الشاعر الراحل محمود درويش.
طيوب عربية

محمود درويش… رحلة الشعر والحياة

الشاعر الراحل محمود درويش.
الصورة: عن الشبكة.

 

أخيراً هدأ القلب الذي اتسع للإنسانية جمعاء، حينما تغنى حامله بالحب والعدل والحرية والمساواة وأنشد صاحبه عبر مسيرته الشعرية الطويلة التي انطلقت مبكرا وامتدت على مدى عشرات السنين لحن الحياة التي طالما احتفى بها في قصائده ومجد المحسنين إليها ووقف في وجه المسيئين لها، لا سيما حين تناولت أشعاره مأساة وطنه ومعاناة أبناء شعبه تحت نير الاحتلال الإسرائيلي، حتى أنه عدَ مع ثلة من رفاقه كالشعراء توفيق زياد ومحمود عبدالرحيم وسميح القاسم والروائيين أميل حبيبي وغسان كنفاني وغيرهم، ممثلي المقاومة بالكلمة وبالفكرة في وقت كانت فيه معركة الشرف والكرامة في حاجة لكل مجهود يصب في هذا الأتجاه، وأُطلقت عليه تسمية “شاعر المقاومة” التي بقدر ما أرتاح إليها أحس تالياً بأنها لقب تنميطي يحبسه في زاوية ضيقة من تجربته الواسعة ويقصي باقي الجوانب التي اعتقد بأنها في أهمية ما كتبه من قصائد ثورية أو أكثر أهمية، وهذا يُذكِّر بما حدث قبله للشعراء ناظم حكمت وبابلو نيرودا وبول إيلوار الذي اختُزِلت تجربتهم العريضة في ما كتبوه من أشعار نضالية مع أن إبداعاتهم اتسعت لكل ما هو إنساني .

ومن أشهر ما قاله درويش في مجال المقاومة هي قصيدته” بطاقة هوية” التي جاءت على لسان مواطن فلسطيني مضطهد، مخاطبا فيها جنديا اسرائيليا على أحد المعابر الكثيرة، ولحدة نبرتها ولهجتها الشديدة المتوعدة المتوعدة أثارت هذه القصيدة ضجة كبيرة في الشارع الأسرائيلي حتى أنها نوقشت في الكنيست الأسرائيلي، إذ يقول الفلسطيني بعد أن يعيل صبره على الضيم وبلغ به الجلد منتهاه.

سجِّل أنا عربي

سلبت كروم أجدادي

وأرضٌ كنت أفلحها

أنا وجميع أولادي

ولم تترك لنا ولكل أحفادي

سوى هذه الصخور

فهل ستأخذها حكومتكم كما قيلا

إذن

سجل برأس الصفحة الأولى

أنا لا أكره الناس

ولا أسطو على أحد

ولكنني إذا ما جعتُ

أكل لحم مغتصبي

حذار.. حذار من جوعي ومن غضبي

سجل أنا عربي

ورقم بطاقتي خمسون ألف

وأطفالي ثمانية

وتاسعهم يأتي بعد صيف

فهل تغضب

سجل أنا عربي

وأعمل مع رفاقي في محجر

وأطفالي ثمانية

أسُلّ لهم رغيف الخبز

والأثواب من الصخر

ولا أتوسل الصدقات من بابك

ولا أصغر

أمام بلاط أعتابك

فهل تغضب

سجل أنا عربي.

والباحث في دواوين درويش، خاصة في بداياته وفي ذروة حماسته يجد الكثير من القصائد التي عكست بجلاء نبرة المواجهة والثورة وعبّرت عن أمال وتطلعات المواطن الفلسطيني البسيط وجسدت حقوقه وصاغت أحلامه في الحرية والأستقلال والعيش الكريم فوق أرضه ولعل الشاعر هنا وبعيدا عن أية طوباوية يعبر عن نفسه، هو المضطهد والمُهجر والمتعرض للأعتقال والمضايقة… وليست قصيدة “عابرون في كلام عابر” التي تنادي بتحقق الحتمية التاريخية والحقيقة التي لا مهرب منها وهي أن ما يسمى بإسرائيل ما هي إلا شيء عابر لا مستقبل له فوق أرض فلسطين، ليست هذه القصيدة آخرها، ويبلغ شعر درويش منتهى الرقة والشفافية حينما يتقمص دور الشهيد الذي يناجي أمه قائلاً:

أحِنُ إلى خبزِ أُمي

وقهوة أمي

ولمسة أمي

وتكبر فيَّ الطفولة

يوم على صدر يوم

وأعشق عمري لأني

إذا متُ

أخجل من دمع أمي.

