المقالة

حوار تشكيلي

الكاتب يونس الفنادي في حوار تشكيلي
الكاتب يونس الفنادي في حوار تشكيلي

في زيارة سريعة مساء اليوم الخميس الموافق 4 نوفمبر 2021م لمعرض (دواية) السادس الذي تقيمه مجموعة من الفنانين التشكيليين الليبيين والعرب بقاعة دار الفنون بمدينتي طرابلس، لاحظتُ أفقاً متسعاً للحرف المشكل بخطوط وألوان تمنحه عمقاً وبعداً بصرياً آسراً يفتح مدايات بعيدة للتأمل والتفكر في فكرة الرسام وغايته من هذا التشكيل اللوني الجميل، وفحوى الرسالة التي يبعثها من خلاله.

لا أدعي معرفة علمية دقيقة بمدارس الفن التشكيلي المتعددة ولا مذاهبه النظرية وأدواته الفنية العملية، لأن كل ما يهمني أثناء وقوفي متأملاً اللوحة التشكيلية هو مدى قدرتها على تحريك مشاعري، وتوطين نوع من البهجة في كياني الوجداني، إضافة إلى ما تحركه في عقلي من أسئلة وتأملات قد تتوافق مع فكرة الفنان الرسام مبدع اللوحة أو تتقاطع معها في بعض الجوانب أو ربما تكون مثل الخطين المتوازيين اللذين لا يلتقيان فلا يتفقان أبداً.

أعترفُ بأن بعض اللوحات الجميلة أضاءت الكثير من الضوء في عتمة المساء واستطاعت أن تلامس أحاسيسي وتفتح حواراتٍ طويلة مع فكري من بينها لوحتي (تلوين) للفنان محمد الخروبي الذي نثر حروفاً وألواناً متناسقة استخدم في إحداها تقنية الكولاج التي تعتمد على القطع واللصق لتكون بؤرة للمشاهد المتأمل، واعتمادها معيار توازن الكتلة اللونية والفنية للوحة. الفنان الخروبي جعل أرضية لوحتيه بساطاً جميلاً من الألوان انزرعت فيه حروفٌ قاتمة وخفيفة بشكل مبعثر لا تكوّن جملة معينة، وقد لا تنتمي إلى لغة محددة، لأنه كما ترأى لي، تبدو غاية رسالتها الأساسية هو توطين البهجة البصرية واللونية في المتلقي دون أية اعتبارات أخرى.

أما لوحتي الفنان سالم التميمي (حوائط البهجة) التي سجلت ما يكتب على حوائط الشوارع فقد ولّدت في فكري مقارنة موضوعية وفنية بينهما وبين لوحتي الفنان عمر بركة (جدار). فحوائط البهجة بدت ناقلة لما يكتب على سطحها دون اهتمام بنوعية الخطوط أو اكتمال العبارات المخطوطة أو دلالات الكتابة أو غاياتها، بينما لوحتي (الجدار) فقد أحسستُ معها أنها تتعاطى مع مكونات الجدار الإنشائية ومستوى الخشونة والنعومة لملمس الجدران ولونها الترابي أو الجيري الأبيض. ولاشك بأن هذا التباين الموضوعي بين الحائط الحاضن للنص المكتوب والجدار الصلد يمنح بعداً جمالياً عميقاً لهذا المكون الإنشائي ويجعله عنصراً جديراً بالتدبر، وفي كل الأحوال جسده التشكيل كلوحة بصرية ذات معاني حسية بحتة.

أما في لوحتي الفنان السوري عقيل أحمد (رقص) فقد تراقص الحرف على يديه مقتصراً في خطوطه الرقيقة على منهج التظليل اللوني باستخدام قلم الرصاص دون غيره من الأدوات أو الألوان، وقد ظهر اللون الرمادي متدرجاً بين الأسود الداكن والرمادي الخفيف الذي يقترب إلى البياض، ولكنه في جميع التشكيلات الخطية واللونية ظل لا يفصح عن شيء سوى بعث فسحة جمالية لتأمل مسارات الخطوط المعلقة على هيئة حروف كما تجسدها عين الرأي.

ظلت (عطر) للفنان التونسي عبدالله عكار اللوحة الأبرز التي جمعت اللون مع الحرف العربي واللاتيني بتداخل وتشابك خطوطي جميل، مع بؤرة ضوء بيضاء برقت بقلب سواد اللوحة خلف كلمة “عطر” التي برزت متأنقة صريحة بشكل واضح لتنطق بعنوان اللوحة التشكيلية، وتنثر شذاها بكل أريحية وعفوية، وهو ما يمنحها جاذبية لا تقاوم.

سنظل بحاجة إلى قراءات نقدية عميقة للوحة التشكيلية الفنية من جميع جوانبها الإيحائية والتكوينية حتى نزداد قرباً من هذا الفن الذي يبرهن على الموهبة الكبيرة وقدرة الإنسان الفنان على تسخير أدواته في محاولات التدبر والتأمل الفكري بحثاً عن قيم الجمال التي تسهم في سعادته وبهجته.

مقالات ذات علاقة

الفرصة الضائعة لتحويل ليبيا لمدينة سينمائية

المشرف العام

دعوهم يحتفلون.. فاحتفالهم لن يعيد “جماهيرتهم”!!

خالد الجربوعي

أمـام البحـر لا يمكـنني الكـتابة.. ثـرثـرة حـول المـعانـاة

محمد الأصفر

اترك تعليق