الأيام (مريم عبدالله)
انتظمت بقاعة فايسغراد في عاصمة الأدب العالمي، مدينة كراكوف ببولندا، محاضرة بعنوان “أن تكون متوسطياً.. مقاربة لهوية مشتركة” حيث ألقى الباحثان الليبيان د. عبدالمنعم المحجوب، ود. المبروك درباش، بحضور باحثين وطلبة ماجستير في العلوم الاجتماعية والإنسانية من كل من الدول السلافية مثل بولندا، روسيا، تشيكيا، المجر، أوكرانيا، لتوانيا، سلوفاكيا، بالإضافة إلى جورجيا والولايات المتحدة.
انقسمت المحاضرة إلى جزأين، حيث تناول د. المحجوب في الجزء الأول، مفهوم الهوية في إطاره الفلسفي وعلاقته بمنظومة الأفكار التي تمنح الوجود الإنساني معاني مختلفة بين مستوى وآخر، حيث اعتبر أن الهوية هي مجرد طيف من العناصر المتغيرة، غير الدائمة، وغير المترابطة، فهي بالتالي مفهوم متغيّر عبر التاريخ، ولا تعتبر شيئاً جوهرياً بالنسبة للوجود الإنساني، إلا بدلالة الإنسان نفسه، وليس الجماعات والشعوب، ولكونها مؤقتة فإنها تمنح غطاء معنوياً لكل فرد أو جماعة في فترة زمنية أو دورة تاريخية مغيرة، لتتبدّل بالتالي وتأخذ شكلاً آخر. فالهوية ليست قارّةً وهي بالنسبة له مجرّد طفحٍ على كل كيان وُجد أو يوجد عبر التاريخ، ليحمي الفعل الإنساني في زمن ما، ثم تتلاشى تدريجياً أو بفعل قسري من الخارج. واتخذ المحجوب من وجود ليبيا مثالاً على ذلك، فليبيا عبر مراحل التاريخ كانت جغرافيا مرنة وغير محدودة، فقد كانت قارة، ثم إقليماً من قارة، ثم جزءا من الإقليم، ولا يمكن بالتالي الحديث عن هوية مطلقة يرتبط بها المكان، بقدر ما يمكن الحديث عن هوية جزئية لها يصنّفها أو يسميها سكانه بحسب الانتماء الذي يعتقدون أنه غالب على مجموعهم. مؤكداً على أن الانتماء والمصير هما اللذان يجعلان الهوية أمراً ممكناً عبر التاريخ.
من جانبه اعتبر د. المبروك درباش أن الهوية جزء أساسي من البنية الاجتماعية والتاريخية لكل وجود إنساني، وأنها لارتباطها بحركة الجماعات تعتبر عاملاً ثابتاً من عوامل الفعل الإنساني بالنسبة للأفراد أو الجماعات. وقدّم لهذا الطرح أمثلة ضافية حول الدول الأوروبية في حراكها الاجتماعي بما له من تأثير على ما تتبناه الجماعات من توجهات وآراء وقيم، فالهوية بالتالي مفهوم ثابت يغذي الحراك الاجتماعي ويمنحه أسباب الدفاع عن الوجود ومحاولة إثباته وتنميته. بالرغم من أن درباش يعتبر من ناحية أخرى أن الهوية قد تعبر عن حالة بدائية خاصة عندما يتعلق الأمر بالآخر، فالآخرون بسبب التشبث بالهوية يتحولون إلى أعداء وخصوم وهنا تنشأ الصراعات المبنية على مبدأ الاختلاف. إلا أنه يعتبر الهوية انعكاساً للمكان أينما كان.
امتدت المحاضرة قرابة الساعتين، وفتح باب النقاش الذي أثيرت فيه أسئلة متصلة بالموضوع أجاب عنها المحاضران.