بوابة الوسط: محمد عقيلة العمامي
تنشر «الوسط» الجزء الخامس من ترجمة الفصل السابع عشر من كتاب «جامعة أكسفورد» بعنوان «تقاليد الرواية العربية» لوائل حسن، وهو الفصل الخاص بالرواية الليبية، الذي حرره الدكتور علي عبداللطيف إحميدة، ويترجمه محمد عقيلة العمامي.
تماماً مثل الرجال، كانت المساهمات الإبداعية للمرأة الليبية في الأدب تتمحور تقليدياً على الشعر الشعبي، وبحلول منتصف القرن العشرين امتدت إلى نثر غير روائي والقصة القصيرة؛ فالشعر الشعبي لا يحتاج إلى معرفة بالقراءة والكتابة باللغة العربية الفصحى أو النمطية. فقد تمت المحافظة على اللغة العربية من خلال المشافهة، والتواصل والتفاعل اليومي.
ومن بين أشهر الشاعرات الشعبيات السيدة فاطمة عثمان «1911- 2007»، والسيدة أم الخير عبد الدايم «1889- 1965»، التي ألفت قصائد معروفة من بعد أن اعتقلتها سلطة الاستعمار الإيطالي من «1928-1934»، و بالاضافة إليهما، هناك شاعرات أخريات، منهن مؤلفات أغانٍ مثل الكاتبة الاجتماعية ذائعة الصيت والمحررة والصحفية خدجة الجهمي «1921-1996».
مرضية النعاس «من مواليد 1949»
وتعد مؤلفة الروايتين الليبيتين الأوليين، بلا منازع: الرواية الأولى «شيء من الدفء 1966» «والمظروف الأزرق 1969» والسيدة مرضية درست القانون في جامعة بنغازي وتزوجت الصحفي الليبي الصالحين نتفه، الذي كان رئيس تحرير جريدة «ليبيا الحديثة»، وهي مجلة أسبوعية مهمة خلال العهد الملكي«1951-1969»، أما هي فعملت كمعلمة، ثم صحفية في مجلة «المرأة» التي كانت حينها مهمة للغاية، وهي التي أسستها وترأست تحريرها السيدة خديجة الجهمي.
والواقع أن روايتي السيدة مرضية النعاس كانتا قد نشرتا أولاً بمجلة المرأة، وبعد ذلك طبعتا كتابين سنة 1969.
تتناول رواية «شيء من الدفء» معاناة الشابات الليبيات في كفاحهن من أجل حقهن في مكان عام يتعارفن فيه بشباب، فيتزوجن باختيارهن! وهذا أمر كان حينها مرفوضاً تماماً.
«أمل»، بطلة الرواية، امرأة شابة تنعم بزواج سعيد من محمود ولديها طفل رضيع. ولكن وصولها إلى هذا الهناء تحقق من بعد مشوار مرهق لهذه السعادة كان مشوارًا مليئًا بالنضال وبضع أكاذيب بيضاء.
إنها تحتفظ بمذكرات تصفها بأنها طالبة جميلة وذكية تقع في حب محمود عندما كان يأتي إلى مدرستها الثانوية كمترجم لوفد أجنبي. ثم فقدت الاتصال به وتكتشف أنه تعرض لحادث سيارة وكان يعالج في مستشفى. ويسترد عافيته ويقترح عليها الزواج، ولكنها لم تستطع مفاتحة والديها، خوفاً من أن تسأل: كيف تعرفت عليه، ففي الخمسينات كانت العلاقات، وإن كانت بريئة من المحرمات، ولكن شقيقها أحمد يدعمها واتفق مع محمود على عدم البوح بمعرفتهما السابقة وحبهما لبعضهما البعض، وهكذا عندما يزور محمود منزل الأسرة ويطلب يدها كزوجة له، يستشيرها أبواها، فتوافق من دون كشف سرها.
يعتمد السرد في رواية «شيء من الدفء» على الصدفة، لكن الرسالة التي تتضمنها هي أن يعمل المرء وفق التقاليد ويحاول تطويعها مستهدفاً العثور على السعادة المنشودة.
