حاوره: سالم الحريك
ثمة كثيرا من الخجل وهو يطرق باب الحنين للماضي، حينما كان صبيا شقيا في تلك القرية المنسية البعيدة البائسة، صبيا لايعرف للأشياء حدود، ويرفض التعامل مع المستقرات، فتجده ينبش حطامات الأزمنة والتاريخ وينقب باحثا في كل مكان عن معنى جديد للأشياء.
تحصل على العديد من الجوائز من بينها كاتب الشهر من دار ببلومونيا والتي استحق من خلالها نشر مجموعته القصصية (أذكى رجل في العالم).
نجري هذا الحوار مع الكاتب السوري أسامة محمود اليوسف.
بداية؛ من هو أسامة محمود اليوسف وكيف تقدم نفسك للقراء الكرام؟
قد تكون من أصعب الأمور على الكاتب هي أن يكتب أو يقدم نفسه، وهنا لابد من أن تكتب موضوعا وليست سيرة ذاتية بعيدا عن صخب الأدب فلا يثير الدهشة ولا الاستغراب ولا حشوا إلى حد التخمة إنما تفاصيل وحرفيات جمالية تحركها شغف الكتابة وعوالمها.
ثمة كثيرا من الخجل وأنا أطرق باب الحنين للماضي، حينما كنت صبيا شقيا في تلك القرية المنسية البعيدة البائسة، صبيا لا يعرف للأشياء حدود، ويرفض التعامل مع المستقرات، فتجده ينبش حطامات الأزمنة والتاريخ وينقب باحثا في كل مكان عن معنى جديد للأشياء، فأصحو على نداءات جوانية خفيفة مبهمة تنقب في كل التفاصيل، لذلك كانت الحكايا وسردياتها وحركات الشخوص ورغباتهم بالانفلات والتحرر، حيث لصخب المدن فعلا دراميا و معنى وأثرا، ولبساطة الريف فيضا شعريا كنهر ممتد لا حدود له.
أم كنبذة شخصية عني.
انا أسامة محمود اليوسف كاتب سوري من مواليد 1980 متزوج ولدي بنتين، احمل إجازة جامعية في علوم التمريض ودبلوم عالي في صحة المجتمع، عملت مدرسا ومحاضرا في جامعات سوريا والعراق، أكتب القصة القصيرة منذ عام 1996 ولي نشاطات في مجال القصة القصيرة ونقدها ومشاركات شعرية وقصصية عدة آخرها ما تنشره مدونة شكندرة الأدبية بالإضافة إلى المقالات العديدة عن التمريض والصحة والمجتمع.
نلت العديد من الأوسمة والدروع التكريمية في مجال عملي في تطوير بيئة العمل والمجتمع، وذلك رغبة مني في رد الجميل لمن حولي فكانت مساهمة تشبع رغبتي وتبعث في نفسي الرضا.
وقد فزت بالعديد من الجوائز كان آخرها فوزي بالمرتبة الخامسة بمسابقة مجلة شؤون عربية للقصة القصيرة من بين أكثر من اربعة ألاف مشاركة مقدمة خلال شهر.
وأيضا كان لي نصيب الفوز بمسابقة كاتب الشهر من دار ببلومونيا والتي استحقيت من خلالها نشر مجموعتي القصصية آذكى رجل في العالم.
من خلال النبذة التعريفية انت غير متخصص في الجوانب الأدبية كمجال دراسي، كيف استطعت التوفيق في ذلك وصقل شخصية أسامة الأديب والكاتب؟
الكتابة مرآة الحضارة ولسان حال الناس وهي مهنة راقية لكنها لا تطعم خبزا في عالمنا العربي، فقد نشرت قصتي الأولى بعنوان البندقية عام 1996 في جريدة العروبة الحمصية وكنت طالبا في المرحلة الثانوية وحالما نلت شهادة الثانوية العامة، سجلت في كلية الآداب وقد كان لي أخا قد سبقني إليها، لكن ظروف المعيشة ومرض والدي وعدم قدرته على دفع مصاريف الدراسية كان لابد من التفكير بفرع ملتزم ويتقاضى الطالب منه راتبا فاخترت فرع التمريض حتى إنني اذكر انني كنت انتظر عودة أخي لأرتدي حذاءه والذهاب إلى الجامعة، فقد كنا عائلة كبير وصار لزاما على كل منا العمل والدراسة.