خذيني إذا عدت يوما

وشاحا لهذبك

وغطي عظامي بعشب

تعمد من طهر كعبك

وشدي وثاقي

بخصلة شعر

بخيط يلوح في ذيل ثوبك

عساي أصير إلها

إلها أصير

إذا ما لمست قرارة قلبك.

مرحلة التأمل وطرح الأسئلة…

كتب درويش الذي عرف بغزارة إنتاجه الكثير من الدواوين نذكر منها “سرير الغريبة” و”لماذا تركت الحصان وحيدا” و”أوراق الزيتون” و”شوكة في القلب. كتب في جميع مناحي الحياة وعالج في شعره الذي تميز بخصائص فنية فريدة قل أن نعثر عليها عند شاعر آخر بسبب من نزعته التجديدية واندفاعه في المروق عن السائد والمتداول نحو أفاق أرحب وأراض لم توطأ شعريا واكتشاف مراعٍ خصبة لقطعان كلماته، وبوعي كبير بمفاهيم الشعرية الحديثة، ومثلما كتب للحياة كأنه سيعيش أبدا كتب عن الموت كأنه سيموت غداً أيضا عندما فاجأتهُ أزمة القلب وخضع لعملية قلب مفتوح للمرة الأولى، حينها دنا من الموت كثيرا إلى الحد الذي جعله يمتشق قلمه ليكتب عنه في جداريته التي اعتقد بأنها ستكون آخر ما سيكتب، محاوراً الموت من موقع المتحدي واقفاً في مواجهته، كتب كما لو أنه سيرحل قريبا، كتب بضراوة فهزم الموت بكتاباته لأن هذا الأخير تراجع خطوات مفسحا المجال للحياة عند الشاعر لتتدفق ولكن إلى حين، كتب متحديا ثم كتب هازئا منه مقللا من شأنه، كتب لأنه كان يعي أن ما سيخطه اليوم لن يستطيع أن يمحوه الموت أبد الدهر، وكأنه يدرك بأنه سيموت قريبا كتب في جداريته.

ويا موت انتظر يا موت

حتى أستعيد صفاء ذهني في الربيع

وصحتي، لتكون صيادا شريفا

لا تصيد الظبي قرب النبع

فلتكن العلاقة بيننا ودية وصريحة، لك أنتَ

ما لك من حياتي حتى أملأها

ولي منك التأمل في الكواكب

لم يمت أحد تماما

تلك أرواح تغير شكلها ومقامها

سأحلم، لا لأُصلح مركبات الريح

أو عطبا أصاب الروح

فالأسطورة اتخذت مكانتها

المكيدة

في السياق الواقعي

وليس في وسع القصيدة

أن تغير ماضيا يمضي

ولا أن توقف الزلزال

لكني سأحلم

ربما اتسعت بلادي لي.

درويش في القاهرة
كتب الجدارية التي عدّها بعض النقاد العرب قمة شعر درويش وأكثره نضوجا وأشده حساسية في أعوامه الختامية، كتبها كما لو أنه يكتب للمرة الأخيرة، فأودع فيها كل ما أراد قوله وما لم يريد أن يفصح عنه في بوح مفتوح بلا حدود أو حواجز وهو في عجلة من أمره كتبها بشكل ملحمي وأسماها جدارية إذ افترض أن كل ما خطه قبلها لم يكن إلا مجرد لوحات محدودة المساحة والمعنى أما هذه فهي الجدارية التي وضع فيها كل ثقله الشعري وضمنها كل خبرته مع القول… وتشاء الصُدف أن ينجو الشاعر مما كان متوقعا ويعيش ليروي ولا تكون الجدارية هي كلماته الأخيرة في هذه الحياة فيلحقها بعدة دواوين ليفوز القارئ بكل هذا الفيض الشعري الغير مسبوق ويحظى بملحمة شعرية قل أن تجود بها قريحة شاعر، فهل نقول شكرا للموت لأنه كان دافعا لهذا الإنجاز.

