المقالة

الحاجات الإنسانية والاتزانية الاقتصادية

من أعمال الفنان محمد الشريف.


الحاجات الإنسانية وفق نظرية الاتزانية هي حاجات روحية وعقلية عليا وحاجات نفسية ومادية دنيا، الحاجات الروحية والعقلية العليا حاجات لازمة للرقي الإنساني والحاجات النفسية والمادية الدنيا حاجات لازمة للعيش الإنساني، ولابد للإنسان منهما معا في آن باعتدال وتوازن واتزان فيهما دون إفراط أو تفريط قدر الاستطاعة والإمكان، والاقتصاد المتزن هو الاقتصاد الموجه لتيسير تحقيق هذه الحاجات للشعب ودولته ومؤسساته على حد سواء، ويكون تيسير تحقيقها موازنة بثروات الشعب الطبيعية في أرضه من نفط وغاز وغيرها ووفق إمكانيات الدولة ومقدراتها، فالاتزانية الاقتصادية تكون فيها ثروات الأرض الطبيعية من نفط وغاز وغيرها ملكية عامة للشعب، ويوجه الاقتصاد عوائد هذه الثروات الطبيعية نحو تحقيق حاجات الشعب ودولته ومؤسساته، حاجاته اللازمة للعيش الكريم وحاجاته اللازمة للتقدم والرقي والازدهار على كافة الأصعدة معا في آن، ومواجهة التحديات التي تواجه الشعب ودولته ومؤسساته على الدوام تكاملا للمنافع وتعاطلا للمضار تجاه الصالح العام.

إن السعي في تحقيق الحاجات الروحية والعقلية والحاجات النفسية والمادية يكون فيهما معا في آن وليس بالتتالي كما يزعم ماسلو الذي لم يذكر في هرمه الحاجات الإنسانية الروحية والعقلية بتاتا، إن سير تحقيقهما يكون معا في آن باعتدال وتوازن واتزان فيهما دون إفراط أو تفريط قدر الاستطاعة والإمكان، مع إيلاء الأهمية الأعلى للحاجات الروحية والعقلية والأهمية الأدنى للحاجات النفسية والمادية، أي بأن يوظف العيش الإنساني للرقي الإنساني لا أن يوظف الرقي الإنساني للعيش الإنساني فالرقي الإنساني لا يوظف إلا لمزيد من الرقي الإنساني وهكذا دواليك، النفس والمادة تتبع الروح والعقل ولا يتبع الروح والعقل النفس والمادة بتاتا، الأدنى يتبع الأعلى، وأعلى ما في الإنسان روحه وعقله وليس نفسه ومادته، عليه فإن نفس المرء ومادته تابعة لروحه وعقله وليس العكس، إن أسمى ما في المرء روحه وعقله اللازمان للرقي الإنساني ويليها نفسه ومادته اللازمان للعيش الإنساني، ولابد للإنسان في السير من تحقيق حاجاته الروحية والعقلية العليا اللازمة للرقي الإنساني وحاجاته النفسية والمادية الدنيا اللازمة للعيش الإنساني معا في آن باعتدال وتوازن واتزان فيهما دون إفراط أو تفريط قدر الاستطاعة والإمكان.

إن الحاجات الإنسانية بشقيها الروحية والعقلية والنفسية والمادية منها ما هو ضروري وأساسي ومنها ما هو تحسيني وتكميلي، الضروري والأساسي في الحاجات الروحية والعقلية والنفسية والمادية معا في آن، والتحسيني والتكميلي في الحاجات الروحية والعقلية والنفسية والمادية معا في آن، ومرفق نموذج الحاجات الإنسانية وفق نظرية الاتزانية، ونذكر منها ما يلي:

▪︎ الحاجات الإنسانية الضرورية والأساسية:

–      حاجات ضرورية وأساسية روحية وعقلية عليا: (الدين والعبادة والمعرفة والعلم والقيام بالعدل والقيم والمبادئ النبيلة والإعمار والوعي والفكر والثقافة العامة والعمل بما فيه تحقيق الخير للصالح العام على كافة الأصعدة باعتدال وتوازن واتزان ونبذ التطرف والإفراط والتفريط في كل شيء)

–      حاجات ضرورية وأساسية نفسية ومادية دنيا: (الماء والهواء والغذاء والدواء والملبس والمسكن والأثاث والزواج ووسائل التنقل والمحروقات والصحة النفسية والبدنية والرياضة والأمن والجيش والأرض والبيئة والزراعة والمحميات الطبيعية والصناعة والمرافق الخدمية والإنتاجية في كافة الاختصاصات والوحدة الاجتماعية للأسرة والعائلة والقبيلة والشعب والأمة).