وقد كنت مولعا بالقراءة والكتابة فكثيرا ماكنت أشارك أخي تحضير حلقات البحث في المركز الثقافي وحضور مناقشتها في الجامعة وكنت أقضي ساعات طويلة في مكتبة المطالعة حتى ساعة أغلاقها.
فالكتابة موهبة هي التي تختارك فكثيرا ماكنت أجد نفسي أكتب مسترسلا في عالم الخيال والأدب وكلما ابتعدت عن الكتابة أجد نفسي عدت وبشكل لاشعوري أقوى وكلما انتهي أتساءل عن فحوى الكتابة فأعود وأكتب مثيرا تارة أسئلة الوجود وتارة أخرى اندهاشات طالعة من بين طواحين الهواء ودروب الحياة القلقة، فروح الكتابة لا تترك الكاتب النباش الدقيق التفحص والملاحظة الراغب بتدوين حكايات السرد والشعر دائما.
لو عاد بك الوقت إلى الوراء وكانت ظروفك مستقرة؛ هل كنت ستتخصص في مجال الأدب أو الفلسفة ربما لمزيد من التعمق خصوصا وأنك ذكرت أنك تثير أسئلة متعلقة بالوجود وغيرها؟
الجواب لسؤالك سوف أحاول الاختصار قدر الإمكان فأسئلة الوجود ،تمت الإجابة عليها من الصغر كوني ولدت من أسرة عربية مسلمة ، لكن لابد للكاتب من التغول في الاختلافات والثقافات الأخرى و التي تتوفر فيها خصائص ومميزات تجعلنا نجزم بأنها رسالة من الخالق إلينا.
فنخلص إلى أن الأسئلة الوجودية التي تعتمل في داخلنا من قبيل معنى الوجود والمكان الذي جئنا منه ونعود إليه، وهو دليل على وجود عالم أعمق وأكبر من هذا المحيط المادي الذي نتحرك فيه وهنا نجد أن الفلسفة تزدهر حين لا يستطيع العلم تقديم الإجابة الصارمة.
وقد تكون الفلسفة قريبة من عمل الناقد الأدبي في تمحيص النصوص الإبداعية فأنني كنت أجد نفسي دائما أميل إلى النقد الأدبي ولعلني لو عاد بي الزمن إلى الوراء لدرست النقد باختلاف تنوعاته.
ندخل الآن إلى كتابك (أذكى رجل في العالم) وهو عبارة عن مجموعة قصصية. هل تعطنا نبذة عن هذه المجموعة وظروف كتابتها؟
يمكنني القول إن قصص المجموعة، تتمحور جميعها حول الذات الإنسانية المكافحة، أنها رصد يومي ومعايشة للإنسان الكادح البسيط.
حيث تظهر تلك الرسالة الإنسانية بأسلوب ممتع ينشد قيم التضحية والمحبة والتسامح والعطاء والابتكار وعدم اليأس والاستسلام وحب الخير للجميع وترفض كل ما هو زائف، من خلال رصد زوايا واقعية حالمة بالغد الأفضل والتمسك بنضال مشروع ضد قيم التزييف والكذب حيث الشخوص يتحركون بصلابة ضمن صيرورة اجتماعية وأرضية رخوة.
أما مكان القصص فقد نجده في أي مكان على بقعة جغرافية الشرق لأن المعاناة واحدة، وزمانها يمتد خلال العشر سنوات الماضية الحافلة بالكثير من المتغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المختلفة.
إذن هي وقائع وأحداث ارتبطت بتلك الشخصيات التي قد تكون من أرض الواقع أو من الخيال حيث تكون مهمة اقتناص اللحظات العابرة قبل انزلاقها من أسطح الذاكرة، وتثبيتها للتأمل الذي يكشف عن كثافتها ودلالاتها المشعة في أكثر من اتجاه
فيتم السرد بأسلوب منطقي والولوج للأحداث ببراعة التي تؤدي إلى مفارقات ونهايات مدهشة، وقد تكون مفتوحة ومتروكة لحكم القارئ فهو الآخر المعني بالنص أولا وأخيرا.
