عام 1836 انتشر في استانبول وباء الطاعون الذي راح ضحية له المثقف والسياسي الليبي حسونة الدغيس الطرابلسي بعد فترة قصيرة من تكليفه بتحرير النسخة الفرنسية من الصحيفة الرسمية [ تقويم وقائع ] ولم يكن قد جاوز حينها الخامسة والأربعين .

وقد كتب صديق الدغيس الحاج حمدان بن عثمان خوجة السياسي والمثقف الجزائري وأحد رموز النهضة الحديثة رسالة بعنوان: إتحاف المنصفين والأدباء بمباحث الاحتراز عن الوباء، أهداها إلى السلطان محمود الثاني .
وقد جاء في ذيلها تاريخها الهجري : 1252 ( 1836 – 1837 ميلادية ) .
أراد خوجة أن يفند آراء بعض الفقهاء الذين كانوا يرون أن الاحتراز من الوباء بالجلاء عن وطنه أو بالحجر الصحي للمسافرين القادمين يعد فرارا من القدر. وكان خوجة جامعا في مقاربته تلك بين التأصيل الفقهي لوجوب الأخذ بالأسباب وبين تجربته الشخصية في حماية نفسه من الأوبئة في رحلاته الطويلة أو في وطنه الجزائر وذلك باتباع بعض التدابير كتجنب الزحام والمصافحة وتغيير الهواء. ويشيد خوجة بالحجر الصحي ( الكرنتينة) الذي كان متبعا في أوروبا ويقول في هذه الصورة أدناه إنه متبع في طرابلس وتونس وطنجة وتطاوين وفاس وهي تخلو غالبا من الوباء، في الوقت الذي لا يخلو سواها من ديار الإسلام غالبا منه . ويستشهد خوجة بالجزائر التي كانت قبل الاحتلال الفرنسي دائمة الابتلاء بالوباء حتى أحدث الفرنسيون الكرنتينة .
فهل كانت وفاة الدغيس المأساوية في ريعان الشباب هي الباعث الذي حرك في نفس صديقه حمدان خوجة الرغبة في كتابة هذه الرسالة ؟
إن وقوع العام الهجري 1252 بين عامي 1836 و 1837 يجعل التفكير في هذه الصلة منطقيا، ولكن خلو التأريخ من اليوم والشهر يمنعنا من الجزم بما لم نقف على حقيقته.
كانت علاقة الرجلين متينة جدا منذ عشرينيات القرن التاسع عشر حيث جمعتهما الإقامة في فرنسا وبريطانيا وجمعهما الهم المشترك بالإصلاح في شمال أفريقيا واعتناق المباديء السياسية التحررية ، ثم جمعهما بعد احتلال الجزائر هم مقاومة الاستعمار سياسيا فكان الدغيس هو من نقل كتاب المرآة لحمدان خوجة إلى الفرنسية ليضيع الأصل العربي حتى يومنا هذا، ولم يبق للكتاب أثر سوى هذه الترجمة. وهي وثيقة نادرة توثق جرائم الفرنسيين المبكرة في الجزائر.

وقد عد كتاب المرآة من أهم عشرة كتب أسست للشعور الوطني الجزائري في العصر الحديث وقدم الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة لإحدى ترجماته عام 2005.
وجدير بالذكر أن حمدان خوجة هو والد المشير علي رضا باشا الجزائرلي الذي حكم ولاية طرابلس خلال العهد العثماني الثاني مرتين ( 1867 – 1870 و 1872 – 1874)
ومن آثار عهده بمدينة طرابلس برج الساعة وإصلاح المطبعة الحجرية وفي الولاية عموما خطوط التلغراف