تقف هذه الزاوية، مع مبدع عربي في أسئلة سريعة حول انشغالاته الإبداعية وجديد إنتاجه وبعض ما يودّ مشاطرته مع قرّائه.
■ ما الذي يشغلك هذه الأيام؟
– قبل كل شيء تشغلني الحرب. أتساءل متى تنتهي في أرجاء الوطن كلّه؟ وهناك بالطبع المشاغل الفنية اليومية، وبصفتي رئيس “جمعية الملتقى المتوسّطي للفنون”، لديّ مشاغل متعلّقة بإقامة المعارض الفنية والملتقيات تحت مظلة الجمعية. قبل أن تندلع الحرب الأخيرة على تخوم مدينة طرابلس، كنتُ أجهّز لمعرض جماعي يضم عدداً كبيراً من الفنانين التشكيليين من مدن الشرق والغرب والجنوب الليبي. كان المعرض بعنوان “وشائج تشكيلية”، وكان سيقام في المدينة القديمة لطرابلس كدعوة لتقريب وجهات النظر ونبذ الفرقة. أردناه محاولة للاجتماع في فضاء فنّي راق يمثل باقة من أجمل التجارب الفنية التي تعرفها ليبيا اليوم.
■ ما هو آخر عمل صدر لك وما هو عملك القادم؟
– آخر تجاربي الفنية عبارة عن مجموعة بورتريهات بالحبر تحت عنوان “رؤوس الأبطال”، أنجزتها بالأبيض والأسود ويتخلّلها اللون الأحمر في بعض المناطق على استحياء. استعملت تقنيات الرسم والكولاج واعتمدت على خامات متنوّعة. تظهر البورتريهات كأنها رؤوس مقطوعة، وتكتمل الرؤية الفنية لها حين تجتمع معاً في معرض، على الرغم من أن كل بورتريه يمثل عملاً فنياً في حدّ ذاته. لكن المجموعة تشكّل أيضاً عملاً فنّياً متكاملاً.
■ هل أنت راض عن نتاجك ولماذا؟
– لا طبعاً. لديّ طموح كبير وسقف أحلامي مرتفع، وكنت أشعر دائماً أنني لم أتعلّم الرسم بعد، وهذا ما يدعوني إلى الاستمرار في الرسم والبحث في قضايا تجريبية جديدة. أعتقد بأن الخوف من الفشل هو محرّكي الرئيسي للعمل ومحاولة إضفاء الجديد على عملي الفني والاستمرار دون توقّف.
■ لو قُيّض لك البدء من جديد، أي مسار كنت ستختار؟
– كنت سأذهب إلى الكتابة. ولقد دخلت إلى هذا العالم المدهش من باب الكتابات التشكيلية، أي من خلال التنظير، ومن داخل مطبخ الفن التشكيلي كفنان مزاول للعمل الفني يصف التجربة الفنية من الداخل، وليس كناقد طبعاً. أصبحت الكتابة عندي تأخذ طابعاً سردياً بالإضافة إلى محاولات لفهم العوالم التشكيلية، ومحاولات التشريح الفني للتجارب الفنية التي أكتب عنها. أعتقد أن هذه النصوص أصبحت أعمالاً قائمة بذاتها.
■ ما هو التغيير الذي تنتظره أو تريده في العالم؟
– أتمنى أن يعمّ السلام والأمن وتتوقّف الحروب وتتحقّق العدالة الاجتماعية وتتّجه شعوبنا إلى التنمية والإبداع والبناء، وتبتعد عن الهدم. من أجل ذلك لا بد من نبذ ثقافة الإقصاء والدعوة إلى ثقافة التعايش، حتى وإن كان في هذا الكلام شيء من النزعة اليوتوبية، فمن حقنا أن نحلم بعالم جديد ومليء بالحب وخال من الكراهية.
■ شخصية من الماضي تود لقاءها، ولماذا هي بالذات؟
– وددت لقاء الفنان العراقي جواد سليم، باعتبار أنه كان صاحب رؤية فنية ثاقبة. أعتبره فناناً سابقاً لعصره، مؤسّساً للفن العراقي الحديث، ومؤثّراً في أجيال من الفنانين العرب المعاصرين. صاحب “نصب الحرية” و”الجندي المجهول”، وهي أعمال تنتصب شاهقة في بغداد حتى الآن، لا يزال يمثّل بالنسبة إليَّ مرجعاً مُلهماً.
■ كتاب تعود إليه دائماً؟
– أعود إلى كتاب “جماليات المكان” للفيسلوف الفرنسي غاستون باشلار، فهذا العمل يُقرّبنا من الصورة الشعرية ونتعلم من خلاله كيف ننتبه إلى أشياء كانت مهملة في ذاكرتنا، مثل محتويات البيوت وأعشاش الطيور والقبو وصناديق الجدات وغيرها من الأشياء التي هي في النهاية مفاتيح للتأمّل والتخييل. إنها رصيد يدعم أحلام يقظتنا، وبالتالي تصبح هذه الأشياء رافداً أساسياً في خصوبة أعمالنا كفنانين تشكيليين.
■ ماذا تقرأ الآن؟
– بصدد قراءة كتاب “عنف اللغة” للباحث الفرنسي جان جاك لوسركل، وهو عمل يطرح أسئلة جوهرية حول اللغة، مثل: من يدير الدفة؟ هل هو المتكلّم أم اللغة نفسها بما تحمله من مكتسبات معرفية وبيئية. في العمل أيضاً طرح تفصيلي عن دور اللغة وقواعد النحو، وقد شدّتني خصوصاً مسألة يسميها الكاتب بـ”المتبقي من الكلام”، وهي المنطقة التي يتحرّك فيها الشعراء والمتصوّفة والفنانون.
■ ماذا تسمع الآن وهل تقترح علينا تجربة غنائية أو موسيقية يمكننا أن نشاركك سماعها؟
– أقترح عليكم أن تكتشفوا فرقة “تيناريوين” وأغنية “إميديوان وينكالين”، وتعني “الحياة هي الماء”. إنها مجموعة موسيقية من مدينة تساليت في شمال شرق مالي تعتمد لغة الطوارق. موسيقاهم – والتي تُعني بالحنين إلى الماضي – تجمع بين موسيقى البلوز والروك وموسيقى الطوارق التقليدية. هذا ما يمكن أن يُسمّى بلوز الطوارق، لأنه مثل البلوز، تم إنشاؤه في المنفى في معسكرات للطوارق في جنوب ليبيا في فترة الثمانينيات. تهتم هذه الفرقة بالتأكيد بهوية شعب الطوارق ونجحت في أن تصل إلى العالمية وتشارك فرقاً موسيقية غربية في أميركا وأوروبا في عروضها وجولاتها العالمية.
بطاقة:
فنّان تشكيلي ليبي من مواليد مدينة مصراتة عام 1968. تنوّعت تجربته بين عدّة تيارات فنية، كما اعتمدت لوحاته على خامات متنوّعة. شارك في العديد من المعارض والملتقيات التشكيلية في بريطانيا وتونس وتركيا وفرنسا وإيطاليا، كما ساهم في تنظيم العديد من المعارض والملتقيات الفنية في ليبيا من أبرزها “الملتقى المتوسطي الاول للفنون”. أدار ورشات منها “الأطفال يرسمون الحكاية” و”الحرب على مصراتة“.