نعيمة الطاهر
كثيرا ما كنا نغني في مناسباتنا المفرحة تلك الأغنية التي لا أعرف لها اصل ولا موطن:
يا رمانة يا رميمينة
يا ستة سبعة في عريجينة!
طلعت الرمانة تشري في اللحم
قاللها يا للّة هزيلي قدم
هزت القديم وعطاها اللحم
وقاللها يا حنة كولي بالهنااااء!
لفاكهة الرمان وقعها الخاص في نفسي ومكانتها الكبيرة في قلبي.. ليس لأني أحبها كثيرا وأعتبرها فاكهة “نانا”*، وليس لأني أرى في حباتها الوان الأحجار الكريمة من زمرد وياقوت.. او ربما لأني اجد متعة لا حدود لها وأنا أفرط حبيبات ثمرة الرمان حبة حبة.. ومع كل حبة أزداد لها محبة..
وقد يكون سبب عشقي لها لأنها ارتبطت عندي بذكريات عزيزة وغالية.. فبرغم مرور سنين عمري وتذوقي لحبيبات الرمان من كل “صقع ورقع” لكن لم أجد مثيلا لطعم حبات الرمان التي كنا نقطفها من “أمها” في جنان الرمان في حوش بوي.. كنا ننتهي من تناول وجبة الغذاء في خريفيات ذلك الزمن الغابر ثم نخرج زرافات زرافات “بنات وشبابات” العائلة إلى جنان الرمان -هكذا كنا نسميه- فنقطف ثمراته ونفرتكها حبة حبة، ونحذفها إلى أفواهنا من غير أن نفسد مذاقها بغسلها، او اضافة السكر والمنكهات إليها..
وكنت أحرص اشد الحرص على ألا تقع مني حبة على الأرض وأنا ارى “جداي أمينة” تلك السيدة النيجيرية التي جاءت من موطنها كأمة تباع وتشترى، وانتهت بأن أصبحت ذات مكانة غالية عندنا، في حوش بوي، تعطي لنفسها الحق في إصلاح طباعنا، وتقييم تصرفاتنا، وكنا نتقبل منها ذلك بكل محبة وطيبة خاطر، كان وجهها يلوح في خيالي، وهي ترفع في وجهي سبابتها ناهرة إياي، وطالبة مني ألا ادع حبات الرمان تسقط على الأرض، وهي توبخني في حزم قائلة:
“هبة رمان هذا دموء النبي ‘ هرام تيه على الأرد”. تقصد ان حبات الرمان هي دموع النبي وحرام أن تقع على الأرض.. وصدقت انا هذا المعتقد ورسخ في عقلي منذ الصغر..
ولقشور الرمان قصة عندي.. فلقد كانت جدتي لأمي “تبرة بنت مقيق” رحمها الله، تجففها وتطحنها وتحضرها لي و “أسفها” على الرقيق كي تشفيني من ألام حرقان المعدة، جدتي تلك كانت ذات خبرة في المداواة، إضافة إلى إنها كانت ذات لسان يقطر شهد، وينطق كلمات تبرئ جروح الخاطر وتداويها.
يا رمانة يا رميمينة.. يأكلك الناس ويمرون.. أما انا فأتلذذ بأكل حباتك حبة حبة.. ومع كل حبة منك لي قصة محبة.
* النانا =المبجلة رفيعة المقام.