الشاعر عمر الكدي
شخصيات

عمر الكدي ..

الشاعر عمر الكدي
الشاعر عمر الكدي. أرشيفية عن الشبكة.

كنت أعتقد أن ربط الغربة أو المنفى بالمرارة، هو تعبير مجازي، كمحاولة لتحسيس الآخرين بمدى قسوتها، إلى أن قرأت كتاب الكاتب الليبي عمر الكدي «منفى»، فأيقنت أن للغربة أو المنفى بالفعل مرارة الحنظل، وها هو طعمه يباغت حلقي، من أول جملة في هذا الكتاب الديوان، لا أعتقد أن نصًّا شعريًّا ليبيًّا يحكي أو يصور المنفى بكل وجعه يمكن أن يضاهي ما كتبه الكدي، منذ ذلك الشعر العامي الذي جاءنا من الليبيين المنفيين في جزر الجنوب الإيطالي قبل مئة عام، لذا، لم يكن أمراً مفاجئًا أن ترى تلك الدموع المنسكبة ببطء، ولا شك بحرارة أيضًا من أعين بعض مَن حضروا أمسية له، وهو ينقل إلى مستمعيه عبر قصائده وجع «الرماد الذي يهطل في القلب»، و«البلاد» التي «تحبها وتزدريك».

عمر الكدي، اسم كبير وملفت في قائمة مبدعي ليبيا، كاتب قصة ومقالة وشاعر وصحفي، من الصعب أن تجد له تصنيفًا نمطيًّا، وعندما تقرأ له يخيَّل إليك أنك تقرأ لثلاثة كتاب، هم عمر القاص وعمر الشاعر وعمر الصحفي وكاتب المقالة، وفي الثلاثة يأتيك شعور بأن من تميّزه عن أقرانه الجمع بين الريشة والإزميل في صناعة إبداعه، إنه يمسك الإثنين معًا، فتحس بأثر انسياب الريشة وطرق الإزميل في نصوصه الشعرية، يحبّر أحرفه حينًا بماء مقطر من زهور الجبل البرية، وأحيانًا بعصارة الحنظل، كلما قرأت قصيدته الديوان «منفى»، كلما حامت روح محمود درويش من حولي، إيقاعه وموسيقاه وصوره، وتلك الـ«آه» المخفيّة، وهو يكتب سيرة الفلسطيني شعرا، لأني وجدت في هذا الديوان الشعر السيرة، إذا جاز هنا أن نستحضر مصطلح الرواية السيرة مشبعة بتلك الروح ..

هو ذا عمر الكدي الشاعر وكاتب الرواية، أما عمر الصحفي، فقد تجلى عطاؤه على صفحات الجرائد والمجلات الليبية، من تحقيقات ميزتها الجرأة والمهنية، ومقالات تميزت بوضوحها وجرأتها، لا يجامل حين يكتب ولا يهادن، يصوب جمله نحو الهدف، كمن يسدد الطلقة، حتى يبدو أحيانًا كأنه يقصف ولا يكتب، لكن «عمر» آخر ينسل من الـ«ما بين بين» ويطل عبر قصصه، ساخرًا لاذعًا، ولا يترك لقارئه مجالاً ليسأل أما كان يمكن أن يكتب تلك القصص بغير ما كُـتبت به؟ حين يذكرك ببعض نصوص الكاتب التركي عزيز نيسين، ليزيد من حيرتك وأنت تبحث عن خانة تحسم فيها توصيف هذا الكاتب، أليس من باب المفارقة هنا أن يطلق عليه رفاق المنفى «عمر الليبي» أليس في هذا حسمٌ لجدل التوصيف؟، بلى، هو عمر الليبي الذي كتب عن ليبياه كما تجلت في مسارب قصائده، وثنايا فصول رواياته.

مقالات ذات علاقة

ماحدث للشيخ الطاهر الزاوي المفتي والمؤرخ وعالم اللغة بعد ستة وتسعين عاما من النضال

أحمد إبراهيم الفقيه

عبد الباسط الجارد ومشوار ممتد مع الفن والصحافة

أسماء بن سعيد

حدث في مثل هذا اليوم: رحيل عبد القادر العلام

محمد عقيلة العمامي

اترك تعليق