استطلاعات

منصات التواصل الاجتماعي…هل هي حق أُريد به باطل ؟

الطيوب : استطلاع / مهنّد سليمان

منصات التواصل الاجتماعي (الصورة عن الشبكة)

شكلت منصات التواصل الاجتماعي خلال العقد الأخير تحديدا نافذة حية لتجسير الفجوات وتقليصها بين الأفراد والجماعات بمختلف انتماءاتهم ومشاربهم الاجتماعية والفكرية والدينية والثقافية ما جعل هذه المنصات بمثابة المنابر المفتوحة لتلاقح الأفكار وأضدادها وتبادل وجهات النظر ومشاركتها مع رواد هذه الفضاءات الإلكترونية، وفي بعض الأحيان تحولت هذه المنصات لميادين وغى وقتال وتراشق بالاتهامات والسب والقذف، لكن ربما حدث ما يمكن اعتباره خلطا أو لبسا ظاهرا فهنالك تطرف طالت عدواه معظم مستخدمي ومرتادي هذه المواقع فانساقوا لعرض خصوصياتهم الشخصية والعائلية من صور وفيديوهات وما إلى ذلك جعلتنا نتساءل هل هذه المنصات أو المنابر قد صُيَّرت كفخ لاستدراج المستخدمين في سياق نظام عالمي معقد لا ينفك عن التأسيس والتأصيل لمفهوم العولمة والتقليل من خصوصيات المجتمعات وثقافاتها المحلية الأصيلة تحت شعار(العالم قرية صغيرة) مما جعل الكثيرين يتاجرون بخصوصياتهم وبتربحون منها، ونحن وفق هذا السياق لا نميل لنظرية المؤامرة، وإن كان ما يجري من حولنا يُعزز من حيثياتها، علاوة على أن جملة المعايير المجتمعية التي تتبناها إدارة موقع كالفيسبوك مثلا تبدو لنا مزدوجة ويشوبها الكثير، لكن في المقابل فكرة أن يعرض المستخدم عبر خانة ( فيم تفكر) كلٌّ يمارسه كيفما اتفق وهي تدعم بصورة أو بأخرى نظرية تفتيت الخصوصيات الفردية ومن ثم المجتمعية أم أن المسألة لا تعدو تنفيس عن الذات والبحث عن تعويض يحقق شروطه الموازية ما دعانا لطرح هذا السؤال على عدد من الكتاب والمهتمين.

عائشة صالح

عائشة صالح : روائية وطبيبة مختصة

الناس لا يتم إستدراجهم بالقوة أو من خلال مؤامرة أو كمين مُدبّر

السؤال ذكرني بمقولة لفيودور دوستويفسكي جاء فيها :”في جُحر كالجُحر الذي نعيش فيه ، لايمكن أن تطير ذبابة إلا ويبلغ نبأ طيرانها جميع الناس”ذلك الجُحر الذي يحكي عنه “دوستويفسكي”يشبه تماما ما يحدث على منصات التواصل في عالمنا اليوم حيث لم تقرّب المسافات والحدود فقط ، بل فتحت أبواب المنازل وخصوصيات الأفراد على مِصراعيها ، فصار الناس يعيشون جزء كبير من يومهم على هذه المنصات وبالتالي يتشاركون تلقائيا حياتهم وأمورهم الخاصة على الملأ، والبُعد النفسي لهذه الظاهرة ؛ التي لوغيّرنا مسمّاها من “فخ” لحالة إدمان أو إحتياج نفسي ، لأمكننا التعبير عنها من العمق الكامن خلفها . فالناس لا يتم إستدراجهم بالقوة أو من خلال مؤامرة أو كمين مُدبّر، ولكن من خلال مشاعر يرغبون في الحصول عليها ، وتقدير يبحثون عنه ، وإهتمام يسعون خلفه ، وبعضهم يبحث عن شهرة وإنتشار أكبر ليتحصل على متابعين أكثر ولهذا بُعد نفسي كذلك .فصار الفرد ينشر أبسط تحركاته ويعبّر عن مشاعره ونجاحاته وحتى لحظات مروره بوعكات صحية أو لحظات حرجة يُظهرها للعلن ليشعر بأن هناك من يواسيه ويهتم لأمره ففي الوقت التي تلاشت فيه الحدود والمسافات بين البشر في الواقع الإفتراضي تعمّقت الفجوة وتباعد البشر عن التواصل الحقيقي على أرض الواقع حيث قلت الزيارات والأحاديث الطويلة ومشاركة البهجة والمتعة مع الأهل و الأصدقاء على أرض الواقع، وأظهرت إحصائية عالمية حديثة بأن أكثر من ثلاثمئة مليون إنسان حول العالم ليس لديهم ولو صديق واحد في حياتهم ، أي لاوجود لعلاقة الصداقة عندهم، وبالتالي مع إحتياج الإنسان لعلاقات مريحة يمكنه التعبير عن نفسه معهم ومشاركة أحزانه وأفراحه وتحركاته ومشاكله ويومياته ومع إنعدام تلك العلاقات في الواقع فيبدأ الإنسان في تعويض ذلك من خلال نشر خصوصياته على منصات التواصل فيشعر بالتفريغ والإرتياح وهذا أحد الأسباب التي استدرجت الناس من خلال إفتقادهم لعلاقات مهمة في حياتهم، وبعضهم نراهم يشاركون خصوصياتهم ويومياتهم كنوع من التقليد والمنافسة مع الاخرين ولكن في العمق هم أيضا يسعون لمشاعر أو يفتقدون لشيء ما، وعلى الجانب الاخر هناك قلة يشاركون من خصوصياتهم شيء قليل يفيد الآخرين فعلا ويزيح عنهم مشكلة ما حنوع من مشاركة الخبرات والمهارات والتجارب والهوايات .

