طيوب البراح

أضغاثُ أحلامٍ

منتصر على محمد الرملي

الزورق المدفون.. من أعمال التشكيلي رضوان أبوشويشة

عَادةً عندمَا يشتدُّ بيَّ الحزنُ وترتفعُ ذروةُ غضبِي، تُصيبنِي مُتلازمَة أُسميهَا مُتلازمة السَّوادِ، تَدْفَعُنِي للنَّوم لسَاعاتٍ طويلةٍ ومِن دونَ إِدراكٍ، وهذَا ما كانَ دائماً يُسَاعِدُنِي ويرفعُ عنْ جدارِ رُوحِي كَثرةَ الآلاَمِ، إلاَّ أنِّي فِي إحدَى اللَّيالِي السَّوداءِ التِّي اشْتدَ فيهاَ حُزْنِي، نمتُ على حينِ غفلةٍ وبعدَ فترةٍ من الضياعِ فيِ الأفُقِ البعيدِ، استيقظتُ على صوتِ ألحانٍ مضطربةٍ ممزوجةٍ بالْكثيرِ من اليأسِ، أَلهمَني ذلك الصوتُ حتَّي فاضتْ مشاعري، قُمتُ منْ مضْجِعِي مُتبعاً ذلكَ الصوتَ حتَّي أيقنتُ أنِّي في مكانٍ غريبٍ لا أنتمِي إليهِ ولاَ أَدْري كيفَ دخلتُ ومن أي مكانٍ أتيتُ؛ كلُّ ما في الأمرِ أن المكانَ كانَ يَسُودُه البُؤْسُ، خرجتُ من الغرفةِ مع اقترابِ ذلك الصوت حتَّي تجلتْ صورةُ طَيف إِنسي يعزفُ مَعزوفةً كانتْ تملؤهَا الكآبةُ، وقفتُ لوهلةٍ استمعُ إلي تلك السِّيمفُونيةِ التِّي أَحْدثتْ ضرراً بقَلبي المُثخنُ بالجراحِ، ترجلتُ منْ مَكاني مُغيِّراً اتَّجاهَ حَركتِي إلَى الغرفِ المُجَاوِرَة مُبْصِراً حَولِي العديدَ منَ اللّوحاتِ الغريبةِ، حتّي جاءتْ عيني علي لوحةٍ لسماءٍ مظلمةٍ تكسوها النُّجوم ويؤطِرُها النُّور في ليلةٍ هادئةٍ مفعمةٍ بالأحاسيسِ علي ما يبدُو، تأملتُ ألونها وخُطوطهَا ونجومَها التِّي لامستْ فؤادِي، اعْترتنِي الرِّيبةُ منْ هذا المكانِ الذي يعجُّ بالحزنِ المترفِ، استمريتُ في التجوُّل حتَّي توقفتُ عند تلكَ السيدةِ البيضاءِ، كانتْ سيدةً في غايةِ الجمالِ إلاَّ أنَّها كانتْ تكتبُ بعض الكلماتِ في ورقةٍ صفراءَ والدُّموعُ تنهمرُ منْ وجنَتيهَا ، تألمتُ لحالهَا فقد كانتْ ملامحُها توحِي بانكسارِ رُوحِها، أكملتُ سَيرِي حتَّي أقبلتُ على طفلٍ صغيرٍ ينامُ بينَ أرفُفِ الكتبِ، وشكلهُ يوحِي أنَّه كان يعانِي حتّي وصلَ به الحالُ إلا هُنا، راودَتنِي الكثيرُ من الأسئلةِ اتَّجاه هَذا المسكينِ إلا أنِّي غادرتُ المنزلَ بسرعةٍ لأنِّي لمْ أعدْ أتمالكُ نفسِي، رفعتُ رأسي إلى السَّماء التي كانتْ خالية منْ أي شيء، نعم هي كذلك؛ حياةٌ خاليةٌ، باردةٌ فارغةٌ، سوداءٌ قاتمةٌ، و وحدةٌ قاتلةٌ، الصمتُ يسودُ المكان، والحزنُ جاثمٌ على أنقاضِ الفؤادِ، شعرتُ بكلِّ شيء في هذا المكان؛ بالحزنِ والسعادةِ والكآبةِ والشوق والحنين والارتجاف والنزول والطيران، تمنيتُ البقاءَ لكن انتزعتْنِي اليَقظَةُ من ذلك الحلم لتعيدنِي إلى زمانٍ لطالما تمنيتُ الخروجَ منهُ.

مقالات ذات علاقة

الكرسي الحزين

المشرف العام

غصنٌ مثمر

المشرف العام

اللامبالاة في النفس

المشرف العام

اترك تعليق