مروان جبودة
مع موجة تكنولوجيا المعلومات تحوّلت الكثير من مِنصّات التواصل الاجتماعي كـ”فيسبوك” و”تويتر” و”إنستجرام” ومواقع أخرى كتلك الخاصّة بالأسئلة مجهولة المُرسل؛ تحوّلت إلى بيئة خصبة لمزيد من المُضايقات والتحرش الإلكتروني والتنمّر السيبيريّ؛ وذلك لإمكانيّة التواصل مع الآخرين في أيّ وقت وبأيّ شخصيّة كانت مع غياب كامل لبيانات الشخص المُرسل.
يقع كثيرون ضحيّة التحرش الإلكتروني سواء من الذكور أو الإناث، وربّما عند الإناث بشكل أكبر وعلى أكثر من مستوى؛ سواء بإرسال الصور الفاضحة أو التهديد والشتم أو استغلال البيانات الشخصية. ناقشنا مع عددٍ من رواد هذه المواقع تجاربهم مع التحرش الإلكتروني، وتحدّثنا معهم عن أسباب ذلك ودوافعه وسبل الحيلولة دون وقوعه.
تحرش العالم الافتراضي امتداد لتحرّش العالم الواقعي
“إيناس أبو شهيوة” طالبة الطب تحكي تجربتها فتقول:
“نتعرّض إلى المضايقات و التحرش الإلكتروني بشكل دائم، وأحيانا من أشخاص يُحسبون كأصدقاء فيستغلّون ذلك ويتمادون في الحديث. مثل هذه التصرّفات والمُضايقات طريقة سهلة للمتحرّشين لإفراغ كبتهم دون أن يتم محاسبتهم في بلاد يغيب فيها القانون وتحكمها العادات والتقاليد، فالعائلة لا تتداول فيما بينها مثل هذه الأمور، بل وتنصح أفرادها بطريقة خاطئة للتصدي لذلك؛ فأول إجراء يُتّخذ منهم هو طلبهم قفل حساب الضحية ظناً منهم أنها أفضل طريقة للحماية”.
قلة تقدير للأنثى
“نيروز العبيدي” أمّ تؤكد على تعرّضها للتحرّش الإلكتروني، فتقول:
“ردّة فعلي غالبا هي تجاهل الرسائل المُزعجة التي تأتيني من حسابات غير مُضافة لقائمة المتابعين لديّ، أغضب وأحيانا أشعر بقرف واستغباء المقابل، يحدث التحرش الإلكتروني عندما يقدم شخص غريب على الحديث معي بحميمية، ويستخدم ألفاظا جنسية، ويتجاهل رفضي الدائم ويحاول تكرار ذلك بإلحاح، التحرش الإلكتروني هو ذاته التحرش الحقيقي على الواقع، وأسبابه واضحة كبت وقلة تقدير لكيان الأنثى كإنسان، واعتبارها أداة للإشباع، وبما أنها دخلت هذا الفضاء الإلكتروني فهي شيء مباح ومشاع، وقد ساهمت السوشيال ميديا بتوفير الغطاء الوهمي للمتحرّش، وأنصح الجميع بالتعامل مع التحرّش كالتلوث البيئي مثلا: أمر حتمي ولكن باستطاعتك دائما إحاطة نفسك بالخضار لطمس ذلك التلوّث قدر الإمكان”.
الذكور كذلك ضحايا التحرّش
التحرّش اللفظي الجنسي هو إحدى صور التحرّش والمتمثلة في الابتزاز والتنمّر والسب والتهديد بالعنف، ولا يقتصر ذلك على الإناث وحسب، بل يمتدّ حتى إلى الشباب فيقعون ضحيّة لذلك. “معتوق علي ” (اسم مستعار) يقول:
“لم أتعرّض للتحرش الالكتروني بشكل مباشر، أي أن يتضمن الحديث كلاما جنسيا ظاهرا أو خفيا دون سابق معرفة، ربما مررت بمحاولات استلطاف أو بداية حديث الرفض والقبول، ردّة فعلي دائما الرفض بطريقة عادية خالية من العدوانية، أعتقد أن التحرش الإلكتروني يحدث كثيرا لأنه أسهل من التحرّش الواقعي، ويستطيع الشخص إخفاء هُويته ويحاول مع أكثر من شخص دون خوف، بعكس الواقع حيث أن هويته واضحة، أما التعرّض للشتم والتهديد بالعنف وحتى التهديد بالقتل، يحدث أكثر من مرة. التحرّش هو التحرش سواء الإلكتروني أو الواقعي ويجب التعامل معه بنفس الدرجة قانوناً، أغيّر أرقام هواتفي أكثر من مرة وأتوخّى الحذر ولا أعلن تحركاتي عند تعرّضي لذلك، عادة أقوم بالتصريح لشخص أو اثنين حتى يكون على علم بالجهة أو الشخص المشتبه به في حال حدوث مكروه، هذا الموضوع أثّر عليّ بحيث لا يمكنني السفر أو المكوث لمدة في بعض المناطق”
التحرّش ليس مرضا
تعتبر “سمر أبوالسعود” الموظفة والمُعالجة النفسية أنّ التحرش ليس مرضا نفسيا، فتقول:
“لا يوجد في جميع مصنّفات الأمراض النفسية والعصبية أن التحرش مرض، فذلك يعتبر هروبا من المسؤولية الرئيسة وهي قلّة تربية وانعدام أخلاق”. وتسترسل مضيفة “فالتحرش الإلكتروني نفس التحرش العادي، أمر مشين وغير أخلاقي يصدر من شخص غير سوي، وإن اعتبرناه مرضا فربما يلجأ البعض للهروب من هذه التهمة بحجّة المرض وربما يقع في مصيدة المصحّة النفسية حيث سيكون الأمر أكثر رعبا إن كان مُدّعيا. ثم تختم “يمكن القول أن العديد ممن يتردّدون على المصحّات النفسيّة عانوا بشكل ما في إحدى مراحلهم العمرية من التحرّش مما يسبّب لهم ترسبات غير واضحة التأثير لكن التعرض لها وحلّها يساعد كثيراً في العلاج النفسي”.
مكافحة الجرائم الالكترونية
تحاول الكثير من دول العالم سنّ القوانين التي تعاقب التحرش الإلكتروني وتعتبره مساوياً في العقوبة للتحرش على الواقع، وقد صدر في ليبيا قرار وزير العدل بالحكومة المؤقتة قرار رقم 29 لسنة 2016 بإنشاء “إدارة أبحاث ودراسات مكافحة الجرائم الالكترونية” تبعيّتها لإدارة الخبرة القضائية، كما يوجد بجهاز المباحث العامة بوزارة الداخلية لحكومة الوفاق “إدارة مكافحة جرائم تقنية المعلومات” لكن جهود كليهما تقتصر كما هو متاح لدينا على جرائم تزوير الوثائق والبيانات الشخصية، دون إجراءات واضحة تجاه ظاهرة التحرّش الإلكترونية مما يسمح للكثيرين من الوقوع ضحايا هذا الجرم خصوصا وأنّ التحرّ الوقعيّ المُشاهد يوميا لا يزال ظاهرة تفرض نفسها رغم تجريمه قانونا.