الخميس, 13 مارس 2025
المقالة

لَيلةُ العِيدِ وَبَوحُ الأُمنيات!!!

أغنية الفنان أحمد سامي: معيدين وديما عيد.
أغنية الفنان أحمد سامي: معيدين وديما عيد. الصورة: عن منتدى سماعي للطرب الأصيل.

للأبوة والأمومة حياة لا يدركها إلا من حرمها، أسأل الله العظيم الودود أن يرحم والدينا، وسائر آباء وأمهات المسلمين، وأن يرزق كل من لم يتزوج زواجا طيبا صالحا، ويهب الذرية لكل من ينتظرها، فلكل عيد نشوته وفرحه، وعيد الوالدين هو فرح أولادهم بالتوسعة عليهم، بلا حدود.

فما إن يأذن شهر رمضان الكريم بالرحيل، ويقترب عيد الفطر المبارك أو ما كنا نسميه العيد الصغير، حتى تطول قائمة الطلبات على الأب، ويزداد حمله، وتشمر سواعد الجد وتشد المآزر، ولعل أجمل ما في تلك الليالي الخوالي من أعيادنا مع فارق الأذواق، هو توحدها، فلم تكن توجد شهوة هذه الأيام فيما يسوقه لنا تطرف التجار من ألبسة، بعضها قد لا يستر حتى عين الشاري، فالأسواق الشعبية التي كانت سائدة في كل حي، وعسر التجارة، وخشية الترف، جعل الحياة بسيطة موحدة في مأكلها وملبسها، فلا يجد الأب صعوبة في اختيار ما يدخل به البهجة على أبنائه، فما هي إلا صرة تلقى من عل بين قضبان السوق حتى تلتقطها يد الملهوف، فينظر حظه فيها فهي تحمل خليطا متنافرا من الحوائج، قد يصدف توافقها مع جاره فيحمد الله على توفيقه.

أما اللباس العربي فزيه قد توفر لكل مقاساتنا وأعمارنا، وسوق الترك يكفي مؤونة البحث، فما أن يلفظ والدي رحمه الله أنفاسه وقد وفر الملبس والمشرب، والمأكل، والألعاب، حتى تأتي ليلة العيد التي لا نكاد ننام فيها، إلا بسهو وتعب وقد احتضنا أحذيتنا، وملابسنا، وجدتي رحمها الله، وأمي قد أخذهما السهر والتعب، في إعداد عجينة الفطيرة، ويا لها من فطيرة!!!، لم أذق في حياتي أشهى منها طعما إلا في رحاب رباط الفتح بمغربنا الحبيب، من اللالة خديجة حفظها الله، والتي يطلق عليها المغاربة الرغايف، فلتلك الفطيرة مذاق عجيب، وخبرة جدتي رحمها الله بروحها الطيبة فيها تجعل كل من يقبل على فطيرتها لا يفتر حتى يكمل كل ما قدم إليه منها، بل ويتزود بشيء منها ومن الحلويات، وقد كنا نراقبها في ليلة العيد وهي تعجنها، وتخمرها، وأجمل صورة لها وهي تجعلها أقراصا، وتغمرها بالزيت، حتى يحين موعد صلاة الصبح، ونستيقظ على تكبيرات العيد بصوت شيخي حفظه عبد الخالق الرقيعي بمسجد عرعارة، فنغسل ونتأهب لصلاة العيد، وقلوبنا مشدودة إلى ما يسعدنا، ويسعنا من حظ، بما تجود به أيدي القادمين، من مال وهدايا، فبيتنا كان وجهة المعيدين، وملاذا للقاصدين، في كل الأعياد، فجدتي رحمها الله تعالى هي حلقة الوصل وأكبر من عز في أسرتنا، فيأتيها القاصي والداني.

فما أن نرجع إلى البيت ونقبل رأس، ويد جدتي وأمي وأبي، وأتعانق مع وإخوتي وأخواتي، حتى تكون الفطائر قد جهزت فنفتتح بها فطرنا مع العسل، وصحن القلاية، ثم تطوف علينا صحون الحلويات المتنوعة، ونحن نسرح ونمرح، ونطرب بأغنية الفنان الراحل أحمد سامي رحمه الله تعالى وهو يتقد حماسا وابتهاجا بأغنيته الفريدة التي عاشت في قلوب كل الليبيين (معيدين وديما عيد معيدين)، ثم نرافق أبي رحمه الله لزيارة عمه راشد جبران في منزله بالمدينة القديمة، ونزور بيت عمه الشيخ الأزهري السنوسي جبران، رحمهم الله جميعا.

ثم يأخذنا إلى مصور قريب ليلتقط لنا صورا جماعية أنا وإخوتي وأخواتي بكل ما تعنيه دلالة تلك الصورة، ثم نعود إلى البيت لنجدد العيد مع كل قادم، وكلنا في لهفة، ورغبة في العطية والهدية، وانتظارا لأقراننا ممن سيشاركنا اللعب، ويصدق علينا قول القائل: إِني نَشِيتُ فَمَا أَسْطِيعُ مِن فَلَتٍ … حَتَّى أُشَقِّقَ أَثْوابي وأَبْرادِي

ثم يحين وقت الغذاء وقد نضجت طبيخة الفاصولياء التي لا تحلو إلا في ذلك اليوم المبارك، فهي من الأسبار التي قد يتفق أغلب أهل طرابلس عليها، ولا بأس على أسبار الناس، لأنها تغرس القيم الأخلاقية الطيبة، والصلات الاجتماعية، وتزيد المحبة، وتعلم النشء معاني صلة الرحم التي بدأت تتلاشى في ظل هذا الشرخ الاجتماعي العظيم، الذي أحيا الشحناء والبغضاء، وصار مذهب أهل الخصومة والشقاق، ولا أمنية لمؤمل، ولا عيد لمبتهج إلا بوطن موحد يجمع شتاتنا، ويكبح هوس عدونا، وأدام الله علينا وعليكم الصحة والعافية، وتقبل منا ومنكم، وكل عام وأنتم بخير، معيدين فايزين، والعقبة لداير.

20 /5 /2020

مقالات ذات علاقة

المحرس التونسية تضيء سماء التشكيل بنقاش الفن والبيئة

عدنان بشير معيتيق

الفنان على الزويك… غادرنا قبل أن ينبئنا

المشرف العام

لهجة طرابلس الغرب

أحمد الفيتوري

اترك تعليق