النقد

قراء تشكيلية في قصيدة (نثار فيء العناقيد) للشاعرة أميلة النيهوم

التشكيلي/ علي الشرقاوي

من أعمال التشكيلي الليبي توفيق بشير

حتى أثناء محاولاتي الا أكون استثنائيا وأنا أسبر أغوار الفيء لم أجد بدا من البحث عن أدوات ومسالك استثنائية للملمة وجمع ما أمكن من نثار الشعر الذي تضوعت به القصيدة لقطوف دنت فتدلت فصارت قبل وبعد الفعل دهشة وشغف ووله وثوران واكتظاظ.

وحتى في استهلال الشاعرة للقصيدة كأنها بحثت عن الاتزان بين الطرفين، ما بين الإرادة والفعل، ما بين الرغبة والامكان، ما بين الاستمرار والمثابرة، المفردة المعطاء، المنتجة، الخلاقة، المفردة التي تختزل الفكرة لتتماهى معها، وتختمر مع الفعل فتشد صلبه، المفردة التي تشعل الرغبة فتحيلها جذوة من وله، وتصير الإمكان متكئا، وتحيل الاستمرار صهوة حرف يثابر حتى يصل مجمع بينهما، وتبتدر الشاعرة قصيدتها بلفظ:
(امرأة استثنائية
لا ترضى
من
آفاق الشعر
غير منتهى
ألق
وقلق
نثار الروح
في
سدرة المعنى)

والمرأة هنا تشكلت بلفظ الاسم وفحوى المعنى فصارت فتلونت في نثار القصيدة كل شيء، عالم متكامل منفتح على كل الاتجاهات، فمرة تجد المرأة إرادة، ومرة تجدها فكرة وتارة فعلا مضطرما وتارة أخرى ستجد هذه المرأة كلمة، فلا يمكن أن نتخيل الإرادة والفعل من دونها، ولا الرغبة والاستمرار بمعزل عنها.. وتجتمع مع الاستثناء لتكون رغبة تثابر لتستمر إلى حيث منتهى حدود الالق، بل وحتى الوصول لجنة المعنى.. فما بالك بالشعر حينما يصير أكثر من مجرد كونه نظم، حينما بداية تتعاظم لفعل يتجدد، وبإرادة تخضع طائعة لرغبة لا تهدأ.

وحيث ستجد أن الصفة والموصوف في الاستهلال تتناثر لتشكل قطوف الشعر الدانية، اللا متكررة بلا اكتفاء، اللامحدودة الانتشاء، فكان لزاما الخوض في مدها وجزرها، والانتشار عبر ذرات نثارها المحتدم، ولكونها امرأة استثنائية كان يجب ألا ترضى، الا تكف، أن تشتق اجزاء الروح وتصيرها حالات ممتدة فسيحة بحثا عن جنة الشعر المنشودة، ثم تتخذ هذه الإرادة وهذه الرغبة هيئة مشعة متحولة فتتشكل في كل مرة جزء مختلف متجدد فتقول:
عصافير البوح
توشوشني
تفيض
حواصلها غناء
منتشيا
من
خمر المطر
المنهمر
حدائق حرف
محترق
في زيتون
عيوني
يتعتق
في خابية
قصيد وهاج
من توق
وضياء)

فتصير المرأة الاستثنائية بكل حالاتها عصافير توشوش نافذة الرغبة وتغني، ولكان القصيدة قد صارت رسما على الاحداق بحروف تحرقها اللهفة وان لم تمسها النار، لتتعتق في خابية الشعر توقا يتوهج فلا يتوقف.
ثم تستطرد الشاعرة في استثناء الإرادة والفعل في نظم القصيدة وفي المغالاة في الرغبة وتطويع الإمكان فتضع الإرادة عن يمين والرغبة في يسارها فتقول:
باليمنى سأكتبك
نصا
يتفيا واحات
نخيل
الشعر
الوارف
في
عمق قصيد
مقيظ
صحاري
الحرف الغافي
على
حد
الوجع
باليسرى سأنظمك
معلقة
تتمايل برجا
عاجيا
يشتاق
رفيف
أجنحة حمامات
الدوح
وغدوق
خمائل دالية
حنين
عناقيد
الكرم
لا قداح معلقة
تنسكب
بدلال
في
قلب
الغيم)

فتضع الشاعرة الفعل في اليمنى كرحال جال كثيرا وحط رحاله في واحة عذبة الماء وارفة الظلال كأنها المنشودة وسط مقيظ اتقاد الرغبة وجهد المثابرة، وكأن الشاعرة وضعت عن شمال قطوف عناقيد الشعر الدانية المتمايلة المكتظة المتراكبة، المنتظرة أبدا رفيف اجنحة حمامات الدوح الموعودة بالرجوع، ويضطرم فعل النظم ليصير غدوق حنين تتكثف وتتعتق وتختمر لتنسكب شعرا يتعاظم فيه الفعل ويتصاعد ولا يهدأ، وهو الفعل الذي تبعثه الرغبة ومضة برق في أحضان الغيم.

ولكان الشاعرة اميلة النيهوم هي من تجعل الشعر في غيابة الجب وهي من يدلي دلوه… كتابة ثورية وأدوات ينحتها التوق للاستزادة.


* السقيفة الليبية، السبت 29 مايو 2021

مقالات ذات علاقة

(مناكفاتُ الرُّبعِ الأخير) بين السيرة والحكاية

يونس شعبان الفنادي

ميم تحول نبذ انتظام الحروف

إنتصار الجماعي

استنطاق المحسوس في حكاية مشط..!!

ناجي الحربي

اترك تعليق