الشاعر أحمد سويلم يغوص في تراثنا العربي ويلقى الضوء على جذور عدد من الملامح تعد بمثابة المحاور الممتدة خلال جسر الأمة العربية.
ميدل ايست أونلاين
كتب ـ أحمد فضل شبلول
يتساءل الشاعر أحمد سويلم: لماذا اتهمت الأمة العربية بالتخلف؟ ولماذا ساد تاريخ العرب الطويل نزعات غريبة مثل الشعوبية والزندقة والتعصب، فكانت ذريعة للمستشرقين يتسللون من خلالها إلى قلب الأمة العربية يلوثون دماءها، ويحاولون قتل نبضاتها بأوهام كثيرة .. يتصيدون فيها كل ما يؤكد جهالة العربي وضعفه وبعده عن صنع الحضارة الباقية؟
وللإجابة عن مثل هذه الأسئلة والوصول إلى الصورة الحقيقية عن الشخصية العربية، غاص الشاعر أحمد سويلم في تراثنا العربي وألقى الضوء على جذور عدد من الملامح، بلغ عددها ثلاثين ملمحا، تعد بمثابة المحاور الممتدة خلال جسر الأمة العربية فيها من الشمول ما يلم شتات الفكر، ومن العمق ما يؤكد تفرد الشخصية العربية، وفيها من التآلف ما يكوّن منظومة الحضارة الخالدة، وذلك عبر كتابه “الشخصية العربية في التراث الأدبي” الصادر عن دار العالم العربي بالقاهرة وجاء في 318 صفحة من القطع المتوسط.
وأول هذه الملامح في الشخصية العربية كان ملمح الفروسية العربية التي جمعها المتنبي في بيته الشهير:
الخيلُ والليل والبيداء تعرفني ** والسيف والرمح والقرطاس والقلم
حيث لم تكن الفروسية العربية إلا مظهرا من مظاهر فتوة العربي، وملمحا من ملامح حياته التي يعيشها، واستجابة لظروفه الاجتماعية والنفسية.
وفي ملمح الشعور بالانتماء للأرض العربية نجد ابن الرومي يقول:
ولي وطنٌ آليت ألا أبيعه ** وأن لا أرى غيري له الدهرَ مالكا
وقد ضامني فيه لئيم وعزَّني ** وها أنا منه معصمٌ بحبالكا
ويختم سويلم هذا الملمح بأبيات خليل مطران التي يقول فيها:
يا أمة العرب التي هي أمنا ** أي الفخار نميته ونماكِ
يمضي الزمان وتنقضي أحداثه ** وهواك منا في القلوب هواكِ
ويدلي سويلم برأيه في قضية “الصعلكة في العصر الجاهلي” باعتبارها ملمحا من ملامح التراث العربي، ويرى أن الصعاليك كانوا يكونون طبقة متميزة من طبقات المجتمع الجاهلي، وفي شعر الصعاليك صور كثيرة للغارات والمواقف التي يرفضون فيها الفقر والجوع والخلل الاجتماعي الذي كان سائدا في زمانهم. وفي هذا يقول زعيم الصعاليك عروة بن الورد:
إذا المرء لم يبعث سواما ولم يُرَح ** عليه ولم تعطف عليه أقاربه
فللموت خير للفتى من حياته ** فقيرا ومن مولًى تدب عقاربه
وهكذا يتجول بنا أحمد سويلم في بستان التراث العربي مؤكدا على الملامح الغنية للشخصية العربية متوقفا عند الحضارة العربية بين التأثر والتأثير، والمرأة في عيون الرجل العربي، والطفولة العربية ونظرية التربية، ونظرية الجمال عند العرب مؤكدا أن العلماء يجمعون على أن الشعر أجمل من النثر لأنه من عفو البديهة، وهو أصفى غرضا، ولكنه أبعد عن العقل وأقرب إلى الروح، وأدنى من الحس، أما النثر فهو أشفى غليلا ولكنه أقل اقترابا من الحس، وهو من قبيل العقل.
ومن صفحات الجمال العربية أن الشاعر يشبه المرأة بالقمر فيقول:
وبدت لميسُ كأنها ** بدر السماء إذا تبدَّى
وأحيانا يشبهها بالسيوف البيض والسمر فيقول:
خلقنا لهم في كل عين وحاجبٍ ** بسمر القنا والبيض عينا وحاجبا
كما يتعرض سويلم للفكاهة عند العرب، ويتوقف عند شخصية جحا، الذي يمثل النموذج الضاحك المبكي، ويعطينا صورة فريدة من الفكاهة بكل أبعادها وألوانها، وبطرفيها المتباعدين: الكوميدي والمأساوي.
كما يشير إلى كتاب “البخلاء” للجاحظ، وشخصية أشعب، والشاعر أبوالعيناء وغيرهم.