تشبه رواية «المظروف الأزرق» روايتها السابق ذكرها، ولكن الحبكة أكثر تماسكًا. ومثل الرواية السابقة، فهي قصة فتاة صغيرة في مدرسة ثانوية، اسمها زينب، تكتب رسائل إلى مصطفى، محرر مجلة النهضة، مستخدمة اسمًا مستعارًا، هو «ابنة ليبيا».
للحبكة الروائية بعدان: الرسائل الأسبوعية وسر كاتبتها، وقصة الحب بين زينب والمحرر. محمود، عم زينب، رجل متعلم في أوروبا، يدعمها ويشجعها. لكنها تواجه معارضة تقليدية ورجعية من والديها وأشقائها وزوج اختها. هناك شخصيات أخرى: أختها سلمى، عالقة في زواج بلا حب، وصديقاتها فوزية، وفتحية وسالمة اللواتي يتعين عليهن التعامل مع أفكار أسرهن الخانقة، المتخلفة.
من الملفت للنظر أن الخيارات في روايات الكاتبة تعتمد على الرجال في مساعدة النساء وإنقاذهن. ولربما أن هذا النقد غير عادل لهذه الكاتبة الرائدة، التي قالت في مجموعتها القصصية الأخيرة: «رجال ونساء- 1993»: «إن القانون يحمي فقط مشاعر، وشؤون الرجال». روايات أخرى، ظهرت من ثمانينات القرن الماضي، كتبت بأقلام الأنثى، منها:
فوزية شلابي «1953»
وهي شاعرة، وصحفية، وتولت وزارة في عهد القذافي، وقد كتبت رواية واحدة، عنوانها «رجل واحد لرواية واحدة 1985»، ولقد أطلقت على اسم بطل الرواية اسم والدتها.
عملت، مثلما ذكرنا، صحفية، وكتبت كتباً عن الموسيقى والنقد الاجتماعي. ولعبت دوراً فيما تسمى ثورة 7 أبريل 1976 الثقافية، التي تميزت بالقمع والقتل والسجن، وطرد عديد الطلاب وتشتيت اتحاد الطلاب الليبيين من قبل ثوار نظام القذافي، فأصبحت بسبب مشاركتها وقيادتها لتنفيذها، فأصبحت، وبالتالي، عضوًا في الدائرة المقربة من القذافي واللجان الثورية، وتولت عددًا من المناصب الرئيسية في الدولة: نرأست عددًا من الصحف الرائدة، وأصبحت وزيرة الصحافة والاتصالات.
حبكة الرواية، قصة الصحفية صالحة، وصراعاتها من أجل التوافق الاجتماعي فيما يتعلق بالزواج والأسرة والمساواة بين الجنسين. وتسرد القصة من وجهة نظر صالحة، وهي امرأة متحررة شابة، قوية، متعلمة، سعيدة بشقتها وكتبها وموسيقاها واهتماماتها الدنيوية.
وتعلم من سردها أنه ليس لديها الكثير من الأصدقاء، فقط أمها وابنها وجارتها سيلفانا الإيطالية. إنها تتوق، وهي تتطلع إلى علاقة متساوية مع رجل يحترمها. وأفكار ورجال روايتها تختلف عن روايات الكاتبة مرضية النعاس، التي تبحث بطلاتها عن الرجل المناسب لتتزوجه وتحقق ذاتها. لا تفكر بطلة قصة فوزيه شلابي كثيرًا في الزواج كمؤسسة تحتاج إلى طرفين، بل إنها تتفق مع «سيلفانا» على أن الزواج شكل من أشكال العبودية للنساء.
الرجل الثائر الذي تحبه ويناسبها، هو ضابط عسكري يدعى محمد، تريد أن تكون لها معه علاقة دون زواج رسمي. ولكن في النهاية لا تحب حقيقة أنه يسعى بجد لينالها، مما يجعلها تسقطه من حاسبها. السرد يشد القارئ مهتماً، بالمنظور النسوي الجديد والجريء، في آن واحد.