المقالة

القصيدة الحديثة في ليبيا

حسين المزداوي

من أعمال التشكيلي عمر جهان
من أعمال التشكيلي عمر جهان

 ​ما الذي حدث للشعر في ليبيا بعد عام 2011؛ الحدث المفصلي في حياتنا؟ حدث فتح خزائن أسراره منذ ذلك العام ولايزال ​ينأى الشعر الحديث وخصائصه البنيوية به بعيداً عن الادوار المناسباتية والمنبرية والغنائية، وتجعل منه روحاً متجسدة للشعر، ومتخلصة من كل أعبائه التي كابدها على مدار حركته التاريخية.  

منذ ستينيات القرن  العشرين وحتى العام 2011 قامت القصيدة الحديثة في ليبيا ببناء عشها الشعري المختلف، وكانت فرصة تاريخية لها في أن تتبوأ مكانتها التي حققتها رغم البيئة الطاردة، فاستمرت قدماً رغم النظرة الاستعلائية من الأكاديميين الكلاسيكيين الذين تعج بهم تلك المرحلة، أو النظرة القاصرة الحائرة المستريبة من السياسيين، يؤازرهم أتباع هذين العنصرين من محبي الشعر في لباسه القديم، ومن المستريبين السياسيين، ومع ذلك خطت قصيدة النثر خطوات واثقة مهمة كانت تستهدف ايقاظ وعي واحساس المتلقي من تكلس ونوم اللغة السائد واستعمالاتها المتكررة.

​في هذه الأثناء كانت القصيدة الكلاسيكية في ليبيا تمر بأزمة حادة، وحالة أفول كاذب، فخف وهجها، وقل عطاؤها، وانكمشت على نفسها؛ إما لأسباب سياسية – والسياسة عندنا منابر – ومع منبريتها الكامنة فيها، إلا أنها في حالة عداء مع المتحكمين في المنابر، أو لأن ذلك الزمن كان مرحلة جزر واضح لها، ليس في ليبيا فحسب، بل على مستوى الشعر العربي عموما. ​ورغم فقر البيئة الثقافية عندنا، فقد احتضنت الأوعية الكتابية في حينها القصيدة الحديثة؛ سيما قصيدة النثر التي تمددت وانتعشت في سبعينيات القرن الماضي وما بعدها.

 ​بعد عام 2011 تهاوت كثير من الأوعية الكتابية الحاضنة لقصيدة النثر من مجلات ودوريات مختلفة، بعضها امتحى تماماً، وبعضها يغالب نفسه، وسادت المنابر الالكترونية الهشة، وشبكات التواصل، إلا أنها منابر مضطربة لا تعبر عن اتجاهات محددة، بقدر ما تعبر عن أفراد بعينهم، وعن أصوات قد لا تجد لها صدى يذكر، في غياب شبه كامل للمؤسسة الثقافية الرسمية.

​كانت القصيدة الحديثة أكبر الخاسرين، فلم تعد تجد لها صدى يومياً، ولا حاضنة كتابية، ولا جمهورا متطلعا، بل كانت الظروف العامة تتطلب المنبريات التي مهدت لها جماعة القصيدة الكلاسيكية وعلى رأسها الدكتور عبد المولى البغدادي بقصائدها التقليدية، الأمر الذي أعاد لهذه القصيدة دوراً ملموساً، فقد استطاع البغدادي بمرواغته أن يتجنب السياسة ومظاهرها، وأن يصنع جمهوراً ومريدين في بيئة ثقافية لا تبتعد كثيراً عن صدى قصيدته، وأن يعيد جمهورها النائم من سباته الكاذب.

​بمجرد أن حدث انفتاح نسبي قبيل عام 2011 حتى خرجت أصوات شعرية كلاسيكية شكلت اتجاهاً شعرياً واضحاً فالتفت حول الدكتور البغدادي بشكل أو بآخر، وقد ساعدتها رياح التغيير، فالتهبت جذوتها بالمناسبات المتعددة، والمنابر التي لم يعد يقف أمامها حاجز، والجمهور الذي وجد طريقا لذائقته الشعرية التي لم تتزعزع بمساهمة أكيدة في تكوينها من قبل المناهج التعليمية بكل تقليديتها.

الأمر الملفت للانتباه الذي لم يتوقف أمامه أحد، هو اعتراف المؤسسة الأكاديمية بالقصيدة الحديثة جهاراً نهاراً، عندما منحت جامعة طرابلس وكلية الآداب فيها وهيئتها العلمية، الدكتوراة الفخرية لأبرز أصوات قصيدة النثر في ليبيا وهو الشاعر مفتاح العماري، صحيح أنها اعترفت في الوقت نفسه بقصيدة الشعر الحر ممثلة في الشاعرين راشد الزبير وخالد زعبية؛ اعتراف جاء من المؤسسة التي كان أساتذتها ومتخصصوها يهزؤون من قصيدة النثر، ولا يعدونها من الشعر في شيء، ثم في لحظة فاصلة نراهم يمنحون أعلى الدرجات العلمية لأبرز أصوات قصيدة النثر، فهل هذا تبعة من تبعات الزلزال الذي ضرب كل  المسلمات؟


الملحق الثقافي؛ صحيفة فبراير | 29 فبراير 2023م.

مقالات ذات علاقة

إصلاح ديني، أم مماحكات ايديولوجية؟ (1)

علي عبدالله

حَاجَة مَاجة فِي الشِّكْمَاجَة!!!

رضا محمد جبران

نظرية التغيير إلى الأفضل: الجوهر قبل المظهر

علي بوخريص

اترك تعليق