وعن تجربة الموت يقول الشاعر ذات لقاء بأنها تجربة قاسية عاشها وحتمت عليه أن يطرح أسئلة وجودية ويعالج قضايا مصيرية لم يعالجها من قبل ويعيد ترتيب أولوياته، ولعل تلك الجدارية كانت بداية تدشين لمرحلة الشعر التأملي والفلسفي لدى درويش، رغم أن الموت لم يكن يوما بعيدا عن شعره ولكن موت الآخرين يختلف عن موته بكل تأكيد… وقبل شهرين من وفاته وعندما وقف لإحياء أمسيته ولقاءه الأخير في مدينة رام الله التي احتضنت جثمانه وكانت المثوى الأخير للشاعر، وفي قراءة استشرافية صرح الشاعر بأنه يحس كما لو أنه يشهد حفل تأبينه لفرط تأثره، وهو الشيء الذي لم يتأخر طويلا – الموت -.

كتب الشاعر بقوة وبث حكمته في شعره ودس رؤيته للكون وللوجود في قصائده، بكثير من المجاز كتب، واستثمر الصورة المفاجئة والتركيب اللغوي المباغت وأوجد بناءً دراميا في قصيدته وخلق نوعا من الحوار بين شخصياته التي أقحمها في سياقه الشعري واستثمر السرد بذكاء وفي آخر ما كتب افترض وقوعه وعدوه في حفرة واحدة فأي حوار يمكن أن ينشأ في مثل هكذا وضع وأية مشاعر يمكن أن يحملها كل منهما للآخر وليت الأمر ينتهي عند هذا الحد لأنه يفترض أن تخرج حية له ولعدوه في الحفرة، فهل سيتضامن معه لهزيمتها أم ماذا؟، في قصيدة تحمل من الرمزية والمجاز الشيء الكثير، واشتغل على موسيقى غامرة في ظاهر القصيدة كما في باطنها، إذ حتى وإن لم تكن القصيدة عمودية ومقفاة مع أنه كتبها ببراعة في بداياته، حتى وإن لم تكن كذلك وانتمت دون مواربة للقصيدة الحديثة فإن المستمع لن يعدم وجود موسيقى تنبع من مكان خفي فيها سواء كانت ظاهرة مع تكرار الحروف والكلمات أم كانت مضمرة تخاطب الذائقة قبل أن تثير الأذن، صانعة بذلك إيقاعها الخاص، وكما كتب بعمق وبرمزية فادحة وبروح تأملية فلسفية، كتب ببساطة ومباشرة آسرة ومربكة فلنستمع إليه وهو يقول في وضوح لا تنقصه الجرأة:

نحب الحياة

عندما يصل الغد سوف نحب الحياة

كما هي عادية وماكرة

رمادية أو ملونة

لا قيامة فيها ولا آخرة

وإن كان لابد من فرح

فليكن

خفيفا على القلب والخاصرة

فلا يلدغ المؤمن المتمرس

من فرح مرتين.

وشعر درويش من الغزارة والثراء بحيث يستطيع الباحث والدارس والمتذوق أن يجد فيه مبتغاه ويعثر فيه على ضالته، وتكفي مثلا مفردة” الغياب” التي ترددت كثيرا في أشعاره وبصيغ مختلفة وفي سياقات عديدة لأن نضع عنها عشرات الدراسات والشروحات وعلى هذه المفردة والملمح يمكن أن نقيس عديد الملامح والخصائص الفنية الحيوية، ولا يخفى على قارئ درويش أنه صاحب قاموس خاص وارتبط شعره بمفردات محددة ومتجددة ظلت تتردد كثيرا في قصائده وتنتقل معه من قصيدة إلى أخرى ولكن دون تكرار للمعاني والصور.

