عزيز باكوش | المغرب
التأمت بفاس زوال الجمعة 19 يناير 2024، نخبة من رجال الصحافة والإعلام وتجارب حية من النسيج المدني المستنير، في استضافة نوعية من طرف الشبكة الوطنية للقراءة والثقافة للإعلامي والصحفي القدير الأستاذ حسن اليوسفي المغاري، الإعلامي الباحث في مجال الإعلام والاتصال، الكاتب العام ثم مدير الدراسات سابقا بالمعهد العالي للصحافة والإعلام بالدار البيضاء، وذلك بفضاء المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين في محاولة للإجابة عن مجموعة أسئلة من قبيل “هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يعزز دور القراءة والثقافة كتحد للحفاظ على التراث الثقافي والهوية؟ كيف يمكن الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي للارتقاء بالفعل القرائي عموما ولدى الناشئة على نحو خاص؟ اللغة العربية والذكاء الاصطناعي أية علاقة؟ وهل من آثار سلبية للذكاء الاصطناعي لاسيما في إنجاز البحوث العلمية والأكاديمية؟ وهل للتكنولوجيا مساحة من الغباء؟ ما موقعنا من هذه الفورة التكنولوجية الهائلة؟ جدلية القراءة والثقافة في تكوين الشخصية؟
هذا الحدث العلمي والفكري الذي يندرج في إطار شراكة فاعلة بين الشبكة الوطنية للقراءة والثقافة والمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين وبتنسيق مع معهد إيماتيك، يعتبر تدشينا لموسم ثقافي جديد للشبكة انطلق بقراءة الفاتحة ترحما على شهداء فلسطين، تلا ذلك كلمة ترحيبية بمثابة إطار للندوة.
أثناء ذلك، أشر الدكتور محمد الزوهري مسيّر اللقاء في مدخل مستنير على ثلاث مداخلات صبت في مجملها في علاقة الذكاء الاصطناعي بالقراءة والفعل الثقافي.
د: الحسن الطاهري عن المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين، د: عبد الرحيم وهابي أستاذ جامعي، دة: فتيحة عبد الله رئيسة الشبكة الوطنية للقراءة والكتابة، ليفسح المجال للمحاضر ذ. حسن اليوسفي المغاري الذي قدم عرضا مستفيضا أثراه بصور ورسوم وبيانات.
إلى ذلك شكل موضوع “الثقافة والقراءة في عصر تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي”، محور لقاء تفاعلي مع ضيف الشبكة، الإعلامي والصحفي صاحب كتاب “جدلية السياسي والإعلامي في المغرب –علاقة الجريدة بالحزب 1930-1996 الصادر بفاس 2010، الإذاعي والصحفي عاشق فاس الملم بقضاياها وإكراهاتها إبان المرحلة. الرجل الذي خبر مكامن ومتاعب المهنة وترك بصمات قوية في إعلام القرب بفاس العالمة، بصمات شكلت صحوة بل ثورة إعلامية انطلقت من MFM سايس سنة 2007.
وإذا كانت الشبكة الوطنية للقراءة والثقافة قد نابت عن مثقفي وإعلاميي فاس في محاولة لافتة لرد الاعتبار لرجل أحب المدينة وعشقها حتى النخاع، فإن محبيها وداعميها لبوا النداء وحضروا وتذكروا واستحضروا جرأة الرجل وحساسية المرحلة.
هو الذي استضاف كبار الأوصياء على الشأن المحلي بفاس، وناقش من خلال برنامج “لقاء مفتوح” المسؤولين المباشرين على تدبير الشأن المحلي حينئذ بأسئلة المواطنين. كان على رأسهم والي الجهة الغرابي، والي الأمن عروس ورؤساء المناطق الأمنية، العمدة شباط إضافة إلى منتخبي المقاطعات وممثلي قطاعات الصناعة والتجارة والصناعة التقليدية من داخل الغرفة في لقاءات مباشرة، كان لها أبلغ الأثر في نفوس الساكنة، وكان لها ما لها، وعليها ما عليها. وهو إلى ذلك المدير الذي أطلق العنان للبرامج الحوارية السياسية والاجتماعية والثقافية بأثير وطني. لقد كان عبارة عن استوديو مفتوحا لمناقشة مشاكل وقضايا العاصمة العلمية بموضوعية وجرأة.
من هنا يحق لمثقفي فاس وإعلامييها أن يستقبلوه بحفاوة في ارتباط بموضوع أكثر راهنية وهو الذكاء الاصطناعي والقراءة الذي لا نكتفي باعتباره واحدا من أكثر المواضيع إثارة للاهتمام في عصرنا الحالي فحسب، بل لأنه بات يشكل نقلة نوعية في الارتقاء بالفعل القرائي والثقافي بالنظر إلى استخدامه لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في ظل تقدمها الهائل والمتسارع.
