تقارير

في أسواق ليبيا «سلاح ومخدرات ونخاسة» والكتب ملاحقة ومصادرة

بوابة الوسط

انضم كتاب «شمس على نوافذ مغلقة» إلى قائمة طويلة من الكتب التي يمنع تداولها في ليبيا لكتاب ليبيين، أثار آخر الملتحقين بقائمة الأعمال الممنوعة جدلاً واستياءً بمواقع التواصل الاجتماعي لاعتبار البعض نصوص الكتاب خادشة للحياء، برغم عدم اطلاع أغلب المنتقدين على محتواه بشكل عام، ليتخطى الأمر الانتقاد ويصل إلى الشتم والسب وحتى التهديد بالقتل وخطاب التحريض من بعض المشايخ التي تنتمي إلى التيار السلفي في البلاد، والتي ترى في نصوص الكتاب دعوة إلى فساد الدين الإسلامي ونشر الرذيلة في المجتمع.

كتاب شمس على نوافذ مغلقة

يضم الكتاب مجموعة مختارة من النصوص لمجموعة كبيرة من المواهب الشابة الليبية، منها القصة القصيرة والرواية والنصوص الشعرية، النصوص التي أثارت الجدل كانت للكاتب والصحفي الليبي «أحمد البخاري» لوجودها في مقدمة العمل، ربما لو كانت في المنتصف أو آخر الكتاب لما انتبه لوجودها أحد في بلاد يصل معدل القراءة فيها 26 % ومتوسط ساعات القراءة 18 ساعة سنويًا، وعدد الكتب المقروءة فيها عشرة كتب فقط، مع الأخذ في الاعتبار أن عدد السكان يصل 6.278.438 ومعدل إلمام البالغين بالقراءة والكتابة 91 %، وفقًا لتقرير أعدته مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم بالشراكة مع المكتب الإقليمي للدول العربية «برنامج الأمم المتحدة الإنمائي» للعام 2016.

والمفارقة الحقيقة كان في بيان الهيئة العامة للثقافة في ليبيا التي اعتبرت نص «البخاري» نموذجًا سيئًا عن الثقافة والأدب في ليبيا ويعمل على إفساد الحياة العامة والتعدي على القيم وينتهك الذوق العام، وهي ذات الجهة التي منحت ذات الرواية جائزة الترتيب التاني للإبداع الشبابي العام 2010 وسمحت للنص بالطباعة والنشر العام 2012 عن دار الرواد، وحضر وزير الثقافة في ذلك الوقت «الحبيب الأمين» أول حفل توقيع للعمل بالدار بمدينة طرابلس، وغادر الاحتفال مع نسخة من الرواية موقعة من الكاتب.

هذه الحقائق تدفعنا للتساؤل: هل نحن أمام هيئة ثقافة لا تقرأ النصوص المقدمة لها للطباعة والنشر والمشاركة في مسابقاتها الأدبية، أم أنها تقرأ البعض منها فقط بحثًا عن ما يستحق المنع، أو أنها تمرر كتابات هذا وتمنع كتابات ذاك؟

لكل عهد مقص رقيب خاص به

ولم يختلف وضع الرقابة قبل وبعد ثورة 17فبراير، فلكل عهد مقص رقيب خاص به، فمسؤولو الرقابة على حد وصف الكاتب إدريس بن الطيب “لم يتمكنوا من إدراك أن الرقابة ليست قبيحة وسيئة وضارة بحركة الفكر والثقافة فحسب، بل أصبحت غير ممكنة بحكم تطور الاتصالات، ومصادرة الكتب محاولة يائسة لإيجاد دور بوليسي في عالم أنهى فيه وجود البوليس”.

فبينما كان يُحتفل عالميًا بأعمال الكاتب الليبي «هشام مطر» وتترجم أعماله لعديد اللغات، ويتسلم الجوائز الأدبية العالمية، كانت أولى روايته «في بلاد الرجال» محظورة من التداول في بلاده، وهي إحدى الروايات الست من القائمة النهائية التي رُشحت للفوز بجائزة «بوكر» الأدبية المرموقة لعام 2006، يعتقد البعض أن الرواية لم تكن موجودة على رفوف المكتبات الليبية لعدم وجود ترجمة عربية للعمل، ولكن السؤال الذي يعرف الجميع إجابته هو «هل كان من الممكن أن تسمح الرقابة في عهد القذافي بتداول الرواية؟».

أما الكاتبة «وفاء البوعيسي» فتعد الكاتبة صاحبة أكبر عدد من الأعمال الأدبية المحظورة في العهدين قبل 17 فبراير وبعدها، وأعمالها المحظورة هي رواية «للجوع وجوه أخرى» التي تحولت بسببها البوعيسي إلى لاجئة في هولندا بعد حملة تكفيرية من قبل مساجد في بنغازي وإصدار فتوى ضدها، و«رواية فرسان السعال» التي تسرد تفاصيل حياة المقاتلين العرب الأفغان الذين تطوعوا للجهاد بأفغانستان خلال الاجتياح السوفييتي، ورواية «توليب مانيا» التي تتناول حكايات طالبي اللجوء في فترة ما بين 2008-2007 هربًا من جحيم بلدانهم، ويعتقد البعض أن الرواية تحتوي على جزء توثيقي لسيرة الكاتبة الذاتية بداية من تكفيرها بسبب روايتها الأولى، وصولاً إلى رحلة تقديم طلب اللجوء، ذاكرة الأسماء الحقيقية والتواريخ والأماكن، الرواية الوحيدة التي يتم تداولها في ليبيا هي رواية «نعثل» التي كتبت العام 2007 ومنعت بدورها في عهد القذافي ولم تر النور إلا العام 2011، وصدرت عن دار نشر الرواد.