اقرأ حوار مع الروائية عائشة صالح


مثلا هناك من ينشر عن هواية نادرة عنده ويصنع منها محتوى جميل ، وهناك من يسخّر مهاراته في الطبخ اليومي لمشاركة وصفات وخطوات يمكن لأي متابع أن يطبقها ويستفيد منها ، وهناك من يحكي عن تجاربه الشخصية في مجال ما فيشارك خبراته مع المهتمين ويختصر عليهم البحث والوقوع في نفس أخطائه ، وهناك من يسافر كثيرا فينشر من يومياته ما تعلمه وماوجده من ثقافات وأشياء جديدة ليتعرف عليها الناس، وعلى كل فرد يستخدم منصات التواصل أن يعرف غاياته من النشر عن الأشياء الشخصية مسبقا وبالتالي يوظِفها بشكل صحيح ، إن كانت لمشاركة خبرة أوصناعة محتوى مفيد أو فقط هي لمجرد التقليد والإحتياج لإثبات الذات أو البحث عن مشاعر وأحوال لم يتحصل عليها في واقعه ؟ .فالأولى يحصل معها تطور ويجني منها الشخص ثمار حقيقية نافعة له وللآخرين أمّا الثانية قد ينتج عنها مشاكل وعراقيل ونقاشات لالزوم لها ، وبالتالي رسالتي لكل فرد في عالمنا اليوم يستخدم منصات التواصل الإجتماعي لا تنساق خلف رغباتك مباشرة بالنشر عن أي شيء خاص في حياتك فربما قد تتضرر من ذلك أنت أو أحد أفراد أسرتك .اجلس مع نفسك وحلّل تلك الرغبات لو كانت نابعة من إحتياج لمشاعر أو إفتقاد لعلاقات أو رغبة في إظهار الذات توقف واحسم ذلك من داخلك وبالطرق السليمة، ولو كانت عندك رسالة تحب مشاركتها أو خبرة تود نشرها أو تجربة تفيد الآخرين أو هواية أنت بارع فيها أو مهارة ممتازة تتقنها ، فلابأس عن نشر مثل تلك الأشياء التي تملأ منصات التواصل بالمحتوى المفيد و النافع.

مالك خلف

مالك خلف : مهندس كمبيوتر، مهتم بالإعلام والثقافة، ومدير موقع منشور نت (الهندسة نت سابقا)

الإشكالية في ثقافة مستخدمي هذه المنصات


القضية ليست في منصات التواصل الاجتماعي، فقد كان الحال هكذا منذ بداية الإنترنت وبرامج الدردشة ثم المنتديات، وإن كان بشكل أقل مرده الأول عدم انتشار الانترنت كما هي عليه اليوم. القضية في الناس أنفسهم الذين تجدهم بستعرضون خصوصياتهم وأدق تفاصيل حياتهم في جلساتهم الخاصة، ولم ينتبه البعض للأمر إلا لأنه من خلال منصات التواصل الاجتماعي صاريتابع خصوصبات أناس لا يعرفهم بعد أن كانت حدود معرفته محصورة في محيطه الخاص.
منصات التواصل الاجتماعي والإنترنت وسيلة نحن من يصبغها بطباعنا وليس العكس وإن بدت وكأنها من تصنع طباعنا !!

