لست أدري هل من دلالات لاختيار محمد حسن يوم 17/12/2017 م موعداً للمغادرة ؟؟ !!
آسف ، كان يجب أولاً أن أقدم لنفسي ، من مواليد الستين ، لست موالياً للقذافي، أي أنني لست من أعضاء اللجان الثورية، ولم أكن يوماً أمين مؤتمر شعبي أو لجنة شعبية، ولم أكن يوماً موظفاً بمكتب شعبي للاتصال الخارجي، ولم أتولى إدارة سوق شعبي ولم اتورط بعجز مالي لأحرقه في آخر الليل وأحمل المسؤولية للماس الكهربائي … !!
لا أحب معمر ولا أحقد عليه لعدة أسباب، أولاً لأنني لا أعرف أصلاً الحقد على أحد ، ثانياً لأنني اكتشفت بعد الإطاحة به أنّ من جاء بعده إمّا أنّه كان صورةً باهتةً عنه أو أنّه كان أسوأ منه بمراحل ! ، ثالثاً قناعة تولّدت لدي بعد 2011، بأن الشعوب هي التي تخلق رموزها وتشحنها بما تراكم في جيناتها وثقافاتها وموروثها الممتد في أعماق تاريخها ..
لذلك ليس لأحد أن يصنفني أو يحسبني على أحد .. حين أعترف أنّ موت محمد حسن قد أوجعني ، وأوجعني أكثر ما قوبل به من قبل الأغلبية من تجاهل ومن البعض الأقلية من ازدراء ..
محمد حسن فنان كما سائر الفنّانين في العالم ، له قناعاته التي من حقنا الاتفاق معه تجاهها، ومن حقنا رفضها واعتناق قناعاتنا الخاصة، فمحمد حسن الذي لا أعرفه شخصياً، ولم أره يوماً إلاّ من خلال التلفاز، لم يهتف على الملأ شنقاً في الميدان يا قايد !! ولم يهتف صفّيهم بالدم، ولم يصيح في ردهات الجامعات اطلع يا خفّاش الليل جاك السابع من إبريل !
لم يحرّض على القتل، ولم يتدلّى من جثث المشنوقين في الميادين العامة والمدن الرياضية، لم يبصق على الأرواح وهي تغادر عالمنا نحو مجاهلها التي تنتظرها .. ولم يجنِ ثمن ذلك بعثة إلى الخارج، أو وزارة أو سفارة .. لم يكن لديه سوى عود يحتضنه بحنو كما تحتضن الأم وليدها، يداعبه بأنامله البارعة فينتج شجناً وحنيناً وألَقاً لمن لم تمت أرواحهم بعد، ولم تندلق أحاسيسهم في مسارب العيش، ولم تغادرهم الدهشة إلى مضامير الحياة اليومية ..
لم يكن لديه سوى أنامل تحتضن كلمات المبدعين، فرحات فضل، سليمان الترهوني، وغيرهم ممن لا أذكر، فيعيد كتابتها بصوته الدافئ الذي تختلط فيه الرجولة مع الحنان، والقوة مع الرقة في وصفة سحرية عصية على الوصف ونادرة التواجد في تاريخ الشعوب ..
غادر محمد حسن يوم الفراغ السياسي العظيم، وأوحى إلينا موته أن أمةً بلا رموز، بلا ثقافة، بلا تسامح ليس لها أن تكون سوى مستنقعاً من الحقد والكراهية منبتاً خصباً للإرهاب والتطرف ..
رحل محمد حسن بعد أن أسس لفن رفيع وراقٍ في زمن انحطاط الفن العربي وتحوله إلى حفلات راقصة لعرض الأزياء ..
رحل محمد حسن ولا يضيره أنه غنّى للقذافي، فالسياسة تزول والفن خالد لا يبلى، رحم الله فنان الشعب، رفيق جيلنا الذي غنانا بهجة الحب، ولوعة الفراق، وهسهسة نخيلنا وخطى جمالنا، ورسوم نجوعنا وخلّد مدننا وقرانا في ملاحم حتماً سيذكرها التاريخ حينما تهدأ هذه العاصفة .
___________