متابعات

صالون الزيدان الثقافي وقراءات في كتابات سعيد خيرالله

عن صفحة د.سليمان زيدان على الفيسبوك

الكاتب سعيد خيرالله

جلسة صالون الزيدان الثقافي الأدبي بتاريخ 24-4-2017م التي كان عنوانها (قراءات في كتابات سعيد خيرالله) ومكانها : منزل الحاج سعيد خيرالله.
في هذه الجلسة الممتعة الأدبية النقدية بامتياز قُدِمَتْ قراءات ثلاث لأدب سعيد خيرالله في هذه الجلسة ، وهي على التوالي: قراءة د. عاطف محمد عبد الله من السودان ــ قراءة د. محمد سيد الدمشاوي من مصر ــ قراءة د. سليمان زيدان من ليبيا ، فضلا عمَّا قُدِّم من مداخلات ، وشهادات من أغلب أعضاء الصالون، وما قُدِّم من ردود وشروح وتوضيحات من القاص المُحتَفَى به الأستاذ سعيد خيرالله.
ولقد استخلص الدكتور محمد سيد الدمشاوي في نهاية الجلسة مفارقة لخَّصها في الآتي:
” لعل من الملاحظات الغريبة التي ظهرت في هذه الجلسة هو تقارب القراءات الثلاث التي قدمت من قبل الدكتور سليمان زيدان ، والدكتور محمد سيد الدمشاوي ، والدكتور عاطف محمد عبدالله في الرؤية النقدية التي قدمت في أدب سعيد خير الله ، ووقوفها على كثير من العناوين المشتركة ، بل وفى تصنيفها لبعض قصص المجموعة القصصية ، بالرغم من عدم وجود أي تنسيق مسبق بينها ه ، وهذا بدوره يلقى بظلال المصداقية النقدية التي تميزت بها هذه القراءات الثلاث”.
• قراءة الدكتور عاطف محمد عبد الله
الحمدُ لله رب العالمين، خلق الإنسان علّمه البيان، والصلاة والسلام على أفصح الناطقين، وأكمل المتحدثين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه.
هذه قراءة من خلال نظرة كلية تتناول تجربة المبدع القاص الأستاذ سعيد خير الله من خلال الوقوف على تقنيات السرد ولغة السرد، وهي رؤية قد تكون مطابقة أو غير مطابقة لقصدية ورؤية القاص.
القصة عمل نثري ينتمي إلى مجموع الأجناس الأدبية ، ينجز بلغة جمالية تعكس الجانب الفني القائم بناؤه على الزمان والمكان والشخصيات والأحداث.
وتعتبر القصة القصيرة الجنس الأدبي الأكثر مناسبة وتعبيرا عن عصرنا عصر السرعة، فهي تعبر عن أشكال التحولات السياسية والاجتماعية والثقافية.
– المجموعة القصصية تهيمن عليها ملامح الكتابة الواقعية، تتسم بالبناء المحكم واللغة الفنية واضحة المعالم لا غموض فيها تحاول الكشف عن الواقع ومحاكاة الوقائع.
– يتجلى فيها الكاتب من خلال شعوره وأفكاره وتصوراته وأحلامه ورؤيته للعالم والمتغيرات من حوله.
– التوظيف الواعي والعميق للتراث من خلال حضور المأثورات والتقاليد الشعبية والأمثال بشكل متناثر؛ مما يعكس النزعة التأصيلية للقاص والتي منبعها ومعينها التراث الليبي.
– المجموعة القصصية تعبر عن نسق اجتماعي مترابط من خلال نقلها لتفاصيل صورة المجتمع في العقل الجمعي.
– الموقف الفني للقاص لا يبدو فيه متمردا على السائد الثقافي والموروث، فهو منسجم ومتوافق مع معطيات بيئته الاجتماعية والثقافية.
– المكان يمثل بعدا جغرافيا يبحث فيه القاص عن نبض الإنسان وتداعيات الأشياء، طبرق مدينته ومفتاحه للدخول في العوالم التي يبدعها فهي ذات وهج خاص تعلو كل الأمكنة لدى القاص وتجلس القرفصاء لتضيء مخيلة القاص.
– محاولة إعادة قيمة الانسان والأشياء تبدو في جل كتاباته من خلال تقديره لقامات المجتمع التي أعطت بلا مقابل ولا ضجيج، وتقديره للأشياء القيمة حيث أضفى عليها صفات فسيولوجية فصارت كالإنسان تماما تعطي بسخاء لا محدود.