في هذا السياق يقول ذ المغاري إن الذكاء الاصطناعي “بات متحكما في التحليل والفهم والتعلم من البيانات بدقة عالية، ويمكنه استخدام هذه البيانات لاتخاذ قرارات بشكل ذكي. ويتمثل هذا النوع من التقنية في استخدام الخوارزميات والبرمجيات المعقدة والنماذج الرياضية للتحليل والتعلم والتنبؤ.”
وفي علاقة الذكاء الاصطناعي بالصحافة والإعلام، لم يكتف المحاضر بتقديم خارطة طريق تسير أنجع الحلول لاستخدام الذكاء الاصطناعي، بل أوضح وأبرز علامات الطريق نفسها. حيث أكد على الدور المحوري للقراءة باللغتين الإنجليزية والفرنسية.. على اعتبار أن الجديد في هذا المجال تتأثر الاستفادة منه بتأخر ترجمته إلى اللغة العربية. الأمر الذي يحتم القراءة والاطلاع المستمر والمتواصل. فقد أصبح الذكاء الاصطناعي واحدا من الأدوات الرئيسية التي يستخدمها المهنيون في هذا المجال لتحليل البيانات وتوليد المحتوى وتحسين تجربة المستخدم. ولأنه “يمتلك القدرة على تحليل البيانات بشكل أسرع وأكثر دقة من البشر، فقد بات يسمح للمحررين والصحفيين التركيز على الأخبار والتحقق من صحتها بدلا من قضاء وقتهم في تحليل البيانات والأرقام. ما يسمح باستخدام الذكاء الاصطناعي لإنتاج محتوى إعلامي بشكل تلقائي، مثل الخطابات الصحفية والتقارير والتعليقات.”
ونبه المحاضر إلى أن الذكاء الاصطناعي أداة وليس بديلا للعقل البشري. فإذا تم استخدامه بشكل صحيح، فإنه يمكن أن يحدث تحولا إيجابيا في مجال الإعلام. ويساعد على تحقيق الأهداف المرجوة. وبالقدر نفسه يمكن أن يحدث تحولا إيجابيا في حياتنا. ولكن هذه الطفرة النوعية تحتاج إلى تطوير مستمر ومسؤول وتكامل فعال مع الإنسانية. وإذا تم استخدامها بشكل صحيح، فإنها ستكون إحدى أهم الأدوات التكنولوجية المتطورة التي ستقلب العالم رأسا على عقب.” يقول ذ حسن اليوسفي المغاري. كما حذر المحاضر من العوامل السلبية في التعامل مع الذكاء الاصطناعي، الأمر الذي يتطلب معه التفكير في مدى تقنين العمل بالشكل الإيجابي الذي لا يحد من عملية الإبداع.
وتمخض عن مضامين العروض المقدمة وتدخلات الحاضرين عدة توصيات وخلاصات تلتها ذة. إيمان أضادي من أهمها: الدعوة إلى تشجيع البحث العلمي في مجال الذكاء الاصطناعي لجعله ركيزة أساسية لتوفير حلول ذكية لمجموعة من المشاكل وتوظيفها موضوعا بحثيا في المراكز المتخصصة في هذا المجال. ضرورة خلق تخصصات مهنية جديدة تسمح بتطوير الكفاءات وتسخير الذكاء الاصطناعي لتجويد الأداءات. السعي لاستثمار ناجع لآلية الذكاء الاصطناعي في الارتقاء بطرق التربية والتكوين والبحث العلمي. التأكيد على ضرورة استخدام المسؤول لتقنيات الذكاء الاصطناعي والدعوة إلى مواكبة ومراقبة استخدام الذكاء الاصطناعي بآليات قانونية خاصة. لا سيما ما يتعلق بحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي وحماية الملكية الفكرية والصناعية. ضرورة تكييف عادات القراءة الفردية مع تكنولوجيا القراءة الحديثة. الدعوة إلى استفادة الشبكة الوطنية للقراءة والثقافة من التطور التكنولوجي والذكاء الاصطناعي من خلال وضع محتوى تحليل رقمي على صفحتها وموقعها الرسمي بشكل يخدم تكوين وتأطير الشباب والناشئة. الدعوة إلى الاستفادة من خبرات الأستاذ حسن اليوسفي المغاري لتسخير الذكاء الاصطناعي لخدمة أهداف الشبكة الوطنية للقراءة والثقافة.
في الختام، وخلال فقرة تكريم المحتفى به. قدمت د. فوزية الزهراوي شهادة في حق الإعلامي حسن اليوسفي المغاري وتسليمه ذرع الشبكة كما قدم المحتفى به كلمة شكر بالمناسبة.