▪︎ الحاجات الإنسانية التحسينية والتكميلية:

–      حاجات تحسينية وتكميلية روحية وعقلية عليا: (في ظل استمرارية تحقيق ما سبق ذكره في الحاجات الضرورية والأساسية الروحية والعقلية والمحافظة عليها دائما يكون التحسيني والتكميلي بما يتضمن الاجتهاد المستمر في العلوم الدينية الشرعية والاجتهاد المستمر في العلوم الإنسانية النافعة معا في آن دون إفراط أو تفريط في كليهما، واستمرارية العمل بما فيه تحقيق الخير للصالح العام على كافة الأصعدة باعتدال وتوازن واتزان ونبذ التطرف والإفراط والتفريط في كل شيء).

–      حاجات تحسينية وتكميلية نفسية ومادية دنيا: (التنمية المستمرة فيما سبق ذكره في الحاجات الضرورية والأساسية النفسية والمادية، والكهرباء والتكنولوجيا والاتصالات وتنمية وسائل التنقل الاجتماعية البرية والبحرية والجوية والمطارات والموانئ والطرقات والإنشاءات المدنية وغيرها، والتنمية في شتى المجالات الخدمية والإنتاجية العامة والخاصة على حد سواء).

نموذج بياني للحاجات الإنسانية وفق نظرية الاتزانية

إن قيام الدولة بتيسير تحقيق حاجات الشعب الضرورية والأساسية الروحية والعقلية العليا والنفسية والمادية الدنيا اللازمتان للرقي والتقدم والازدهار على كافة الأصعدة والعيش الكريم موازنة بثرواته الطبيعية وخيراته التي رزقه الله بها في أرضه لهو ضرورة ملحة ومهمة رئيسية فعلية لقادة الدولة المتزنة تجاه الشعب ومؤسساته ويكون ذلك قدر استطاعة الدولة المتزنة وإمكانياتها بطبيعة الحال، وذلك ما تهدف إليه الاتزانية الاقتصادية، دعم الدولة المباشر لتيسير تحقيق حاجات الشعب الضرورية والأساسية الروحية والعقلية والنفسية والمادية معا في آن، ذلك أن تحقيق التنامي في الرقي والتقدم والازدهار على كافة الأصعدة يتطلب دعم الدولة المباشر لحاجات الشعب الضرورية والأساسية الروحية والعقلية العليا اللازمة للرقي الإنساني، وتحقيق التنامي في مستوى العيش الكريم للشعب بوضع الحد الأدنى لمستوى المعيشة موازنة بثروات الشعب الطبيعية التي رزقه الله بها في أرضه يتطلب الدعم المباشر من الدولة لحاجات الشعب الضرورية والأساسية النفسية والمادية الدنيا اللازمة للعيش الإنساني، بذلك يحقق الوعي الجمعي للشعب ودولته ومؤسساته تحقيق المحافظة على المعدل الضروري والأساسي للرقي والازدهار والمعدل الضروري والأساسي للعيش الكريم معا في آن وبذات الآلية في تحقيق التحسيني والتكميلي منها باعتدال وتوازن واتزان دون إفراط أو تفريط في كليهما، بإتقان قدر الاستطاعة والإمكان.

