صدر خلال الأيام القليلة الماضية الكتاب الجديد للمؤرّخ “مفتاح السيد الشريف” وهو يقع في 725 صفحة ويُطلب حاليا من دار نشر وتوزيع “الفرات” بيروت – لبنان
كلمة الغلاف
من سوء الطالع أن تاريخ ليبيا والليبيين، وبعد مرور أكثر من مائة عام على الإحتلال الإيطالي لها، لم يكشف النقاب عن كثير من أحداثه وزواياه، لا سيما حركة ودور المقاومة الشعبيّة ضدّه سياسيا وعسكريّا.
والمعروف أن هذا الإحتلال شهد مرحلتين الأولى منهما بدأت منذ بداية الغزو أواخر سنة 1911 واستمرّت إلى ما بعد 1920. وفي هذه المرحلة تصدّت المقاومة الشعبيّة المسلّحة للغزو بضراوة واستبسال لم يتوقّعهما الغزاة الذين، بعد ارتكابهم للفظائع الدمويّة والقتل والتهجير، لم يجدوا بُدّأ أمام سلسلة الإنتصارات التي حقّقتها المقاومة الشعبيّة إلاّ أن يجنحوا إلى طريق إسترضائها بالإستجابة لبعض مطالبها السيادية. وحدث هذا بعد المفاوضات المخادعة مع القيادات الوطنيّة في بداية الإحتلال عقب انسحاب تركيا وتوقيعها لاتفاقيّة لوزان مع إيطاليا.
ثم مواصلة الأخيرة في تطبيق مخطّط الإحتلال الشامل للبلاد، ولكن سرعان ما أرغمت قوّاتها على هزائم واندحارات، فأفضت في شرق البلاد إلى أتفاقيّات التهدئة والصلح مع السيد إدريس السنوسي لتدشّن أول إعتراف بالسيادة الوطنيّة، ولو جزئيا على قسم منها، وتأسيس أول برلمان وطني.
ولقد ساعدت بريطانيا المحتلّة لمصر على إنجازها تسكينا لجبهتها الغربيّة التي انطلقت منها هجمات المقاتلين الليبيين بقيادة السيّد أحمد الشريف ضد قوّاتها في الساحل والواحات المصريّة. وفي غرب ليبيا أعقبت الهزائم والمفاوضات إعلان الجمهوريّة الطرابلسيّة من قبل القيادات الوطنيّة (السويحلي والمريّض والباروني وبالخير) في ظل إعلان إيطاليا دستور للبلاد يلوّح بالحريّة والمساواة. وكان أصحاب هذا الإتجاه من الإيطاليين رؤساء حكومات ووزراء مستعمرات وولاة في ليبيا تحدّرو من التيّارات الإشتراكيّة والراديكاليّة والليبراليّة التي أفرزتهاالحياة السياسيّة الإيطاليّة. ولكن نيّة السيطرة والتوسّع الإمبريالي سيطرت وتغلّبت، فجرى الإرتداد والإمعان في المخططات العدوانيّة.
كل ذلك وغيره يجده القارئ لهذا الكتاب موثّقا بالتقارير السريّة والصور أغلبها ينشر بالعربيّة لأول مرّة. وسيفاجأ حتى الملمّون بالتاريخ الليبي أن المستعمرين أستخدموا الطائرة لأول مرّة في تاريخ الحروب، وأن المقاومين الليبيين أسقطوا أول طائرة فيها..
وقد جهد مؤلّف هذا الكتاب لكي ينقّب عن هذه الخفايا ويثابر على جمعها وتبويبها منذ خمسين سنة خلت عندما عمل في إيطاليا، على الرغم مما فرضته حكوماتها المتعاقبة، وما زالت، من حظر وتغييب لها، عساه أن يضيئ به زوايا معتّمة من تاريخ ليبيا المجهول لدى الكثيرين. أما المرحلة الثانية التي تنتهي في أوائل الأربعينات من القرن الماضي، فقد سجّلت عسف الفاشيست وبطشهم بالمقاومة وقادتها، وهو موضوع الكتاب القادم من هذه السلسلة التاريخيّة.