(1)
في كتابه الرابع الشهير، والذي خصص معظمه للحديث عن «ليبيا» قبل ثلاثة آلاف سنة من الآن، يقول المؤرخ الإغريقي الشهير “هيرودوتس” عن مجيء الإغريق إلى ليبيا، وفي الفقرة (158) بالذات، الآتي:
(2)
«سكن الإغريق هذا المكان ست سنوات، وفي السنة السابعة وعدهم الليبيون بأنهم سيقودونهم إلى مكانٍ أفضل، واتجهوا بهم غرباً، وعندما وصلوا بهم إلى عينٍ تسمى «نبع أبوللو» قالوا لهم: أيّها الرجال الإغريق هنا، من الملائم لكم أن تسكنوا، لأن السماء هنا قد ثُقبت».
(3)
«الجيلجامي»، أيها السادة، قبيلة ليبية قديمة، وجدت أن الإغريق الغزاة قد وطئوا أرضها، وعندما ضاقت بهم، قررت أن تقودهم إلى مكانٍ آخر، فسار بهم رجالها إلى حيث مدينة شحات الحالية، وأخبروهم أن هذا المكان يلائمهم لأن السماء هنا ممطرة طيلة العام، وهذا ما تعنيه عبارة «السماء هنا قد ثٌقبت».
(4)
«الجيلجامي»، أيها السادة، تصرفت بمنطق وطن القبيلة، لا قبيلة الوطن، إن رجالها اعتبروا أن حدود الوطن هي مضارب القبيلة، وأن ما يتجاوز هذه المضارب هو أرض لا علاقة للوطن بها، لذلك، قادوا الغزاة بعيدًا عن أرضهم، معتقدين أنهم بذلك يخرجونهم من الوطن.
(5)
هذه هي مشكلتنا اليوم، وهذا ما يجب أن نعيد قراءته ألف مرة كل يوم.
(6)
ما يحدث الآن في ليبيا هو إعادة حرفية لما كتبه “هيرودوتس” ذات يوم، إن الليبيين اليوم يعيدون كتابة تاريخ «الجيلجامي» من جديد.
(7)
تاريخ «الجيلجامي»، هو ثقافة تقول أن الوطن هو حدود مصالحنا، وأن الوطن هو رداء نفصله على مقاييس نزواتنا ورغباتنا، وأن الوطن هو حدود مراعي مواشينا، وما بعده هباء منثور، وأن الوطن هو مصالحنا الخاصة، وأحلامنا بالثروة، وأطماعنا بالسلطة، وما عدا ذلك هو وطن لا يعنينا في شئ. أليس محزناً أن نعتنق ثقافة «الجيلجامي» بعد ثلاثة آلاف سنة من موتها ؟!
تعليق واحد
وضعت يدك علي الجرح النازف وأصبت كبد الحقيقة …..سلمت يداك