الشاعر النجم…

محمود درويش هو الذي أوجد وأعاد للشعراء نجومية سحبت منهم خلال العقود المتأخرة، فهو الشاعر الوحيد وبإستثناءات قليلة جدا على المستوى العربي الذي كانت أمسياته الشعرية تشهد ازدحاما شديدا يظل معه الكثير من الجمهور خارج القاعة نظرا لامتلائها بل أنه في أحدى أمسياته اضطر المنظمون إلى نصب شاشات كبيرة في الخارج كي يتسنى للجمهور الذي لم يجد أماكن متابعة الأمسية عن قرب، كما أنه الشاعر الوحيد حسبما نما إلى علمنا الذي لا يستطيع المستمع أن يحضر بعض أمسياته الشعرية، خاصة تلك التي اقيمت ببعض الدول الأوربية، إلا بعد أن يسدد ثمن تذكرة مقابل ذلك في زمن تراجع فيه الأهتمام بالشعر إلى مستويات دنيا ويكاد يستجدي فيه شعراء أخرون مستمعا حتى لو قاموا هم بدفع مقابل مادي له حتى يسمعهم، ففي حين لا يتجاوز عدد مستمعي بعض الأماسي التي تقام في الوطن العربي عدد أصابع اليدين وحتى لا نكون متشائمين نضيف أصابع القدمين، يحضر الآلاف أمسيات درويش، خاصة خلال السنوات الأخيرة، وكأن الجماهير استعادت اكتشافه كصوت مختلف بشكل يجعلنا نفكر في ما الذي يشد جمهور الشعر العادي الذي لا يمثل النخبة إلى قصائده رغم أنها تنطوي على نصيب لا بأس به من الغموض والرمزية الشيء الذي يتنج عنه صعوبة التواصل لا سيما في حالة القارئ والمستمع البسيط، أم أنها الغنائية العالية التي حافظ الشاعر على أن تكون حاضرة في كل ما يكتب أم أن الشاعر لديه حضور راسخ في الوجدان الشعبي بالنظر إلى مُنجزه السابق وتحديدا قصيدته النضالية!، ويحتاج الأمر هنا إلى دراسة معمقة لهذه الظاهرة لمعرف جلية الأمر، إذ لا بد وأن الجماهير وجدت في كلام الشاعر ما يعبر عن أمالها وطموحاتها وإلا ما كانت لتميل عليه كل هذا الميل لأن لديها الكثير مما يشغلها عن الشعر إن كان لا يرتقي إلى مستوى إحساسها ووجدانها الذي يظل غضاً على مر العصور.

تبادل مواقع…

وتكفلت الأغنية بعض الأحيان بإيصال صوته لمن لم يقرأه عبر عديد الأصوات الغنائية المعروفة على الساحة العربية، ولعل أشهرها فرقة صوت العاشقين الفلسطينية التي تخصصت في تلحين قصائده والموسيقار مارسيل خليفة الذي حوَّل العديد من القصائد إلى أغاني اشتهرت فزادتها ألقاً إلى ألقها، وبارك الشاعر هذه الخطوة والزواج الموفق ما بين الكلمة واللحن، وعندما سُئِلَ عما أضافته الأغنية للقصيدة أجاب قائلا ودونما تردد” لا شك في أن الأغنية أعطت القصيدة ما لم تكن تمتلكه وهو الأنتشار ومنحتها بعدا أخراً هي في حاجة إليه في حين استفادت الأغنية من القصيدة بأن أضحت ملتزمة وذات كلمات رصينة وجادة في عصر التهافت ورواج الفن الرديء، إذن هي منفعة متبادلة وعطاء متكافئ… وثمة ملمح آخر جميل ومكمل في هذه التجربة نجد أنه من الضرورة الإشارة إليه، ونعني به الإلقاء المعبر والمموسق الذي تميز به الشاعر بشكل أسهم في أنتشار قصائده، فأجمل شعره كما نعتقد وصل إلى قلوب الناس مسموعا وليس مقروءا وتلك مزية أخرى تُحسب للشاعر إضافة إلى أننا اكتشفنا فيه ناثرا كبيرا لمَّا قرأنا بعض ما دبج يراعه من مقالات في مجالات شتى بعيدة عن الشعر.