صالون الزيدان الثقافي وقراءات في كتابات سعيد خيرالله

– استخدم القاص تقنيات السرد الحديثة وفي ذات الوقت نجده قد تجاوز المألوف في لغته السردية التي تكاد تلامس تخوم القصيدة النثرية، حيث يتمظهر التكنيك الفني من خلال السرد المتسلسل والمتقطع أحيانا، كما يتمظهر من خلال تقنيات السرد (التداعي – الفلاش باك (السرد الاسترجاعي)- تداخل الأزمنة- الأنسة والتجسيد من خلال الاستعارات والتشبيهات.
– الصور السردية تمثل نماذج فوتوغرافية تكاد تماثل الواقع العيني من خلال رؤية القاص
– استخدم القاص الأستاذ سعيد خير الله لغة سردية وصفية مستعينا ومتوسلا بالمجازات والاستعارات فسادت معظم القصص لغة مكثفة ذات دلالات غنية بالمفردات ودقة التعبير؛ مما أبعدها عن هوة الترهل الإنشائي.
– استعار القاص في بعض قصصه لغة تراثية أعاد تركيبها وبث فيها حيوية، استخدام الفعل المضارع وتقنية صيغة المتكلم، استخدم العبارات القصيرة ذات الايقاع السريع، كما مال القاص إلى موسيقية الجمل والتراكيب.
– قراءة الدكتور محمد سيد الدمشاوى
بدأت الدراسة بالتعريف بالكاتب، وبمكانته الأدبية ، وامتلاكه لأدواته التعبيرية باقتدار ، وقدرته على توجيه المتلقي حيث أراد ، ووصفه بسمة المتمرد على الصياغة التقليدية في الكتابة القصصية ، من خلال خروجه على التنميط المرتبط بالعناصر القصصية التقليدية ، وتحول القصة عنده إلى مجموعة من اللوحات التعبيرية من خلال استخدام اللغة الشعرية ، وقدرته على استحداث معجم لغوى وتصويري خاص به ، وتميز قصصه بالقدرة على المفاجأة والإدهاش.
وقد وقفت الدراسة على كثير من الظواهر الأدبية التي تميز كتابات سعيد خير الله بشكل عام ، ومجموعته القصصية ” الأجنحة والأفق ” بشكل خاص ، وقد وقفت الدراسة على العتبات النصية من أجل استشراف النص المتن ، ثم تناولت طبيعة الشخوص القصصية ودلالتها التعبيرية، كخفوت الشخوص وندرتها داخل القصة ، والاكتفاء بالشخصيات المحورية ، أو بالشخصية الواحدة ، والتركيز على صوت الراوي السارد المبئر ، شارحا ومؤولا ، أو استبدال الشخصيات الإنسانية بشخوص أخرى تجسدها مفردات الواقع من خلال الأنسنة ، وكأنها إشارة إلى حالة التغييب والتهميش للإنسان ، وتجسيد للقهر السياسي والاجتماعي ، ثم تناولت الدراسة لغة السرد وتميزها ، وقدرتها على خلق عوالم موازية ، وفتح آفاق الرؤية القصصية ، ومنها تعاون قصص المجموعة في تقديم رؤية شمولية لقراءة العالم عبر وسائل الترميز ، كما في قصة الأصابع حيث تتحول ” ثريا ” بطلة القصة ـ المغتصبة ـ إلى تجسيد لحقيقة الوطن المغتصب ، والذى لا فكاك له إلا بأبنائه ـ الأصابع وعبر أسطرة الواقع ، كما في قصة المفتاح التي تتحول من خلالها الأسطورة إلى واقع معاش ، فضلا عن أنسنة الأشياء ، وشاعرية اللغة وتجاوزها لمحدودية الواقع القصصي التي تكاد تكون سمة عامة في معظم قصص المجموعة
وتشكل هذه الدراسة جزءًا من الرؤية العامة التي قدمها صالون الزيدان الثقافي الأدبي عبر جلسته التي جاءت تحت عنوان (قراءة في كتابات سعيد خير الله).
• قراءة د. سليمان زيدان:
تكتسب القصة بعدًا فنيًّا جديدًا إذا ما كان الكاتب مالكًا لأدواته ملكية تؤهله لتوظيفها بطريقة تمنح عمله الإبداعي فاعلية التأثير المتنامي مع القراءة بمواكبة سيرورة السياق ؛ فكلما استوقفت المتلقي جملة أو تركيبًا يشد القارئ بحمولات المعنى ، وجماليات التعبير يجذبه التالي إليه بما يشع به من شحنات فنية أكثر وضاءة لكشف بؤر الحدث والتوغل فيها من خلال من يبثه السرد من إثارة : هذا ما نلقاه راسخًا ونحن نقرأ الكاتب سعيد خيرالله من خلال أعماله الأدبية القصصية بخاصة.

