تعمد المستخدم من باب التشويق والاثارة ان يترك الصندوق او الحساب او القلب مغلقا دون عنوان يدل على غياب العنوان؛ دون حب يبحث عن الحب؛ لا يمكن ان تدخل الى الموقع الا بعد الاستظهار بصورتك ورقمك؛ اخيرا حتى اصل الى الصندوق؛ استظهرت ببطاقة خلاص الكترونية؛ تحمل عدة أرقام طويلة لا تدل على حساب محدد او شخص محدد.
بعد اشهر وجدت على الرصيف نسخة من بطاقة تعريف وطنية؛ هي بطاقة ضائعة لا تدل على شخص محدد؛ لا تدل على هوية محددة؛ قرات الاسم بصعوبة؛ لم اتعرف الى اللقب؛ تاريخ الميلاد مجهول؛ مكان الولادة مجهول؛ فكرت اني يمكن ان اعرف صاحبة البطاقة؛ نعم اشعر باني التقيت بذلك الوجه ذات يوم؛ التقينا ايام الدراسة؛ التقينا ايام الثورة؛ نعم التقينا ايام الحب؛ نعم فكرنا حتى في الزواج العرفي؛ لم نكن نملك بيتا؛ لم نكن نملك الا الاحساس بالحب؛ لم نكن نملك الا الاحساس بالمتعة؛ رفضت زواج المتعة؛ اريد الزواج مقابل تحقيق الحب؛ شدتني تلك البطاقة؛ أعجبتني كل المعطيات لأنها لا تدل على معطيات محددة؛ اخذت منها نسخة …نسختين وحررت بعد عدة تحريات واجراءات تثبّت معقدة؛ بلاغ ضياع بطاقة في ذمة فتاة اعتقد اني كنت اعرفها؛ كان يمكن ان تكون زوجتي؛ طلب مني احد اعوان المركز العمومي تحرير مطلب كتابي في الغرض؛ أضع فيه كل بياناتي؛ وقد اودعت ذلك مع التنصيص بان البطاقة قد تدل على ضياع الحب أو هي تدل على شخص يبحث عن حب ضائع؛ او قد يكون تعمد ان يتخلص منها لأنها لم تعد تعني شيئا؛ ما جدوى بطاقة تدل على حب ضائع؟ أليس الأفضل أن اتخلص منها الى الابد؟ بعد إجراءات مطولة اودعت المراسلة في ظرف مضمون الوصول يحمل توقيعي؛ تركت الحب الضائع في تلك البطاقة الضائعة في مكتب الضبط؛ وغادرت احمل عدة افكار وشكوك…لقد وعدوني بانه سيتم الرد على طلبي بعد اسبوع او اسبوعين.
بعد سنوات جاءني الرد؛ لم يجدوا صاحب البطاقة؛ لكنهم وجدوا الحب الضائع في تلك البطاقة؛ وجدوا أنى املك حسابا مغلقا؛ لقد وافقت إدارة الفيسبوك على فتح حسابي المغلق منذ مدة طويلة؛ لقد تم استرجاعه بصعوبة من مستخدم سرق رقمي السري؛ لم أعرف لماذا سرق رقم حسابي بالذات؟ بعد ان تصفحت حسابي القديم شدني انني كنت في اخر مرة؛ قبل ان اصاب بالمرض الخبيث؛ كنت أقرأ قصة بطلها اصيب بمرض عجز الأطباء عن تصنيفه او تشخيصه؛ هو مرض دون عنوان؛ هناك في قصتي شخصيات ولكن لا يوجد ابطال؛ هناك قلب ولكن لا يوجد قلب يتنفس؛ كم طالبت بقلب اصطناعي؛ كم شعرت اني اختنق؛ كم اخذوني على جناح السرعة إلى غرفة العناية المركزة؛ كم وعدوني بقلب اصطناعي؛ كم كنت بحاجة الى تنفس اصطناعي؛ كم توقف قلبي ثم عاد يتنفس بصعوبة؛ بعض الامراض يضطر فيها الأطباء إلى عزل القلب عن سائر الاعضاء؛ اعتقد اني امر بنفس الحالة؛ او أصعب منها؛ بعض القصص الغرامية مثل الامراض الخطيرة لا تحتاج الى دواء؛ لا ينفع معها العلاج؛ هي لا علاج لها اصلا؛ تطور العلم دون ان يجد علاجا لهذا المرض الخبيث؛ تطور احساسي بالأزمة القلبية دون اجد لها حلا؛ في غياب الحل لا يوجد حل؛ عليك بأن تستعير قلبا اصطناعيا يقاوم احساسك بالأزمة؛ لا تحتاج بعض القصص الغرامية الى ابطال؛ كل القصص المشوقة تقتل الابطال؛ كم قتل ذلك الكاتب الالكتروني من ابطال؟ كم فشل في تحديد المكان والزمان؟ احسست ان تلك القصة هي العنوان الاخير الذي سأقرؤه قبل ان يصل القطار الى آخر محطة؟ لم اعرف هل يمكن ان يكون غياب العنوان أكبر دليل على أنى اتجه الى العنوان الصحيح؟ عندما ركبت في القطار؛ لم افكر في العنوان؛ المهم اني ركبت؛ لا يهم الى أين يمكن ان اصل؟؛ الأكيد اني ساجد عدة عناوين؛ اخذتني القصة الى ذلك العنوان” الحساب مغلق” هو حساب لا يدل على اقتراب يوم الحساب؛ لا يدل على عنوان محدد؛ او هو ربما يرفض الحساب المتعلق بذلك العنوان لا يدل على عنوان اصلي؛ لم افكر اني كنت اقرا؛ لا معنى للقراءة؛ لم افكر اني كنت أبحث عن الحب؛ وجدت امامي اكثر من مقعد فارغ يدل على اكثر من قلب يعاني من الفراغ؛ كان يمكن ان اجلس في ذلك الفراغ؛ كان يمكن ان أملا ذلك الفراغ؛ جلست في اخر مقعد امام الذكرى اخاطب الذكرى؛ طرقت الباب الاول من الفصل الاول؛ وجدت صفحة تحمل رسما غريب الملامح؛ ازعجني الرسم؛ لم أكن مرتاحا وانا اتأمله دون ان احدد الاحداث بدقة؛ لم أعرف حتى الشخصيات؛ بصعوبة حددت المكان والزمان؛ لم اطرح على نفسي عدة اسئلة مهمة كان يجب ان اطرحها؛ لعل اخطر سؤال؛ من اعطاني الاذن بان صاحبة تلك البطاقة الضائعة هي حبيبتي التي ابحث عنها في كل مواقع التواصل الاحتماعي؟ لماذا كلما مرت امامي تلك الذكرى مسرعة قلت هل كان يمكن ان تكون حبيبتي؟؛لماذا كلما تذكرت عيد ميلادها قلت كان يمكن ان يكون عيد ميلادي؟؛ هل كان يمكن ان تكون الذكرى وسط غياب الذكرى جزءا من أحلامي وسط غياب احلامي؟؛ تخيلت أن تلك التي كانت ترتدي في أول لقاء جمعنا معطفا اسود اللون كانت تحمل بداية نهايتي؛ نعم تحمل نعشي؛ لم انتبه الى ان اللون الاسود رامز إلى ايام الحداد؛ لم أعرف أن الحساب مغلق؛ لم أعرف انها يمكن ان تكون أسوأ وردة قطفتها او كان يمكن ان اقطفها في حياتي؛ نعم تخيلت ذلك دون ان اتخيل غير ذلك؛ انا ضحية ذلك الخيال؛ كل الذين تخيلوا ما يمكن ان يتخيلوا فشلوا؛ تجربة الخروج من الواقع الى الخيال تجربة فاشلة؛ نعم فشلت في الحب؛ كل الذين تخيلوا ان القطار لا يمكن ان يتوقف الا في محطة واحدة؛ هم على وهم؛ القطار لا يعترف الا بتذاكر المسافرين؛ اما بقية العشاق من المسافرين دون تذاكر تثبت هويتهم؛ فقد تعاملت معهم الإدارة بحذر شديد؛ لقد استجابت الى مطالبهم المشروعة؛ وفرت لهم إدارة النقل البري قطارا سريعا أطلقت عليه اسم” قطار العرائس” نعم وافقت الادارة؛ بعد عدة احتجاجات واضرابات طالت حتى شركة السكك الحديدية؛ هذا القطار هو منتهى الاحلام؛ هو مشروع نموذجي؛ يستجيب الى تطلعاتي في المستقبل البعيد؛ فكرت في الزواج ولم افكر في الحب؛ فكرت