طيوب النص

مرة واحدة…وللأبد

>

عندما تموت تتخلص من الألم ، مرة واحدة وللأبد.

تترك خلفك كل الوجوه التي كانت تطاردك، والتي مازالت تطاردك، الواجمة والباسمة، الضاحكة والعابسة.

عندما تموت تنتفي الأسماء وانعاكاساتها “المسميات”، ما اخترته وما أُجبرت على نطقه .

لن تحتاج للتفكير في شيء عندماتموت، لا المستقبل ولا الواجبات، ولن تحتاج لتذكر شيء.

لاشيء غير سرمد أفقي من الصمت المطبق اللانهائي، حيث لا أصوات سيارات، ولاصراخ باعة متجولين، ولا اصوات انفجارات، ولا سيارات إسعاف، فقط هدوء دائري مفرط في السكينة. لن تحتاج لأن تنام طويلاً في عطلة الأسبوع، ولا لأن تستيقظ باكراً في صباحات ديسمبر المتجمدة. لن تحتاج لأن تقرأ أخبار الانتحار والتفجيرات على الصحفة الأولى من جريدة الصباح، ولا أن تشعر بالقلق وأنت تفتح مظروفاً بريدياً غريباً وحين تدخل لبريدك الإلكتروني. لن تحتاج لأن تمرّ كل ليلة بخيالك على ندوبك، على الأماكن والروائح والصور، لا لن تحتاج لأن تدخل في نقاش حاد مع خيالات أشخاص مروا بك أو مررت بهم، وتركوك أو-ربما-تركتهم، لن تحتاج لهذه النقاشات الجوفاء، تزبد وترعد وتلوم وتصرخ وتستغيث وتستجدي وتتوعد، ثم تسقط في كل مرة مغشياً عليك، لتواصل النقاش في قادم الليالي. لن تحتاج لأن تقارن نفسك بأحد، ولا أن تقتفي أثر أحد، ولا أن تهرب من خطوات أحد، ولن تحتاج لأن تؤرجح حياتك بين الشماتة والإطراء، وبين النبذ والإغراء. عندما تموت لن تقع تحت ضغط اللحاق بأي شيء أو أي أحد، ولن تتأخر عن أي شيء، يختفي سيف الوقت المسلط على عنقك، وتعود عقارب الساعات إلى جحورها. سترتاح أنت والجميع عندما تموت، سيرتاح الحاقدون عليك ويوفرون طاقتهم-ربما-ليحبوا شيئاً ما، ويرتاح الذين يحبونك من التفكير فيك أو القلق عليك أو تذكرك. سيرتاح منك كرسي القطار، وبائعة المقهى، وطبيب الحيّ، وحمام الحديقة، وسائق الباص، وعلبة البسكويت، وفرشاة الأسنان، والمخدات، والأحلام التي لم تتحقق، والأحلام التي لا تتحقق، والأحلام التي لن تتحقق، ويرتاح منك الأرق والقلق والنزق، ويرتاح منك الرصيف، والنشرة الجوية، وأزرار الكومبيوتر، وشاشة الهاتف. هو اختفاء مريح لجميع الأطراف، ومن العجيب أن تتفق كل تلك المتناقضات بشأنه.

سوف لن يحتاج (أ) لأن يحضرك من قائمة الماسينجر لأنك تذكره بماضٍ قرر أن ينسلخ عنه، ولن يحتاج (ك) لأن يرد على اتصالك-بعد عدةسنوات- بكل برود لأنه مازال يعتقد بأن (ما حدث) لم يكن عادلاً، ولن يحتاج (و) لأن يرسم على وجهه ابتسامة نفاق كلما إلتقيته، مع أنه يعلم أنك تعلم أنه كان وراء ال(……..) . سوف لن تحتاج (د) لأن تتظاهر بأنها لم تعرفك يوماً، ولم تتبادلا المذكرات والملخصات الدراسية والكتب والسندويتشات وألبومات (ملحم بركات)، ولن تحتاج (س) لأن تغير رقم هاتفها-الذي نسيته على كل حال- حتى لا تتذكر فجأة وتحرجها باتصال يذكرها بأيام كانت تستجديك “لتتصدق” عليها باتصال، ولكن برستيجها اليوم وضرورات المرحلة “الثورية” بهكذا انكفاء لا يُغتفر…(يتبع)

مقالات ذات علاقة

في بلاد ليست لنا

جمعة الفاخري

نجـوم (الــقايـلـة) !!

سعاد سالم

هذاريب نص الليل

المشرف العام

تعليق واحد

محمد النعاس 15 مارس, 2012 at 17:59

مسـاءُ الخيـر // نـص جميـل ، يحكـي واقعاً يعيشه كل من ” يحتاجُ ” لبعضٍ من ” الحياة ” في هذه الممـاتُ الدُنيـا ، احتـرامي لشخصـك دُكتور عبد الدائم ..

رد

اترك تعليق