(أذكى رجل في العالم) هذا العنوان الذي اخترته لمجموعتك القصصية و أثناء قراءتي لقصص المجموعة ربما هذه القصة من الأطول هل اخترتها لهذا السبب أم اخترت العنوان كونه أكثر جاذبية وإثارة لفضول القارئ؟
العنوان روح النص وهو مفتاح ومرشد للعمل الإبداعي، كما أنه المعبر عن المحور الرئيسي الذي تدور حوله المجموعة القصصية وهو الذي يربط خيوط القصص ببعضها، حيث أن للعنوان جوانب إبداعية تكشف دلالات النص.
واختياري لعنوان (أذكى رجل في العالم)، لأن هذه القصة هي التي تربط القصص ببعضها وهي تجيب عن تساؤلات الأبطال بشكل غير مباشر وتضع حلا لها.
وعموما المعادلة الأكثر أمانا في اختيار العنوان تكمن في أن تضع نفسك مكان القارئ تخيل أنك تقرأ هذا العنوان بنفسك فهل تجده جذابا، أم تقليديا صادقا أم مخادعا.
فالعنوان هو دعاية وإعلان عن العمل كما أنني ابتعد عن الموضات في التسميات الأدبية، لكن أحبذ العناوين التي تطرح تساؤلات عدة وتشارك في صناعة القصة.
فايروس كورونا الشغل الشاغل للعالم اليوم وتظهر من خلال بعض القصص إشارة بشكل أو بآخر للظروف الحالية التي يمر بها الإنسان في مختلف البلدان من الحظر والحجر المنزلي والتباعد الاجتماعي وغيرها.
هل كانت كورونا وازدياد وقت الفراغ والبقاء في المنزل فرصة جيدة لإنهاء هذه المجموعة القصصية؟
أن فيروس كورونا حقق العولمة بشكل جذري، حيث مظاهر الكمامة والتباعد الاجتماعي في كل دول العالم.
ولذلك تم تحويل هذه العطلة والمحنة إلى منحة لذواتنا، و فرصة لاستغلال هذا الحجر الإجباري و تحويله إلى عزل إيجابي ومثمر، إن هذه التجربة، ستترك آثارا كبيرة على النتاج الأدبي لاحقا، فالأوبئة حضرت في كثيرا من الأعمال الأدبية، كالطاعون والكوليرا …الخ
ففي إحدى قصصي يشكر البطل وباء الكورونا، حيث لا دوام ولا نفاق ولا غش. أنه وقت لنعيد للإنسانية وجهها الحقيقي ودعوة للإنسان في التفكير في نفسه وما يجري حوله.
أما بخصوص وقت الفراغ والحجر، فإن مهنتي لم تمنحني الراحة والمكوث في المنزل، بل على العكس كنت جنبا إلى جنب مع زملاء الجيش الأبيض.
والقصص كما ذكرت سابقا، كتبت بتواريخ مختلفة عدا بعض القصص كان لوباء كورونا أثرا في سير مناخات الأحداث وتطورها.
هل تجد القصة القصيرة هي المتنفس الأدبي الوحيد لك أم قد نرى أسامة الشاعر أو الروائي أو في غيرها من المجالات؟
هنالك فرق بين الفنون الأدبية، وكان لي تجارب قصيرة في كتابة الشعر وبعض المسرحيات القصيرة بعضها لايزال منشورا في المواقع الالكترونية، لكن لم أقم بتجميعه ونشره في كتاب، فلقد كانت الحكاية هي الهاجس الأول.
وما كتابة الشعر أو المسرحيات لدي سوى تدريبات تساهم في ثقل واغناء القص والبناء الحكائي للقصة القصيرة وبعد التمكن أيضا من القصة تستطيع بسهولة البدء بكتابة الرواية و هنا لابد من الإشارة إلى أنني تريثت كثيرا في الخوض بكتابة الرواية، فالرواية أمر مختلف تحتاج إلى مخزون وثراء لغوي وألمام وكم كبير بالفنون الأدبية كافة لتقدر وتتمكن من صنع رواية تعطيك الشهرة، وهنا أحبذ القول أن عمل روائي واحد قوي ومتكامل قادر على أن يسطع اسمك في كل أنحاء العالم.
أفهم من هذا أنك ستسعى إلى تقديم عمل روائي متكامل في حال توافرت الظروف الملائمة والمخزون الكافي لذلك وتسعى أن يكون هذا العمل قوي كبداية؟
حاليا لدى الفكرة والحكاية والمخطط الروائي لكن لم أبدأ بعد بسبب انشغالي بوضع اللمسات الأخيرة على مجموعة قصصية ثانية ستصدر قريبا.