وعن الحب المثالي والعاطفة العربية توقف عند شخصية مجنون ليلى وكتاب “طوق الحمامة” لابن حزم الأندلسي، والمرقّش الأكبر وأسماء، والمرقّش الأصغر وفاطمة، والمخبّل وميلاء، وديك الجن وورد، وغيرهم. يقول ديك الجن عن ورد:
وردية الوجنات يختبر اسمَها ** من ريقِها من لا يحيط بخُبرها
تسقيكَ كأس مدامةٍ من كفها ** ورديةً ومدامةً من ثغرِها
ومن العاطفة العربية إلى الغناء والإنشاد في المجتمع العربي، والرحلة والسفر من أجل المعرفة، والحروب عند العرب، والتقاليد الأدبية في الإبداع العربي، والفراسة عند العرب، وهي “الاستدلال بالأحوال الظاهرة في الأخلاق الباطنة”.
كما يستعرض سويلم ملامح الصداقة في الفكر العربي، وفي ذلك يقول ابن الأعرابي:
أُغمِّضُ للصديقِ عن المساوي ** مخافة أن أعيش بلا صديق
ومن المشهور في قول النابغة:
ولست بمستبقٍ أخا لا تلُمُّه ** على شعثٍ أيُّ الرجالِ المهذبُ
ومن ملامح الصداقة إلى نزعة الزهد في المجتمع العربي وقول سابق بن عبدالله المعروف بالبربري، وهو شاعر الزهد الحقيقي في العصر الأموي:
أموالُنا لذوي الميراثِ نجمعُها ** ودورُنا لخرابِ الدهرِ نبنيها
والنفس تكلفُ بالدنيا وقد علمت ** أن السلامةَ منها تركُ ما فيها
ويستعرض سويلم الأمثال والحكم العربية، والبطولة العربية، وملامح المديح الأدبية، ويتوقف عند الحب الإلهي عند العرب وأبيات ذوالنون المصري التي يقول فيها:
حسب المحبين في الدنيا بأن لهم ** من ربهم سببًا يُدني إلى سببِ
قومٌ جسومهم في الأرض سائرةٌ ** وإن أرواحَهم تختال في الحجُبِ
يا رب يا رب أنت اللهُ معتمدي ** متى أراك جهارا غير محتجبِ
كما يستعرض ما قاله الشبلي، والجنيد، ورابعة العدوية، وابن الفارض، والحلاج، وابن عربي، والسهروردي، وفريد الدين العطار، وغيرهم.
ومن الحب الآلهي إلى الطبيعة والشخصية العربية، والمطر في الحياة العربية، والحيوان في البيئة العربية، كما يستعرض النجوم والفلك في الشعر العربي، وها هو ذو الرمة يقول:
فقلت اجعلي ضوء الفراقد كلها ** يمينا ومهوى النسر عنها شمالك
ويعرج سويلم على الأسواق العربية القديمة، وأدب السخرية عند العرب (وكان قد تعرض للفكاهة عند العرب في ملمح سابق) ويقول عن السخرية إنها لون من ألوان الفكاهة عرفه الإنسان منذ القدم، ينطوي على العبث والتهكم والهجاء اللاذع.
ويتوقف عند الفن والمعمار العربي ويقول: الحق إننا لا نعرف كثيرا عن الفن بمفهومه العملي قبل ظهور الإسلام، وإن كانت أخبار العرب تدل على أنهم كانوا يتمتعون بذوق وإحساس فني، جعلهم فيما بعد يتذوقون حلاوة وإعجاز القرآن الكريم.
ويرى أن الفن الإسلامي تطرق إلى مختلف المجالات من تخطيط المدن، إلى آثار معمارية شامخة ورائعة، إلى فنون تشكيلية وزخرفية وتطبيقية، مما يشهد على تفوق العرب المسلمين في هذا المجال، وتجلَّى ذلك في قصائد الشعراء وفي وثائق أخرى نثرية تصف جمال هذه العمارة.
وبعد الفن والمعمار العربي يتناول الكاتب نزعة الحزن والرثاء عند العرب، حيث يرتبط الحزن بالرثاء، وهو عند العرب أيضا امتزاج واحد. والرثاء عند العرب هو الغناء الحزين على فقد حبيب أو نسيب أو سيد كريم. وفي ذلك يقول أوس بن حجر وهو يرثي فضالة بن كلده الأسدي:
أيتها النفس أجملي جزعا ** إن الذي تحذرين .. قد وقعا
إن الذي جمع السماحة والنجدة والحزم والقوى جُمعا
الألمعي الذي يظن لك الظنَّ كأن قد رأى وقد سمعا
ويختم الشاعر أحمد سويلم كتابه القيم “الشخصية العربية في التراث الأدبي”، وينهي هذه السياحة الأدبية في تراثنا العربي، بمحور أدب البحر في الإبداع العربي، وهو محور مهم يضم الأسطورة والملحمة والشعر والحكاية الشعبية وأدب الرحلات البحرية والقصة والرواية، وهو موضوع خصب كتب فيه كثيرون في الأدب العربي والأدب العالمي، لأنه متصل بالحضارة الإنسانية بوجه عام.