عاصم لطيِّف

عاصم لطيف : طالب طب ومهتم

البعض يعرضون خصوصياتهم للحصول على علاقة اجتماعية صادقة

نعم، أساس التواصل الاجتماعي هو مشاركة معلومات خاصة يملكها فرد مع آخرين، والقاعدة الاجتماعية المتعارف عليها والغير مكتوبة تقول أنه كلما شاركت معلوماتك الأكثر خصوصية مع شخص ما، هذا يعني وجود ارتباط اجتماعي قوي جدًا يربطك بذلك الشخص، هذه العلاقة الاجتماعية ستكون مبنية على الثقة والاحترام والرحمة، أولا الثقة بأن لا تتم مشاركة أسرارك مع الغير، وثانيا الاحترام وهو تقبّل الشخص الآخر كما هو بدون انتقاد أو محاولة تغييره، وثالثا الرحمة وهي مسامحة الآخر هلى نزعاته السلبية ومساعدته على تخطيها بقلب مفتوح له.

أما الفخ الذي استخدمته وسائل التواصل الاجتماعي – ولا يمكن استخدام كلمة ( فخ ) إلا إذا أقررنا بدليل أن الشركات المشغلة لهذه المنصات كانت تقصد متعمدة جعل عملائها يشاركون خصوصياتهم – يستخدم صفات يملكها جميع البشر ضد أنفسهم، وهُم الحسد والغيرة وحب التواصل والارتباط، وعدم قدرة الانسان على الحصول على اهتمام ممن ظنّ أنهم أصدقاؤه سيؤدي به إلى مشاركة المزيد والمزيد من خصوصياته لمحاولة كسب اهتمامهم أولًا واعجابهم ثانيًا، ولا يمكننا أن ننسى أن التواصل عن طريق هذه المنصات يُعتبر قاصر ومحصور في شاشة جهاز إلكتروني لا ولن يقدر على مشاركة لغة الجسد والعينين والحواس الخمسة البشرية كاملة، ولذلك أي تواصل من خلال هذه المنصات سيكون محصور في اللّغة، واللغة كذلك قاصرة في نقل ما بداخل الانسان من مشاعر وأحاسيس ومخاوف وهواجس وأفكار وأراء، مُعتمدة في ذلك على قدرة الفرد على استخدامها، وقد تُستخدم لخداع وتوهيم والكذب على الطرف الآخر لنيل الاعجاب والاهتمام، وهذا بحد ذاته سيؤدي إلى نشوء علاقة مرضيّة لن تستمر.

واذا أقررنا أن أفضل وسيلة لتكوين علاقات اجتماعية هو الصدق واخلاص النية، فلا بد من مشاركة الخصوصية، وإذا أصبح أغلب طرق التواصل الاجتماعي في وقتنا يعتمد على تلك المنصات، فسينتهي الحال بأن يعرض الناس خصوصياتهم للحصول على علاقة اجتماعية صادقة واحدة، فيها من الاهتمام والاعجاب المتبادل ما يرفع الوحدة عن الروح ويؤنس الفرد في معيشته، ولكن قواعد التواصل انقلبت نتيجة انعدام التواصل الجسدي التقليدي، وعلى الفرد تكوين قواعد جديدة للتواصل الصادق عن طريق هذه المنصات، وسيرتكب العديدين خطأ مشاركة خصوصياتهم بحثا عن الارتباط، أو جريمة الكذب والخداع بحثا عن الارتباط.

(الصورة عن الشبكة)

مقالات ذات علاقة

الفصول الأربعة تسأل: لماذا عجز الأدباء والكتاب الليبيون عن تنظيم أنفسهم، وإعادة رابطتهم، وخلق صوت موحد لهم؟

خالد درويش

وصاية المبدع على النصوص الإبداعية !!

مهند سليمان

الشعر والرواية جدلية لا تكاد تنتهي !

مهند سليمان

اترك تعليق