حوارات

المسرحي علي الجهاني ‏جئت إلى المسرح ماشيا على قدميّ‏

‏جئت إلى المسرح ماشيا على قدميّ‏

 

محمد الأصفر

المخرج المسرحي: علي الجهاني

الفنان المسرحي علي خليل الجهاني مسرحي ليبي معروف قضّى أكثر من أربعين سنة في ‏رحاب الفن يكتب ويمثل ويخرج.. وجاء تميّز هذا الفنان في مجال كتابة المسرحيات ‏الاجتماعية التي تمس هموم الناس وتعرض مشاكلهم وفق رؤية فنية تضيء المشكلة من ‏جوانبها جميعا..

في مسرحياته نجد الحوار البسيط والقصص اللطيفة والديكور المعبر عن ‏البيت الليبي وحميميته ودفئه.. وبالرغم من أنه يقدم الأشياء على بساطتها وكأنه يعيد إنتاج ‏الواقع إلا أنه يقدمها وفق رؤية تفصح عن الكثير وتقول المعاني التي لم تقدمها الكلمات عبر ‏اللسان والمشهدية البصرية.. إنه يقدم لنا البساطة ليغوص عبرها من دون أن يفقد متلقيه إلى ‏عمق الأشياء وجوهرها.‏

هو كاتب غزير الإنتاج، يتابع مسرحياته حتى بعد أن تعرض من خلال جمع ملاحظات ‏المشاهدين وآراء الكتاب والفنانين.. ويحضر التجارب، وبالإمكان القول إنه يرتاد المسرح ‏يوميا ولو للجلوس وتأمل الفراغ الشاسع الخالي من المشاهدين..

أحب المسرح إلى حد العشق ‏ودافع عن فنه النبيل في الندوات والمحاضرات وآمن برسالة المسرح الإنسانية الداعية إلى ‏التسامح والحوار، كاتب يتكىء على ثقافة واسعة ومتابعة كل جديد ينشر أو يعرض حول ‏المسرح. في هذا الحوار نطرح عليه مجموعة من أسئلة الحبر ليردها إلينا أجوبة ضوئية:

‏* ما الذي جاء بك إلى المسرح؟، وهل تذكر أول يوم مارست فيه المسرح؟

‏ -لا تضحك إذا قلت لك: جئت إلى المسرح ماشيا على قدميّ، يدفع خطواتي إلى الأمام ‏استفهام \’ماذا يوجد داخل هذا المسرح\’؟ وماذا يمكن أن يقدم لي المسرح، لأحسّ بأن لوجودي ‏في هذه الحياة معنى؟.

كانت تجربتي الأولى، عندما كنت طالبا في المرحلة الابتدائية، وكان ‏يستهويني تقليد الآخرين، ليس في طريقة حديثهم أو مشيهم أو حركة أيديهم، وإنما تقليدهم في ‏كيفية التعبير عن مشاعرهم وأحاسيسهم، وما يمكن أن يحدث نتيجة سوء التفاهم، الذي عادة ما ‏يحدث بينهم، فكنت أشارك بكل ذلك في احتفالات المدرسة التي كنت أتعلم فيها، ثم كانت ‏مرحلة النشاط الفني المتكامل داخل الأندية، فكنت عام 1969 أحد أعضاء الفريق الفني بنادي ‏النجمة الرياضي الثقافي الاجتماعي، ثم انتقلت منه إلى المسرح عام 1970 ثم في عام 1971 ‏أصبحت عضوا في المسرح الحديث بمدينة بنغازي، وكان يضم بعضا من زملاء دراستي، ‏جئت إليهم ملتمسا أن أجد فرصتي في التمثيل، فمثلتُ أول مسرحية كان اسمها \’عباد الشمس\’ ‏التي ألفها عبد الله علي خليل وأخرجها علي السنوسي بو جناح، ومن المسرح الحديث عُرِفت ‏كممثل وكاتب ومخرج. ‏

* أنت كاتب \’شعبي\’ قريب من الناس.. أي أنك تتناول قضايا الشارع خاصة الاجتماعية ‏منها.. ورغم ثقافتك الواسعة وقراءاتك العديدة للمسرح العالمي لم نر لك أعمالا مسرحية بها ‏أجواء شكسبير وبريخت وصامويل بكت وابسن وألفريد فرج وسعد الله ونوس وغيرهم من ‏مسرحيي العالم المشهورين مثلما يفعل العديد من المسرحيين الليبيين.