المُبتدأ والمُنتهى…

والشاعر الذي توفي يوم السبت 9/8/2008 عن عمر يناهز السابع والستون بأحد مستشفيات مدينة هيوستن الأمريكية تاركا وراءه فراغا كبيرا في الساحة الثقافية والفكرية والأدبية العربية اليوم، كان قد أصدر أكثر من ثلاثون ديوانا شعريا وثمان كتب وتُرجمت قصائده إلى حوالى أثنان وعشرون لغة ورُشِحَ لجائزة نوبل أكثر من مرة، كتب درويش الشعر مبكرا جدا في السابعة عشرة من عمره تقريبا، أشتغل بالسياسة وانضم إلى الحزب الشيوعي الإسرائيلي كما انتُخِبَ عضوا في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية العام 1988 قبل انسحابه عام 1993 أحتجاجا على توقيع اتفاقية أوسلو، عمل بالصحافة وترأس تحرير مطبوعات عدة وساهم في تأسيس أكثر من مجلة ثقافية كمجلة شؤون ثقافية ومجلة الكرمل، كما عمل بالترجمة فترة من الزمن، نشر آخر قصائده عام 2007 وكانت بعنوان” أنت منذ الآن غيرك” وُضِعَ تحت الإقامة الجبرية واعتُقِلَ عدة مرات ودخل سجون الأحتلال منذ العام 1961 نظرا لنشاطاته السياسية ومواقفه التقدمية، كُرِمَ في أكثر من بلد وحاز على عديد من الجوائز، كجائزة ملتقى الشعر العربي بمصر وجائزة العويس في الإمارات مناصفة مع أدونيس وجائزة الملك كلاوس بهولندا وجائزة ابن سينا بالاتحاد السوفييتي وغيرها من الجوائز والأوسمة، تلقى تعليمه الأبتدائي بقرية دير الأسد بالجليل والثانوي بقرية كفر سيف، نزح أو هُجِرَ قسريا من فلسطين مع أسرته العام 1948 إلى لبنان ومنه عاد متخفيا إلى قريته المهدمة والممحوة من الخارطة، ليعود للعيش بفلسطين قبل خروجه الطوعي العام 1970 بهدف التسويق للقضية الفلسطينية في العالم ورفع مستوى الوعي العالمي بمعاناة شعبه وهو ما نجح في تحقيقه إلى حد بعيد.

خرج إلى القاهرة ومنها إلى موسكو وتونس وباريس وعمان وبيروت قبل العودة للإقامة في رام الله التي أوصى بأن يدفن في ثراها، كان قد خضع لعمليتي قلب مفتوح قبل تدهور صحته جراء العطب الفادح الذي أصاب أحد شرايينه وإجرائه للعملية الأخيرة التي مات خلالها، أقام أخر امسية أو ندوة شعرية له قبل وفاته بشهرين بمسرح القصبة برام الله، أبدى تواضعا شديدا عندما وقف لاستلام جائزة ملتقى الشعر العربي العام 2007 عندما لم يدّعي مجدا واعتبر أن كل ما قاله من شعر ما هو إلا صياغة نهائية لكل ما قيل قبله وأبدعته قرائح الشعراء السابقين ليأتي هو ويضع اللمسة الأخيرة على حد تعبيره… درويش لبى هذه المرة نداء الموت وغادر فجأة دون وداع.

وكان درويش قد ولد في العام 1941 بقضاء عكة بقري البروة بالجليل ودٌفِنَ بساحة قصر الثقافة المطلة على مدينة القدس يوم 13/8/2008 بين هذين التاريخين امتدت حياة حافلة بالنضال والعطاء الذي لا ينتظر ردا لصالح الوطن والإنسانية. أُعلن الحداد لوفاته ونكست الأعلام واجتمعت إرادة الفلسطينيين بمختلف مشاربهم على حبه والفخر بما قدمه للعالم بعد أن تفرقت وحدتهم وتمزقت جراء الصراعات الفئوية والفتن المتتالية التي يُذكي نارها الأعداء، حيثُ أقيمت له جنازة باذخة تليق بشاعر كبير شيعه فيه الآلاف ممن تغنى بآمالهم وآلامهم، فقط مثلما شيعوا من قبل الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.

ناصر سالم المقرحي

* كُتِبت هذه المقالة في توديع محمود درويش العام 2008م.

مقالات ذات علاقة

تجارب في اليوم العالمي للترجمة

المشرف العام

حديث القطة الذي ردّدته الكائنات

حسين عبروس (الجزائر)

غضب التاريخ

المشرف العام

اترك تعليق