ومنعت رواية «العلكة» للكاتب «منصور بوشناف» العام 2008 والتي كانت تحمل اسم «سراب الليل» في نسختها العربية، وحملت اسم «العلكة» بعد ترجمتها إلى الإنجليزية العام 2014، ومنعت أيضًا من التداول بعد ثورة 17 فبراير، الرواية ترشحت لجائزة «Emerging Voices» الأميركية لأدب آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، وتم اختيارها في أغسطس 2014 ضمن مجموعة من الأعمال الأدبية العالمية لتوزيعها مجانًا في القطارات بمدينة لندن، كما ترشحت الرواية ضمن قائمة جائزة سيف غباش – بانيبال للترجمة الأدبية للعام 2015، وهي جائزة سنوية تُمنح لمترجم (أو أكثر) عن ترجمة منشورة لعمل أدبي كامل من العربية إلى الإنجليزية.

ولم تكن رواية «العلكة» العمل الوحيد لبوشناف الذي تطالها الرقابة، فمسرحية «عندما تحكم الجرذان» التي كتبها وهو في المرحلة الثانوية كانت لها صدى أكبر على بوشناف شخصيًا؛ حيث تسببت في سجنه لمدة 14 عامًا في سجون القذافي.

أما القاص «أحمد يوسف عقيلة» فمنعت قصة له بعنوان «نظريات» العام 1999، واستُبعدت من مجموعته القصصية «الخيول البيض»، ويقول عقيلة عن سبب المنع “سبب المنع هو العنوان «نظريات»، لم يكن هناك في ذلك الوقت سوى نظرية واحدة”، في إشارة إلى نظريات الكتاب الأخضر لمعمر القذاقي.

واقتيدت الكاتبة الليبية «نجوي بن شتوان» لنيابة الصحافة بسبب قصتها «فخامة الفراغ»، بن شتوان التي استطاعت أن تصل للقائمة القصيرة لجائزة «البوكر» بروايتها «زرايب العبيد»، وتم التحقيق مع الكاتبة «رزان المغربي» العام 1998 في تجربتها الأولى مع الرقابة بسبب قصتها الساخرة «فئران التجارب».

عن المصدر

ولم تمنح الرقابة موافقتها أيضًا على كتاب «سجنيات» للقاص والمترجم «عمر الككلي» العام 2010، يقدم الكتاب نصوصًا سردية حول تجربة الحياة بداخل السجن، وقضى الككلي ما يقارب عشر سنوات في سجون الرأي في عهد القذافي.

وتقول الباحثة والكاتبة فاطمة الغندور “لم نستطع الاطلاع على 12 إصدارًا للمركز الليبي للمحفوظات والدراسات التاريخية، وتم نقلها بشكل مباشر من الميناء إلى الرقابة ومنها إلى مخازن الشمع الأحمر، من بينهم كتابان لي وهما «نساء خارج العزلة» و«حاملات السر»، يجب أن نناضل لمبدأ ألا يطال الكاتب والكتاب في بلادنا المنع والحجب والمصادرة بمزاج من يدّعون الدراية والمعرفة بما ينشر ولا ينشر، ويفرزونه بشكل إرهاب فكري يحمل أيدلوجيا متطرفة أو استقواءً بسلاح، فأول وزارة ثقافة في تاريخ بلادنا للوزير «عطية الأوجلي» قد ألغت إدارة رقابة المطبوعات وصدرت عشرات الكتب برقم إيداع فقط من المكتبة الوطنية ببنغازي طبعت ووزعت وبيعت”.

ويقول الكاتب سالم العوكلي في مقال نشره تعليقًا على حادثة منع كتاب «شمس على نوافذ مغلقة» “حين بدأت ثورة فبراير أعلنت أهدافها الكثيرة، أما أنا ككاتب فكان لي هدف واحد، وهو حرية التعبير وإلغاء المؤسسة الأمنية البشعة “رقابة المطبوعات”، لكني اكتشف من خلال الردّ البائس لرئيس اللجنة التسييرية للهيئة العامة للثقافة، أنها مازالت تعمل على قدم وساق ومازالت تنوي ملاحقة الكتب ومصادرتها في وطن يدخله السلاح والمخدرات والإرهابيون وسموم الأرض بكل سلاسة، بل ويُستشهد في الرسالة بقانون رقم 76 الصادر في العام 1972 الذي قُتل وسُجن ونُفي بمساهمته معظم الكتاب والمثقفين الليبيين، العام 1973 وما بعده، بل إن بعضًا من شنقوا في الميادين استخدم المدعي العام بعض ما ورد في هذا القانون لدعم مرافعته ومطالبته بحكم الإعدام”.

مقالات ذات علاقة

أيقونة “الخزف”.. ألوانٌ تتوهّج على قمم “نفوسة”

المشرف العام

حوش الصابون تُسترد فيه الحياة من جديد

مهند سليمان

حقوق تائهة يفوز بالخلال الذهبي

المشرف العام

اترك تعليق