هل في هذا الأمر تحيز ‏وحب للمحلية ولمحاولة خلق مسرح يخصنا أم أنه عجز عن التعامل مع الأدب والمسرح ‏العالميين وصعوبة تجدها أمامك في توظيفهما؟

‏- قد يكون في هذا السؤال بعض اللبس فليس ثمة كــاتـب شعبي، وكاتب من نوع آخر، ‏أمر من اثنين، فإما أن يكون ثمة كاتب وإما لا يكون، وعندما أقول كاتبا، فإنني أعني بذلك، ‏الذي يتفاعل مع أفكاره هو والتقاطاته ويعبّر عنها بأحاسيسه ومشاعره ووجهات نظره، وليس ‏الذي يتفاعل مع أفكار الآخرين ويستحضر التقاطاتهم، ويحاول أن يقنع أحاسيسه ومشاعره بها ‏فيلجأ إلى تنميق الجمل والإغراق في الاختيار والبحث عن المفردات، التي قد تعوض النقص، ‏الذي يحدث نتيجة عدم توافق أحاسيس ومشاعر شخص مع أفكار والتقاطات شخص آخر، أما ‏فيما يتعلق بتناولي لقضايا الشارع.

فإنني أرى أنها ليست قضايا الشارع، بل هي قضايا ‏الإنسان وهمومه، وهو المعنيّ بالمسرح، لأن للمسرح عرضا، له أوان وتوقيت، المسرح هو ‏لسان حال الانسان بهمومه وقضاياه.

والعرض المسرحي هو نوع من التأريخ وكتابة مراحل ‏الإنسان، فأنا لا أحتاج إلى أجواء \’شكسبير\’ وإنما أحتاج إلى أن أتعلم كيف كان \’شكسبير\’ ‏صادقا في التعبير عن أفكاره ولست في حاجة إلى \’بريخت\’ ليدلني على ما يعانيه الإنسان، ‏وإنما في حاجة إلى أن أتعلم منه كيف يستطيع أن يخلق تواصلا مع الإنسان.

وكل هذا لم ‏يمنعني من أن أتعامل مع نص \’لبكت\’ هو\’شريط كراب الأخير\’ وقمت بإعداده نصا ذا صبغة ‏محلية. فالمحلية هي بداية الطريق للوصول إلى العالمية، وكل ما قلته لا ينفي صلتي بالأدب ‏العالمي، فأنا دائم الإطلاع والتواصل معه، لكي أتجدد دائما.‏

‏* أنت تبدع المسرحية وتراجعها وتضع اللمسات الأخيرة عليها وتدفع بها إلى مخرج ‏ليقدمها.. لكن تفاجأ أثناء العرض بأن هذا النص قد شوّه بحذف بعض المشاهد أو بالخروج ‏عن النص أو بأي شيء آخر، بماذا تشعر حين يحدث ذلك؟ ‏

-النص يشكل عنصرا من بين عناصر أخرى، هي مقومات العرض المسرحي، ويأتي بعد ‏النص والمخرج والممثلين والمناظر والمكملات والمؤثرات، ثم المشاهد.

ولكن يظل النص هو ‏الأساس، هو البذرة التي تنبت منها زهرة العرض، وتشويه النص هو حالة من القصور لدى ‏المخرج تعود إلى عدم فهم النص فهما جيدا، أو إلى نقص في إمكاناته الفنية الإخراجية في ‏معالجة مشهد ما، ووضعه في حالة مشهدية يمكن أن تصل إلى المشاهد، وعندما يحدث ذلك ‏يلجأ المخرج إلى الحذف والتشويه غير المنطقي وغير المحبب بالنسبة إليّ.

أما فيما يتعلق ‏بارتجال الممثلين، فذلك راجع إلى أن أغلب الممثلين يلجؤون إلى الخطاب اللفظي، لإيصال ‏أدوارهم، وإذا عجزوا عن التعبير الحسي حينها يقومون بتمثيل الشخصيات، يشعرون بفؤاغ ‏فيلجؤون إلى تعبئته بالارتجال، وهذا في الحقيقة عار، أتمنى أن يتخلص منه ممثلونا، وأن ‏يتعلموا كيف يكون التمثيل ويدركوا معنى الـ \’دراما\’.‏

‏* هناك مسرح تجاري وهناك مسرح سأسميه مسرحا ثقافيا وهو الذي يقدم المسرحيات ذات ‏الرسالة السامية.. لكن المسرح التجاري هو الذي يعمل وتستمر عروضه بينما المسرح الذي ‏لديه قيمة فنية لا تستمر عروضه إلا خلال مهرجان أو ليومين فقط.. ما رأيك؟ وهل العيب ‏في المسرح أم في المشاهد؟

‏- يقول \’ لوركا\’ في جميع المسارح من أوضعها إلى أرفعها وأكبرها يجب أن تكتب كلمة \’فن\’ ‏وإلا كُتِبت كلمة تجارة أو كلمة أخرى، لا أجرؤ على ذكرها، وتأتي هنا في سؤالك وتقول ‏مؤكدا: \’هناك مسرح تجاري، وهناك مسرح ثقافي\’..