صالون الزيدان الثقافي وقراءات في كتابات سعيد خيرالله

ولعلنا نلتزم التصنيف الأمثل ، والترتيب الأوفى إذا ما قدمنا القول عن الأداة الأهم للعمل الأدبي بشقيه الشعري والنثري ومنه القصصي الذي برع سعيد خير الله في اختيار موضوعاته الواقعية ـ غالبًا ــ سواء أكانت من السيرة الذاتية ، أم السيرة المجتمعية ، أو الإنسانية ؛ وما هذه الأداة إلى اللغة التي نجزم للكاتب ببراعته في الأخذ بناصيتها إلى حيث مكانها الذي تتفتح فيه عن كل طاقتها حتى أنَّها ــ بحسن سبكها في قوالب جمالية ــ نقلها من الوظيفة النثرية إلى الشعرية ؛ فغدت لغة شعرية تسبح على أسطر السرد تنسج أحداثًا هي أول عناصر القص فتسهم في اكتمال بناء الحبكة ليكتب قصة لها طعم القصيدة ، كون القصة عند سعيد خير الله قطعة فنية موجزة مكثفة الدلالة ، وهذا القول هو نفسه الذي أطلق على قصيدة النثر التي فرضت نفسها نوعًا فنيًا له حضوره الذي لم يستطع بعض النقاد تجاهله ، فتفاعلوا معه كما هو شأن الناقد عزالدين إسماعيل في كتابه الشعر العربي الحديث قضاياه وظواهر الفنية والمعنوية.
ومن الأمثلة المؤكدة لرؤيتنا قصتان اثنتان هما قصة وجه في مرآة السراب ، وقصة الأصابع ؛ فما أن يستهل المتلقي قراءة القصة الأولى (وجه في مرآة السراب) حتى تأخذه بإيقاعها المتتالي في حزم من القول المنمق إلى عالم شعري له معالم السرد ، فيخال إليه أنه يلقي قصيدة لا يقرأ قصة من غير أن يتأثر وعيه بأنه في معية نص نثري ينتمي إلى القصة القصيرة . ولكي يذهب قارئنا إلى ما ذهبنا إليه ؛ فيسير في سبيلنا وهو على اقتناع بما نقول ، نقتطع من هذه القصة جزءًا يسيرًا منها نبرز من خلاله شعرية اللغة عند القاص :
البحر قاب قوسين أو أدنى
والقيظ الظامئ إلى كل قطرة عرق يجثم فوق ثقوب الخيام المتشابكة في فراغ الحفرة الهائلة
والصهد يتلألأ فيما بين الرمل اللاذع والسماء القاحلة ..
فيتراءى في مرآة السراب وجه امرأة ترضع لبنها للذباب..
أيُّ قارئ يمر بهذا المقطع من هذه القصة سيخامره اعتقاد بأنَّ ما يتعاطى مع قراءة واستمتاعًا هو قطعة شعرية رسمت لوحة فنية تشكيلية بأسلوب مزدان بلغة شعرية تتولى رصد ومن ثم الإبلاغ عن الأحداث المتلاحقة التي كان شاطئ البحر مكانًا لها ، وفصل الصيف زمانًا لها. لغة شعرية عذبة بالرغم من مرارة المشهد ” وجه امرأة ترضع لبنها للذباب” . ويستطرد في السرد باللغة نفسها:

