المقالة

أين صار الكتاب في ليبيا؟

افتتتاح فعاليات معرض “اللواء 444 قتال للكتاب”

أظن أن الكتاب في ليبيا ابتعد كثيراً عن مؤسساته الأصيلة المخولة بنشره وإصداره وعرضه وفق المعايير الفنية والدولية، وبدأت جهات مختلفة تهتم به وتنظم معارضه وهذه الدورات للمعارض تظل -في تصوري- غير رسمية طالما ليست مسجلة في رزنامة اتحاد الناشرين الوطني سواء داخل ليبيا أو خارجها، وربما هي بذلك تخالف الأساس التشريعي والفني. ففي نهاية العام الماضي شهدنا معرض النيابة العامة للكتاب، وهي جهة أمنية عدلية في اختصاصها الأصيل، واليوم ها هو اللواء 444 قتال يتولى تنظيم معرض للكتاب، وهو جهة كما يشير اسمها بأن انتمائها الأصلي هو عسكري واختصاصها الأصيل هو القتال الحربي.

هذا القول ليس انتقاصاً من الجهود الوطنية الغيورة التي تبذل من أجل توفير الكتاب لعشاق الحرف والمهتمين بالكلمة سواء الأطفال أو الطلبة أو الأساتذة والبحاث والدارسين والساعين إلى انتشاره وتطوره ومواكبته للمستجدات الفكرية والوطنية والدولية كافةً، فالحرف والكلمة والكتاب سلاح فكري نحن في أمس الحاجة إليه، ولو أنفقت الحكومات على الكتاب نصف ما صرفته على توريد السلاح وتنفيذ المشاريع الدعائية الأخرى لكان ذلك حماية وتحصيناً لأفكارنا وأنفسنا وأولادنا ضد التعصب والعنف والكراهية والجهل والفساد والحروب والدمار.

ولكنني حين تجولتُ مساء اليوم في صالة معرض الكتاب الذي ينظمه حالياً اللواء 444 قتال مشكوراً، بموقعه الفسيح الجميل والرائع بمشتملاته ومكوناته كافةً سواء المسجد الكبير والمساحات الخضراء الجميلة أو المرافق الخدمية الأخرى، التي تحطم حاجز الرهبة من المؤسسة العسكرية والنفور منها، وتجعلنا نؤمن بأنها كيانٌ رسمي يحتضن أولادنا ورجالاتنا، وأنها جزء من أسرة مجتمعنا الليبي فتغمرنا السعادة والبهجة حين نراهم يتعاملون مع الكتاب كما يمتشقون البندقية، ويؤمنون بأن الكلمة سلاح فكري مثلما الرشاش والقنبلة وغيرهما.

مشاهد كثيرة أعجبتني منذ لحظة دخولي الأولى لمقر اللواء 444 قتال اليوم من حيث النظافة والنظام والاستقبال المتحضر، وكذلك عند وقوفي لمتابعة أسلوب الضبط والربط أثناء التمام المسائي لمنتسبي المعسكر، وتلاوة الأوامر والتعليمات وتوزيع الحراسات والمهام، وأعادتني تلك المشاهد الانضباطية الصارمة لتلك الأيام البعيدة التي قضيتها أثناء التحاقي بالدفعة الأولى للتدريب العسكري لأداء الخدمة الوطنية سواء خلال فترة الأساس بمعسكر حمزة، أو بعدها بإدارة العمليات بقاعدة معيتيقة الجوية التي كانت لا تخلو من المكتبة وكشك الجرائد والمجلات وقاعة عرض السينما.

لقد لاحظتُ أن أغلب المشاركين في المعرض كانت مكتبات من طرابلس وسرت وبنغازي ودرنة والزنتان ومصراته وبعض الجهات الحكومية مثل مركز الجهاد للدراسات التاريخية وغيرها، وهذا التنوع العددي والجغرافي أبهجني كثيراً ولكن .. ولكن؟

أين اتحاد الناشرين الليبيين؟ وهل غيابه وامتناعه عن المشاركة والرعاية لهذا المعرض كان مقنعاً ومبرراً؟

أين دور النشر الكبيرة في ليبيا مثل الفرجاني والرواد والجابر والحسام وغيرها؟

لماذا لا نجد فاعليات منظمة تواكب المعرض مثل حفلات لتوقيع الإصدارات الجديدة للكتاب والأدباء؟ والمحاضرات والندوات الفكرية المفعمة بالمناقشات الهادفة في شتى المواضيع؟

وهل ستستمر هذه الجهات في تنظيم معارضها سنوياً أم ستكون مثل فقاعات الصابون سرعان ما تختفي لنتحسر عليها عندئذ حين نفتقدها؟

وهل الغاية من التنظيم وهدفه كان نبيلاً نزيهاً ينحاز لأهمية حضور الكتاب كقيمة معرفية في حياتنا؟ أم تشوب هذا التنظيم بعض المكاسب الاستثمارية المالية أو المنافع الشخصية الأخرى؟

كثيرةٌ هي الأسئلة التي تطايرت في رأسي أثناء تجولي بالقاعة الوحيدة للمعرض، وقد طرحتُ بعضها خلال المقابلة التلفزيونية القصيرة التي أجريت معي داخله من طرف مندوب إذاعة طرابلس الراعية الإعلامية للحدث.

على كل حال لابد من توجيه الشكر كل الشكر للجهة المنظمة اللواء 444 قتال التي فكرت في أهمية الكتاب، وأحست بخطورة غيابه في مشهدنا الاجتماعي، وسعت لتوفيره وفق الإمكانيات المتاحة، خاصة وأن صناعة الكتاب الورقي تواجه حالياً الكثير من التحديات في ليبيا وغيرها، سواء من حيث السعر المرتفع، أو تدني مؤشرات الإقبال، أو ضعف مواكبة التقنيات الحديثة لإصدار الكتاب، أو المضامين والمواضيع التي لابد أن تضطلع بها دور النشر، والتي أساسها نشر الكتب الدينية ذات الأفكار والمواضيع الإسلامية البناءة المنافية للتطرف، والكتب التي ترسخ قيم الخير والمحبة والتسامح، وتعمق حب الوطن وتعزيز الهوية الليبية في جميع أشكالها وتقلص الفجوة العلمية بيننا وبين العالم الآخر.

مقالات ذات علاقة

انطـباع محـتمـل

صلاح عجينة

المعجم العلمي للأطفال .. الميت الحي

يوسف الشريف

أوراق الخريف

سالم الكبتي

اترك تعليق