هل بالإمكان أخذ ولو ملامح موجزة عن كلا من الرواية التي لم تبدأ بها بعد أو المجموعة القصصية التي شارفت على الانتهاء؟
الرواية كفكرة هي عبارة عن ملحمة تاريخية متخيلة فيها اسقاطات رمزية وهي رواية خماسية.
أما المجموعة القصصية فهي مختلفة قليلا عن المجموعة الأولى بأنها جانبت شكلا جديدا من كتابة القصة الرمزية والتي تحاكي الأشياء والطبيعة.
عادة يملك الكاتب قضيةً محورية تشغل وقتا كبيرا لديه ماهي القضية الرئيسية التي يحاول أسامة أن يسلط عليها الضوء في كتاباته المختلفة؟
تسحرني تحتانيات المدن لهذا أكتب أسرارها ومواجعها وما ورائيات المعلن وخفاياه، وهذه الاشتغالية جعلتني من المهتمين في عالم المهمشين والبسطاء وأسرار الأمكنة، فأنتقي مايدهش دائما.
فثمة واقع يتوجب تفحصه وتدوينه، والكثير من الأزمنة والتواريخ التي تحتاج الى مهارة واتقان، البصري، المتأمل الكشف، ليقرأ تلك الحيثيات بدقة.
ما هو تقييمك للواقع الأدبي الحالي في الوطن العربي بشكل عام حسب اطلاعك وما هي أبرز التحديات؟
لم يحصل الأدباء والكتاب العرب على جوائز عالمية كثيرة فبينما فاز 29 أديبا يكتب بالإنجليزية بنوبل، و15 أديبا بالفرنسية، و11 بالإسبانية، جاء نصيب كتاب لغة الضاد مرة وحيدة فقط، وكذلك جائزة وحيدة لكل من جائزة بوليتزر والبوكر مان البريطانية.
لدينا كم كبير من الأسماء، لكن قليلة هي الأسماء التي شكلت بصمة في الحياة الثقافية العربية، وهنا تأتي تحديات مهمة الاشتغال النقدي لتفكيك كيفيات الفنون الأدبية وقيعانها، أملا في تجسيد حرفيات هذه المهن والإضاءة على أدباء لايزالون في الظل.
هل استفدت من مواقع التواصل الاجتماعي اليوم في تشكيل قاعدة قراء جيدة أو تمهيد لخلق حلقة وصل دائمة مع جمهور القراء؟
استفدت من وسائل التواصل الاجتماعي في إيصال كتاباتي إلى جمهور أوسع، فالنشر الورقي سيأتي يوم ويتوقف.
ما هو الكاتب أو الأديب الذي ترك بصمة في حياة أسامة اليوسف كإنسان وككاتب ولماذا؟
الكاتب الذي ترك بصمة في حياتي هو الأديب الروسي انطوان تشيخوف لأنني كنت أجد متعة وشغف كبير في كتاباته.
كلمة أخيرة في نهاية الحوار.
سررت بحوارك الجميل وأشكرك وأشكر دار ببلومونيا في مصر التي أفردت مساحات مضيئة لكتاب من كل أرجاء العالم.
6 تعليقات
حوار جميل لأبن بلدي العزيز المذهل دائما أسامة اليوسف منذ زمن لم نلتقي لعلها من القادمات من الأيام
صديقك القاص نور الدين هاشم
نشكر مرورك الكريم.
وكم أسعدنا أن بلد الطيوب جمعكما
أبدعت صديقي أسامة في مجموعتك
جمال السرد وسحر العبارة ودهشة الكلمات .
سلمت أناملك و رقي قلمك
نشكر مرورك الوارف…
صديق الطفولة المبدع والمتميز .. والأخ الغالي أسامة.. دمت مبدعا متألقا.. دائما كنت مختلفا وباحثا عما هو جديد وجدير بالبحث والاكتشاف.. تفاصيل عدة وأنا أقرأ الحوار معك هزت كياني وملأتني حنينا إلى تلك الأيام الجميلة البسيطة..إلى حارتنا.. إلى الأهل والجيران.. إلى مسقط الرأس .. إلى دالية العنب وحديقة البيت وجلسات الأسرة الطيبة.. هناك من رحم البساطة والمعاناة نشأت الكلمة وتبلورت الحكاية وبقيت الذكرى..
دام قلمك مبدعا
نشكر مرورك الكريم…