إن ثروات الشعب الطبيعية من نفط وغاز وغيرها هي فضل من الله له في أرضه ولا فضل لأحد فيها على الشعب ولا منة إلا الله ذو الفضل العظيم الرزاق ذو القوة المتين، ولا يجوز استغلال واحتكار الحاجات الضرورية والأساسية أو منع دعمها المباشر من الدولة لصالح شعبها ومؤسساتها، فالدعم المباشر لهذه الحاجات الضرورية والأساسية الروحية والعقلية والمادية والنفسية من الدولة تجاه شعبها ومؤسساته ليس فضلا ولا منة بل حق مكتسب للشعب موازنة بخيراته الطبيعية التي من الله بها عليه في أرضه، فهذا الحق هو حق مكتسب لقاء الملكية العامة للثروات الطبيعية النفط والغاز وغيرها، أما التفاوت في الحق المكتسب لقاء العمل وبذل الجهد فلا خلاف عليه وهو المدار الطبيعي للتنافس والفروقات الطبيعية بين الأفراد في دخلهم المادي لقاء العمل وبذل الجهد وليس هذا هو بيت القصيد في الاتزانية الاقتصادية، بيت القصيد هو أن الثروات الطبيعية لأرض الدولة من نفط وغاز وغيرها هي ملكية عامة للشعب وليست ملكية خاصة، ثم إن عوائد الملكية العامة للثروات الطبيعية النفط والغاز وغيرها لا تمنح نقودا للمواطنين وبالتالي يجب أن تمنح لهم دعما مباشرا لتحقيق حاجاتهم الضرورية والأساسية الروحية والعقلية والنفسية والمادية معا في آن دون إفراط أو تفريط في كليهما، يتمثل هذا الدعم المباشر على سبيل الذكر لا الحصر في دعم الدولة المباشر لنشر الوعي بالاعتدال والاتزان في فهم الدين والعلم ونبذ التطرف والإفراط والتفريط في كل شيء فالدين والعلم من التطرف والإفراط والتفريط براء، ودعم وزارة الأوقاف والشؤون الدينية للتوعية بالمنهج الوسطي المعتدل للدين ودعم المؤسسات البحثية في العلوم الدينية الشرعية ضد الإفراط والتفريط والتطرف بكافة أشكاله حفظا للدين من المتطرفين والأفكار الهدامة والمتطرفة، ودعم وزارة التعليم ومؤسسات البحث العلمي في العلوم الإنسانية النافعة ودعم الجامعات والمعاهد بكافة اختصاصاتها ودعم وزارة الثقافة والفكر والمجتمع المدني في شتى المجالات وترسيخ القيم والمبادئ النبيلة ونشر الوعي والقناعات والأفكار الحسنة المثمرة ضد الإفراط والتفريط والتطرف بكافة أشكاله ودعم العمل والتوظيف العام والخاص على حد سواء ودعم القضاء والقيام بالعدل إلخ من الحاجات الضرورية والأساسية الروحية والعقلية العليا اللازمة للرقي الإنساني على كافة الأصعدة، ودعم الدولة المباشر للماء والغذاء والأرض والزراعة والدواء والصناعة والمساكن والزواج والمواصلات والمحروقات والبيئة والمنتزهات العامة لخروج العائلات وتنزهها والصحة ومرفقاتها العامة والرياضة ومرفقاتها العامة ودور المعاقين العامة وذوي الاحتياجات والمكفوفين ودور رعاية الأيتام العامة والمحميات الطبيعية العامة والدعم المباشر للجيش والشرطة لحاجة الأمن والاستقرار والاستقلال ودعم الوحدة الاجتماعية للعائلة والقبيلة والشعب والأمة ودعم المرافق الخدمية العامة للشعب في كافة الاختصاصات إلخ من الحاجات الضرورية والأساسية النفسية والمادية الدنيا اللازمة للعيش الإنساني على كافة الأصعدة.

لابد حقيقة للدولة المتزنة الراعية لشعبها ومؤسساته من إيلاء الأهمية والأولوية القصوى لتيسير تحقيق حاجاته الروحية والعقلية والنفسية والمادية معا في آن، فهذه الحاجات لازمة للرقي والازدهار والعيش الكريم للشعب ودولته ومؤسساته في ظل مجابهة التحديات التي تواجههم على الدوام، إن اتزان الاقتصاد يتمثل في تغليب المصلحة العامة للشعب ودولته ومؤسساته تكاملا للمنافع وتعاطلا للمضار معا في آن باعتدال وتوازن واتزان في تحقيق المتطلبات ومواجهة التحديات على كافة الأصعدة قدر الاستطاعة والإمكان والله الحافظ ولي التوفيق وعليه فليتوكل المتوكلون، قال تعالى : (وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ في الأرض فسادا إن الله لا يحب المفسدين) [آية77:سورة القصص]، ولا غنى للمؤمن عن حاجته البحث عن الحكمة دائما، (الحكمة ضالة المؤمن) كما قال سيدنا وقدوتنا محمد رسول الله ﷺ، ما نصيب فيه فمن فضل الله وما نخطئ فيه فمن أنفسنا، وفق الله الجميع لما فيه الخير للصالح العام على كافة الأصعدة والله ولي التوفيق.

نشر لأول مرة بتاريخ 26 / 2 / 2021 ف.


* مرفق نموذج بياني للحاجات الإنسانية وفق نظرية الاتزانية.

مقالات ذات علاقة

ثقافة الطاعة

محمد دربي

تحول الهويات واللغات في عصر الذكاء الاصطناعي

أبوالقاسم المشاي

الشخصية الليبية

المشرف العام

اترك تعليق