ان من كانت تجلس في تلك الذكرى تتصفح مجلة مكتوبة بلغة اجنبية؛ هي مثقفة جاءت من بلاد بعيدة؛ قالت بعد ان تجاهلت نظراتي اليها عدة مرات؛ نعم تجاهلت اسئلتي عدة مرات: انا معلمة جديدة منتدبة من طرف وزارة التربية للعمل بالجنوب؛ في إحدى مناطق الظل البعيدة؛ جئت مرغمة؛ يجب ان اسجل الاعلام بالمباشرة والا سيقع فسخ عقد العمل خلال أيام او ربما ساعات…حاصرتها بعدة اسئلة… قالت: انا محرومة من الحنان…
انا كنت بحاجة الى اشد الحنان؛ لم اتناقش معها طويلا عن حرمانها من الحنان الابوي…أشارت الى ذلك دون ان تتوسع في ذلك… المهم وعدتني بالاستقرار؛ المهم وعدتني بالحب لأنها لم تعرف الحب مع والدها الذي انفصل مبكرا عن امها؛ لم اسال كثيرا عن التفاصيل؛ فهمت ان خلافات كبيرة بين امها وابيها ادت الى الطلاق؛ لم تقل لي انها لا تعرف والدها الا من بعيد؛ لم تقل لي ان والدها حاول وهو يضرب امها ان يخرج الجنين من بطنها؛ حاول ان يتخلص من كل ارتباط وهمي بأمها؛ المهم انها نجت من حقها في الحياة بأعجوبة؛ لم تقل لي انها تكره والدها؛ لم تقل لي انها كانت تراه من بعيد دون ان تقترب منه؛ هو رجل يمر امامها كأي الرجال؛ لم تشعر يوما بانها تحبه؛ بعد انتظار طويل التقت النظرات بالنظرات صدفة؛ تشبثت بنظراتها نحوي؛ اوهمتني انها تبحث عن شخص مثلي؛ نعم اوهمتني انها تريدني ؛ لم افكر انها كانت تريد الانتقام مني؛ الان بعد ان ضاعت الامنيات احمّل والدك المسؤولية؛ هو من جعلك تكرهين رائحة الرجال؛ هو من جعلك تكرهين رائحة الازهار؛ هو رجل يملك افكارا يسارية؛ تخلص منك بصعوبة بعد صراع مع المرض؛ انا ضحية تلك العواطف اليسارية؛ لم يكن تقدميا؛ هو لا يؤمن بحرية المرأة؛ هو لا يقول بمبدأ المساواة بين الطرفين؛ هو مجرم حرب؛ أراد أن يتخلص منك باي طريقة؛ هو يعرف ان نهاية زواجك هو الفشل؛ هو من حرضني ضدك؛ كم مرة عزمني على قهوة؟؛ كم مرة لم أفهم ماذا يريد بالضبط؟ كم مرة اخفى عني تلك الحقيقة؟ هو لا يعرف وجهك الا من بعيد؛ باع كل يملك من ارث حتى يحرمك من الارث؛ انا كنت ضحية تلك العلاقة الفاشلة بينكما؛ انا الان احصد نتائج ذلك الفشل المخلد بذمتك؛ كنت ضحية تلك النظرة صدفة؛ بدأت المؤامرة؛ اخفت عني كل الاسرار؛ لم افهم كيف تنزعج عندما انصحها بالرجوع الى والدها؛ ترفض كل اتصال هاتفي به؛ ترفض الاعتراف بصورته؛ لم افهم لماذا كانت تكره والدها؟ لماذا كانت تكرهني؟؛ لماذا حاولت ان تنتقم من والدها بالثأر مني؟؛ لم افهم عدة اسرار الا بعد ان وقعت في المرض. الا بعد ان تخلت عني الى الابد؛ تنمرت؛ هجرت البيت دون سبب؛ تركتني؛ لم اعد اصلح؛ توقفت عقارب الساعة؛ توقف القطار؛ تركتني في الوقت بدل الوقت الضائع؛ انتهت السفرة؛ انتهت المقابلة؛ اخيرا جمعت اغراضها ورحلت الى دار لا اعرفها؛ تركت المرض يفترس جسدي؛ لم تودعني؛ قالت: ارفع قضية في الضرر اذا شئت؛ انا المتضررة من مرضك؛ انا لن اتحمل مصاريف علاجك وحدي؛ لن اتحمل فاتورة