لا.. في الحقيقة، لا يوجد شيء اسمه ‏مسرح تجاري، فالمسرح مسرح، وإن اختلفت أساليب تقديم الأعمال أو أشكالها أو مدارسها، ‏ويظل في النهاية مسرحا، وغير ذلك يكون شيئا آخر غير المسرح، ولا يمكننا أن نسميه ‏مسرحا، أما من حيث من يستمر أو لا يستمر ، فهذا يتوقف على نوع العمل المقدم أو ‏المطروح والكيفية التي يُقدَّم بها.‏

* لدينا في ليبيا العديد من الفرق المسرحية لكن معظمها من دون مسارح تمارس فيها ‏نشاطاتها.. كيف تتكون فرقة مسرحية من دون خشبة مسرح؟ وماذا تقترح لحل هذه المعضلة؟

‏- هذه حقيقة وفي المدينة التي أعيش فيها \’بنغازي\’ لدينا أكثر من فرقة مسرحية، لا يوجد ‏لديها مقر، فهي بذلك مجرد فرقة مُنِحت ترخيصا لمزاولة النشاط الفني، وقد تزاوله لمدة ‏قصيرة أو لمدد متباعدة، وتصطاد المهرجانات، لتشارك فيها، أو تمنح الحق لآخرين كي ‏يشاركوا باسمها وترخيصها.

ومثل هذه الفرق عادة ما تكون مستنداتها وأختامها في حقيبة ‏مؤسسها، الذي في العادة يكون مديرها، وهذا النموذج من الفرق المسرحية كان مسيئا إلى ‏المسرح ومضرا به، أكثر من كونه ذا فائدة، فلا أعضاء ولا مقــر ولا خطة فنية ولا مكتب ‏فني لديه، وإن وُجِد كل هذا، فهو في رسائل ومراسلات تظل حبرا على ورق، لا يجدي نفعا.

‏ولكن هذا لا يمنع من وجود فرقة أو اثنتين لهما تاريخهما الفني ورصيد من الأعمال الجيدة ‏والمشاركات الفعالة، ومثال ذلك، فرقة المسرح العربي الموجودة في بنغازي الآن ولها تاريخ ‏مجيد ومشرف في ساحات العطاء الفني المسرحي.‏

‏* في النهاية نريد كلمة جميلة منك للقراء عن المسرح ورسالته الخالدة. ‏

‏- آهٍ أيها المسرح.. يا من بقيت لوحدك نبضا حيا وعرقا حقيقيا وأنفاسا تخلق التواصل ‏الحسي لتكتمل الدائرة، يا من بقيت تعلن عن وجودك في كل مكان رغم أن الماضي صار ‏تاريخا وذكرى، يا من بقيت للإنسان موروثا سحريا دافئا لإنسان قفز من جاهليته إلى حالة ‏وعي، ليصنع أنوارا ستبقى مضيئة، كلما فتحت ستارة لتبدأ الأحداث، يا من جئتنا من قبل ‏الميلاد، من حضارة \’هوميروس \’ و\’هزيود\’ و\’هيرودت\’ و\’سولون\’ يا من جئتنا منذ ذلك ‏الزمان، كم أنــت ساحر وجميل.‏

مقالات ذات علاقة

سراج الدين الورفلي: نحن في مرحلة حرجة لأننا خائفون، وطالما نحن نشعر بالخوف فالحرب لن تتوقف، علينا أن نمتلك الجرأة لكي لا نقول كلمتنا الأخيرة

رامز رمضان النويصري

الشاعر “عبدالحفيظ العدل”: المزاج العام للقارئ ودور النشر، يدفع إلى كتابة الرواية

رامز رمضان النويصري

د.محمد قصيبات: الترجمة تجربة أتمناها لكل كاتب مهما كان مستواه اللغوي

مهنّد سليمان

اترك تعليق