منح التفرغ التي تمنحها مؤسسات المعرفة والثقافة للباحثين والمبدعين في مجالات العلم والثقافة والفنون, ظاهرة لم يعرفها واقعنا العلمي والثقافي, فالباحثون والمبدعون ظلوا دائماً موظفين يتوزعون بين الوظيفة والإبداع وبالطبع شئون العائلة اليومية.. إن البحث أو الإبداع لا يأخذ من حياتهم إلا الجزء الصغير, فلا يجد الواحد منهم الوقت ولا الجهد للبحث أو للإبداع إثر إنهاك الوظيفة ومتطلبات الحياة لذا تظل مشاريعهم البحثية والإبداعية مؤجلة ربما حتى (يذهب العمر هباءً ويضيع الجوهري).
التفرغ.. لمدة زمنية محددة وبراتب محدد ومنتظم لإنجاز عمل بحثي أو إبداعي متفق عليه مع (راعي المشروع) أو (مانح التفرغ)، تقليد عالمي معمول به في غالبية الدول حتى العربية والنامية, وتقوم به وزارات الثقافة والجامعات والمراكز البحثية بل وحتى شركات المقاولات والخدمات والمصارف لم تفكر فيه لا الأمانات ولا المؤسسات البحثية في بلادنا، بل ظل شيئاً غريباً ومستهجناً بل وقد ينظر إليه كتبديد لثروات الأمة!! هذه الأمانات وهذه المؤسسات والتي تضيع أموالها (نفخاً في الهواء)، هي الأكثر احتياجاً للبحوث والدراسات للخروج من ارتباكاتها وارتجاليتها وبالطبع من المعالجات الشفوية السريعة والشكلية وغير الجادة والتي تأخذ شكل ندوات بلا أوراق حقيقية ومهرجانات للكلام المرتجل وأمسيات وحتى أصبوحات (وهي اختراع ليبي) للشعر المرتجل أيضاً.
أمانة الثقافة مثلاً، بإمكانها أن تمنح (التفرغ) لعدد محدد من الكتاب لإنجاز مشاريع ثقافية محددة في مجالات الثقافة والفنون، تخرج في النهاية على شكل كتب أو أعمال مسرحية أو تشكيلية أو سينمائية.. بالطبع ستحدد مدة زمنية لإنجاز هذه المشاريع وموضوع التفرغ, مقابل منح للتفرغ لهذه الأعمال.
الكليات بإمكانها أن تفعل ذلك لإنجاز بحوث تخصها، وكذلك الشركات وأمانات الإعلام والثقافة والسياحة في الشعبيات.. مجلس التخطيط وحتى مؤتمر الشعب العام, على هذا النحو سيكون بإمكاننا أن ننتج أشياء مجدية تغذي حياتنا الثقافية والاجتماعية والاقتصادية بإنتاج وليس بكلام يطير في الهواء وتطير معه أموالاً نحن في أمس الحاجة إليها.
أنا أكتب هذا أداءً لواجب لم يفرغنِ له أحد رغم إحساسي (أرجو أن إلاَّ يكون صحيحاً) بأن هذا (الذي كتبت) سيكون أيضاً كلاماً لن يسمعه أحد، أرجو ألا يكون الأمر كذلك.