مرض لا دخل لي فيه؛ لماذا جلست معك في القطار؛ هي حققت بامتياز بأخف الاضرار الأهداف التي رسمتها من تلك السفرة الى الجنوب الشرقي؛ سالت كل الأطباء عن نسبة الأمل في الحياة من عدمها؛ بعد ان اطمأنت اني سأسافر في قطار اخر؛ قالت بكل وقاحة: انت مصاب بمرض خطير؛ يجب ان تلازم فراشك؛ يجب ان تدفع ديونك؛ يجب ان تكتب الارض والشجر والحجر باسمي؛ يجب ان تضمن حقوقي معك؛ انت لم تعد تصلح الى الحياة؛ تخلت عني رغم اني كنت في اشد الحاجة اليها؛ احيانا يحتاج الانسان في آخر ايام الحرب؛ بعد ان تسقط دولته؛ بعد ان ينهار نظام الحكم فيها؛ الى عواطف معادية لعواطفه؛ قد تأتي العواطف النبيلة من عدو لا تعرفه الا في الميدان؛ هو يتعاطف معك؛ هو يقدر مجهوداتك في الحرب ضد الارهاب؛ نعم قد يتعاطف معك العدو قبل الصديق؛ تلك الحقيقة عشتها بعد ان هيار نظام الخلافة؛ صدمتني تصرفاتها؛ لم تعترف اني أسير ومن حق الأسير بعد انتهاء الخرب ان يفرج عنه فورا دون قيد او شرط؛ تجاهلت كل الاعراف الدولية؛ انتهكت في تلك الحرب طويلة الامد كل الحقوق والحريات؛ هي لا تعرف الا بنهب الثروات؛ ظهر الاطماع التوسعية في سياستها؛ ظهرت النزعة الاستعمارية في خطابها الناري؛ ظهرت النزعة العدوانية في سياستها الخارجية؛ انتزعت مني مواليد الحكم؛ قالت اخرج من مملكتي؛ تشفت؛ زرعت على حدود دولتي عدة الغام؛ فكرت اني يمكن أعود كي احاربها؛ فكرت بمنطق اذا عدتم عدنا؛ لم تقل حتى من باب المجاملة: اللهم لا شماتة؛ لم تتعاطف معي رغم ان ايام الحياة اصبحت معدودة؛ قدمت استقالتها من العمل؛ من الزواج؛ اغلقت الخط؛ استعارت رقما اخر؛ غيرت هويتها؛ استغنت عن البيانات التي تضمنها البطاقة الاولى؛ ادعت بانها ضاعت او سقطت منها وهي تنزل من القطار؛ او ربما مر عليها القطار فوق تلك السكة الحديدية؛ هربت في إحدى العطل بدعوى الترفيه عن النفس؛ وافقت الإدارة على استقالتها؛ لم تكن الموافقة بإذن مني؛ اعطتني ورقة الاستقالة او نقلة العمل احساسا بأن الوقت انتهى؛ انتهى موعد الحب من الحياة نفسها؛ تأثرت لذلك؛ ربما كان ذلك اهم سبب جعل المرض الخبيث يتسلل الى جسدي؛ نجحت خطة العدو في استدراجي الى الشعور باني لم اعد اصلح لها ملكا؛ فقدت سيادتي على الارض؛ ذهبت مسرعة الى الطبيب حتى تتخلص ممن منع الحب؛ حقا حالفها الحظ؛ اقنعتني باني لم اعد اصلح الى الحياة معها؛ اخذت ادباشها واطفالها ورحلت الى الابد؛ ساعدها الحظ كثيرا في الانتقام مني؛ بعد سنوات من الجفاف؛ لم أعرف خلالها الحب؛ لم احقق فيها ما رسمته من الزواج؛ او ما كنت انتظره من الحنان؛ عدت الى الله؛ عدت الى الاعتراف باني اتحمل كل الاخطاء؛ نعم اتحمل كل المسؤولية عن ذلك الزواج؛ وقعت في الفخ؛ نجح عدوي؛ جعلني اسقط في المؤامرة؛ لم اعرف ان عدوي يملك عدة أسلحة فتاكة؛ لم اعرف اني دخلت في حرب خاسرة؛ لم أعرف انها ارادت ان تنتقم من ماض اليم عاشته مع نفسها؛ انا وحدي سأتحمل تكاليف تلك الحرب.
