في الذكرى الأولى لرحيل الكاتب الليبي عزالدين اللواج
لم يعد من قبيل الغامض أو السري المنتمي لسذاجة نظرية المؤامرة، أن نقول بأن مسار الأطراف الدولية التي تتدخل في الشأن الليبي، يعتمد في تدخله على بنية تفكير استراتيجي مزدوجة ومتناقضة و مكونة من رهانين، هما رهان النظام المتعلق بتداعيات الأزمة الليبية على مصالحها وأمنها القومي والذي يتطلب وجود كيان سياسي مستقر نسبياً يؤمن لها مصالحها وأمنها، ورهان اللا نظام الذي ترى تلك الأطراف أنه ضروري في بعض المراحل لفرز الحليف الأقوى والأنسب لاستراتيجيتها، خاصة وأن هشاشة كيان طرفي مثل ليبيا تسمح بالتدخل في الوقت المناسب، وتحديداً عندما يخرج قطار اللانظام عن المسار المحدد له.
على المدى المتوسط والطويل من الواضح أن العقيدة الاستراتيجية للبعض لا تعبأ كثيراً بتداعيات فشل تدخلها في لحظة انفلات مسار اللانظام “لحظة العشوائي والصدفوي “، لأنه من وجهة نظرها ونوظف هنا بعض مضامين مقاربات ما بعد الحداثة في علم السياسة، أن ذلك الأمر لن يشل مرتكزات استراتيجيتها في الحالتين، أي في حالة السيطرة على ذلك الانفلات، أو في حالة عدم السيطرة عليه، فعلاج الخلل الاستراتيجي موجود في صميم الثقافة السياسية الليبية المبنية على هويات جهوية وقبلية ودينية صلبة، تتوهم أبدية الانفراد بالمشهد السياسي الليبي، وتعالج خيبات ذلك الوهم بالاستعانة بالأجنبي بشكل مباشر أو غير مباشر، وذلك بالرغم من تناقض تلك الاستعانة مع خطابها التعبوي.
لا يوجد حل نهائي وجاهز لهذه الوضعية، ولا يوجد أي قيمة تحليلية كبيرة في الوقت الراهن لذلك السؤال الذي يتعلق بالأسباب التي قادت البلاد لهذه الوضعية، لأن إجابات الأطراف المتصارعة لن تتمكن من الخروج من سياج عدم فصل الذات عن الموضوع، وبالتالي المزيد من التوتر واللاستقرار والكراهية، وكل ماهناك احتمالات للحل من بينها على سبيل الذكر لا الحصر، تبني استراتيجية عملية ناضجة لمقاربة القبول بالاختلاف، بحيث ترتكز على شروط يتفق على تفاصيلها الفاعلون المعتدلون، أي أولئك الذين يملكون شجاعة النقد المزدوج “بلغة الخطيبي”، القادر على تجاوز عقبة الانتماء الهوياتي المنفرد، وتشخيص معطيات تورطه في عنف الحرب الدائرة الآن في ليبيا، وبالتالي وضع الآليات النظرية والعملية التي تضمن للآخر المختلف معه عدم تكرار ذلك التورط، هذا بالطبع مع احتفاظها بحقها في التعبير عن رؤيتها الوطنية الخاصة بتدبير المشهد السياسي الليبي، فالأساس كما ذكرنا في مقالات سابقة، هو وجود مجال سياسي عام، تلتقي فيه تعارضات واختلافات كافة الفاعلين الذين يتبنون رؤية سلمية معتدلة ومنفتحة تغلب مصلحة الوطن والمواطن على الأجندات السياسية والإيديولوجية.
ربما أن هذا الاحتمال قد لا يروق للبعض ويرونه طوباوياً في ضوء وقائع ومؤشرات المرحلة الراهنة، وما ترتب عليها من أجواء احتقان مجتمعي وعدم ثقة وعنف سياسي، وربما قد لا يؤمن البعض بلا حتمية الراهن، وبإمكانية التغيير، وتوظيف أشباه الفرص، من أجل تجنب مشهد استمرار الحرب والتقسيم وخراب الوطن.