بخصوص (غدانسغ) و(حلفاية الملوك) و(التعتيب الأبستموليجي)
صديق إبراهيم عوض الكريم – السودان
-2-
حالة السبك السردي المتين لسيرة مدينة غدانسغ في ثلاثية غونتر غراس الروائية وشكل الأحداث والوقائع الشيقة والمثيرة لدهشة القارئ تُعد من قِبَل أساليب التناول والمعالجة الأدبية لعمليات التاريخ فهو خطاب تاريخي بإمتياز. خطاب يجيب عن الأسئلة التقليدية لخطاب تحليله. فالرابطة التي تجمع بين أداثه المشتتة هي سيرة أوسكار ماتسارت وتماهيه مع تاريخ المدينة والتسلسل الضروري بينها كان في مقارنة النمو البطئ للقزم أوسكار وتجاوبه مع الأحداث منذ سنوات الحصار السويدي إلى شكل الجمهورية الديموقراطية مروراً بسنوات الجذب البولندي إذ ترتبط به الأحداث وتتمركز حوله أما الدلالة العامة التي تنتهي بتشكيلها فهي تبرز من خلال طرقه على طبل الصفيح وفرضه كأسلوب للسرد من خلال التطبيل وهو ما يجعل منها إتصالاً يسري بإدخالها في كل موحد.
هذا ما يخص إستجابة النص للأسئلة التقليدية لمناهج التحليل التاريخي أما المستحدثات الأخيرة فنجدها عند ميشيل فوكو في حفريات المعرفة إذ تبرز أسئلة من نوع : ما المراتب التي ينبغي عزل بعضها عن الآخر؟ ما أنواع السلاسل التي يجب إقامتها؟ ما مقاييس التحقيب التي يلزم إتخاذها إزاء كل واحدة منها؟ ما منظومة العلاقات (تدرج أو هبمنة أو تراتب أو تحديد وحيد الجانب أو علية دائرية) التي ينبغي إثباتها بين هذه السلسلة وتلك؟ وداخل أي جدول زمني رحب يمكن أن نُعين مجموعات متمايزة من الأحداث؟
بهكذا أسئلة ندفع بالتحليل التاريخي إلى رصد نمط جديد من المعقولية ورصد نتائجه المتعددة لا عن طريق تقصي البدايات الصامتة ولا إلى الصعود اللامحدود نحو الممهدين الأوائل فينكب البحث بعدها على رصد الإنقطاعات مثل إعادة التوزيع التراجعي للأحداث ومثل الوحدات البنائية للصروح والأنساق مثلما حللها مارسيل غيرو هذه الإنقطاعات تتباين فيما يخص طبيعتها وصفتها فهي الأفعال والعتبات الأبستموليجية التي وصها : غاستون باشلار !