هو لم يعد يتحمل عدة خلافات زوجية متكررة؛ بعد ايام جاءني هاتف بخبر نزل نزول البرد في الصحراء؛ اخوك مصاب بمرض خبيث؛ لم اصدق الامر؛ فجعت كثيرا؛ اصابني ذعر شديد؛ ارجعت الامر الى خطا في التقرير الطبي؛ كل المرضى يتذمرون من نتائج السكنار؛ بعض النتائج لا تعكس النتائج؛ بعض الاسباب لا تدل على النتائج؛ كثيرا ما يعطي تقرير السكنار ارقاما غير صحيحة؛ معلومات غير دقيقة عن صحة المريض؛ الا يمكن ان تكون نتيجة الفحوصات بالأشعة خاطئة؟؛ كم من مريض مات بسبب أخطاء طبية؟ اخي مازال صغيرا عن المرض؛ نعم لا يمكن ان يداهمه المرض دون سبب؛ صحيح هو دائما يشكو من آلام في معدته؛ كان يشكو دائما من عدم تحقيق السعادة في بيته؛ كان يهرب من البيت؛ كان يهرب من مشاكل تافهة؛ بعض البشر من طينة اخرى؛ لا يحبون الا رجلا ثريا صاحب عمارات وعقارات؛ لا يعرفون ان السعادة تكون في القلوب وليست في النقود؛ نعم كان يشكي من خلافات لا معنى لها؛ كان يهرب من البيت حتى لا يقع في مشكلة مع شريكة حياته؛ كم مرة اعترف لي بأنه كره البيت؛ كره الفراش؛ نعم كره رائحة المرأة؟؛هي لا هم لها الا ان تسترجع حقوق امها المسلوبة بالقوة من رجل كان يمكن ان يكون والدها؛ هي لا تعرف اسم والدها الا في دفتر الحالة المدنية؛ اما على صعيد الحالة النفسية فهي اسم علم لا يدل على علم مرفوع بنزاهة فوق الارض تعترف به سائر الدول العظمى؛ هي لا تعترف به؛ فكيف تعترف به بقية الدول؟؛ علمتها امها فنون الحرب؛ فنون القتال؛ كانت الاتصالات لا تنقطع بينهما؛ كانت الخسائر والمؤتمرات على خلافة الحكم لا تنتهي؛ نعم نسيت اننا اختلفنا حتى على اسماء الأطفال الذين سيرثون الحكم بعدي؛ دربتها امها بعد معركتها الخاسرة في الاستيلاء على الحكم او الانقلاب عليه على كل اشكال الحكم الاستبدادي؛ هي لا تحترمك؛ هي لا تفكر الا ماذا تملك في جيبك؛؟ لم تسأله ذات مرة ماذا تملك في قلبك؟؛ كان القلب اخر اهتمامات تلك التي اطلق عليها القانون اسم زوجة المستقبل؛ اي مستقبل ينتظرني؟؛ تعددت اسباب الخلاف وظلت الازمة واحدة؛ ظل الحكم دكتاتوريا؛ هي لا تؤمن بالديمقراطية؛ هي ضد التداول على الحكم وفق الدستور؛ حرفت الدستور؛ حذفت منه عدة فقرات يمكن ان تبينها ضد المحكمة الدستورية؛ كم اعترف امام الهيئة المستقلة للانتخابات بانه لم يمارس حقه الانتخابات بكل حرية؛ لقد وقع تحت ضغوطات من طرف بعض الاحزاب اجبرته على قبول نتائج التصويت؛ الم يكن الصندوق مغلقا؟؛ أليست تلك البصمة اكبر شاهد على اعترافك بنزاهة الانتخابات؛؟ لم يجبرك الا ضميرك على التصويت؛ هو بعد الفوز بالانتخابات لا يشعر بالسعادة؛ لم يحقق السعادة؛ كان الوقت الذي يقضيه خارج البيت أكثر من الوقت الذي يقضيه داخله؛ أعطته الزوجة وهي تراقب الانتخابات بنزاهة شعورا بالفشل؛ أعطته شعورا بأنه لا يستطيع اسعادها؛ كم استأجر لها من بيت؟ كم حاول ان يتغاضى عن عدة اهانات؟؛ حاول ان يتظاهر بأنه سعيد؛ لكن المحاولة فشلت؛ كم ادعت انه ضربها؟ كم ادعت انه أهملها؟ كم من قضية وراء قضية وهمية بالاعتداء بالعنف سجلتها ضده؟ كانت كل قضية ترفع ضد مجهول؛ لم تدخر وسعا في اهانتي ماديا ومعنويا؛ كم قدمت من شهادة مزورة تثبت الضرر؟ كم تجاهلت أنى بشر من حقه ان يتمتع بالهدوء؛ كم ربطت علاقتها ومصيرها بقضية استعجالية في النفقة؛ همها الوحيد ان تكسب ضدي القضية؛ كم أجبرتني على التفكير في قضية طلاق للضرر؟ هي تعرف انه لا يمكن ان اربح تلك القضية؛ كانت تعرف أنى أكره الفضائح؛ كانت على دراية كافية بأن القانون الوضعي يحميها؛ كم فكر في حل. كم تراجع عن حل…هو يعرف ان هدفها الوحيد ان تكسب قضيه فيها راتب محترم؛ فيها سكن لائق وغرامة كافية حتى تشتري بيتا اخر؛ حتى تعيش حياة اخرى؛ همها ان تهدم مفهوم السعادة؛ همها ان تجمع الادلة الكافية على ادانته؛ لم تفكر انه يبحث عن المودة والرحمة؛ هي تعرف ان القانون يحمي حقوق المرأة اكثر من حقوق الرجل عند الطلاق؛ ولذلك مارست عليه كل فنون التعذيب؛ حرمته من الفراش؛ شتمته؛ عذبته… هي على دراية كبيرة بأمور الطلاق؛ او بأمور الصفقات العاطفية الخاصة؛ كم مرة اعترف الى صديق له بأن تلك المرأة لا تفكر الا في تعذيبه؛ كأنها كانت تنتقم من شخص آخر؛ لا اعرف كيف تورطت معها في الزواج؟ ولماذا أنجبت منها أطفال؛ بل قل لماذا أنجبت منها عدة مشاكل؛ هي لا تحترمني؛ هي لا تعتني بنفسها؛ هي تتمادى في اذلالي؛ هي لا تخلق الا المشاكل؛ تعرف كل الاجراءات الخاصة بالطلاق، كم هددتني بأني سأخسر القضية؛ كم جعلته يفكر ولا يفكر؛ كم حاول ان يصلح ما يمكن اصلاحه؛ فكر ان القضية ترتبط بالبيت؛ سعى بعد جهد جهيد الى بناء بيت؛ ظلت القضية عويصة؛ اكلته الديون وهو يرمم ذلك البيت الفارغ من الطمأنينة؛ لم يحقق السعادة؛ فكر انه يمكن ان يسيطر عليها في بيته؛ لكنها لم تحترم كل مجهوداته؛ دخل في ارتباطات طويلة مع احد المصارف حتى يسدد فاتورة البناء؛ عفوا فاتورة السعادة؛ قدم له المصرف تسهيلات في الدفع حتى يحقق السعادة ؛ لكنه وجد نفسه يغرق من حيث لا يدري؛ كم مرة رايته يهجر البيت حانقا غاضبا رافعا يديه الى السماء يا الله خلصني؛ يا الله خلصني؛ اخر مرة بعد انتهاء امتحانات ختم التعليم الأساسي رايته يحمل معه حقيبة ادبشه؛ طلب مني ان اشيعه الى المحطة؛ لم اسأله الى أين تذهب؟ كنت أشاهد الإجابة في عينيه؛ لم يكن راضيا على شيء؛ في تلك الأيام الاخيرة هجرته زوجته؛ غادرت محل الزوجية الى محل مجهول؛ نعم تركته وانصرفت دون علم له بذلك؛ اعرف ان الامر حز في نفسه كثيرا؛ اعرف انه كان يعتصر ألما لأنه أنجب منها اطفالا؛ كم مرة رفض ذلك؟ كم مرة أراد إسقاط الجنين؟ كم مرة خدعته على الفراش حتى تضمن حقها في النفقة؟ المهم انه تورط مع الحياة نفسها؛ المهم الآن ان التقرير الطبي يقول: اخي مصاب بمرض خبيث؛ يجب ان ينقل حالا الى مشفى الأورام الخبيثة لإجراء عملية استعجالية؛ حاولنا ان نخفي عليه الخبر؛ اوهمناه بأنه يعاني من مرض بسيط يستوجب نقله الى تونس؛ لم يقتنع بذلك؛ عرف ان ايام الحياة اصبحت معدودة؛ شاهدت على عينيه براءة مظلومة؛ شاهدت على تفاصيل وجهه اكثر من شعور بالهزيمة؛ لم يتفاجأ بالمرض لكنه تفاجأ بأن الله استجاب سريعا الى دعائه بأن يرحل من الحياة؛ أخذته سيارة الإسعاف شقت به ظلام الطريق؛ او ظلام الحصان الخشبي يعدو في الصحراء؛ لم استطع ان ارافقه؛ فقط شاهدته يفحصني بنظرات فهمت منها وداعا يا حياتي… نورالدين بن بلقاسم ناجي
تونس – بنقردان جنوب تونس