والبعل بعدهما مات
وأقرب الجيران إلى الدار مات
والعنز الحلوب تعجفت حتى نفقت
والليل طويل .. طويل ..
والسكون ينصب أفانين الأنين والألم .. وإلى عواء الكلاب الملحون في المقابر المزدحمة ..
والدار من الأنس قفر .. فلا ديار
والمرأة تضاجع الأرق .. ترزخ تحت وطأة أرزاء الدنيا الغادرة..
تتقلب روحها على نبال الأوجاع..
توسد ذراعها لطفليها
النوم من المقلتين جفل ..والهواجس حطت رحالها بالقلب
في هذه السطور تتقاطع اللغة الشعرية مع التتابع السردي الذي يحتاج إلى الكتابة بالنثر كي يحافظ على تسلسل الأحداث مع التخلص من الإسهاب الممل في نقلها إلى المتلقي ، وهذا ما أفلح القاص في السيطرة عليه ، والمزاوجة بين اللغتين ؛ فلم يجعل لغة الشعر تنتزع القصة من بيئتها النثرية ، ولم يتركها تسير في حالة من الجفاف الأسلوبي بلا تطعيم للتراكيب اللغوية بمتجاورات لفظية تنتج تعابير متناغمة ، وصورًا متجانسة في قوالب فنية شاعرية الإطار.
وفي قصة الأصابع يشكل العنوان دالا مضمونه المدلول . دال يترامى إلى دلالات عدة ينبئ السم عن اطرها ؛ فالأصابع أول الأطراف ، والأصابع منها يبدا الفعل سواء الدال على الغيظ : الضرب ، أم الدال على الألفة : المصافحة ، كما أنَّ ممارسة الحياة للأصابع حضور أولي وفاعل فيها مثل الأكل ــ الإشارة ــ الكتابة ــ العزف ــ الوظيفة المكانية التي فرضت لكل واحدٍ منها اسمًا مستقلا. ولمعرفة القاص بما يلزم القارئ على مداومة القراءة لقصته كي يمكنه متابعة التفسير واستنباط الدلالات بيسر ورغبة جعل لغة الاستهلال شعرية ، بل شعرية باذخة ؛ فقال :
الرجل الوقح تمدَّد على جسد ثريا
يلتهم مفاتنها لقمة لقمة في نهم
وثريا الفاتنة تصرخ من تحته بأعلى صوتها
الذئب .. الذئب .. ؟
صوت المأساة تردد صداه من بدء الحدث الذي تقاسمت شخصيتان تجسيده ليبقيا الشخصيتان الرئيستان في القصة كلها ، ثم ينساب السرد لكنه مصحوب بإيقاع يمتد مع البناء التركيبي للجمل ، في اصطفاف بهيئة الأسطر الشعرية ليرسم مشهدية عنف وألم ، تلح على القارئ أن يلمَّ بنهايتها ، كما ألمَّ ببدايتها ليدرك الحقيقة التي يبحث القاص عنها ليضعها بين يدي المتلقي بأسلوب رشيق.
ونخلص من القول بالقول : إن تلاقي القراءات النقدية الثلاث لأدب سعيد خيرالله المقدمة في هذه الجلسة من نقاد ثلاثة يختلفون في الانتماء المجتمعي ويلتقون في الفكر الأكاديمي ، واتفاقها على عناصر جمالية بعينها تميز القاص عن غيره لهو حمال دلالة على أدب سعيد خيرالله قد تجاوز عتبة المحلية حتى قرئ في الثقافات الأخرى كما قرئ بوعيه وفكر مجتمعه ، ومرجع هذا لسلاسة اللغة وحسن اختبار الموضوعات وبراعة تقديمها إلى المتلقي بفكر مشترك ، وأسلوب ماتع مفهوم ، وحبكة محكمة تعنى بلحظتي التأزم والانفراج عناية كبرى تأخذ من الإثارة علامة لها ، تنعكس على لغة الخطاب حتى تجعل المفردات والمعاني علامات دالة على القراءة ومن ثم التأويل الموصل إلى الفكرة التي بني النَّصُّ عليها.

مقالات ذات علاقة

حيفا ولاجئةٌ في وطنِ الحداد!

المشرف العام

الجمعية الليبية للآداب والفنون تُحيي الذكرى الأولى لرحيل رضوان أبو شويشة

مهند سليمان

735 ناشرأ و250 أديباً ليبياً يشاركون في معرض القاهرة الدولي للكتاب

المشرف العام

اترك تعليق