طيوب عربية

سيرة الأفعى.. لعزالدين ميهوبي

همس القراءة

روايـة "سيرة الأفعى " للشاعر والروائي عزالدين ميهوبي
روايـة “سيرة الأفعى ” للشاعر والروائي عزالدين ميهوبي

الكتابة الرّواية هي فن الاستعراض بكلّ معنى الكلمة،  استعراض ضخم لآليات القوّة المبهجة التي يقوم بها الروائي، تلك القوّة التي تختلف عن قـوّة عرض العضلات،  أو عــــن قـوة الدمار الهائل الذي يؤسس للخراب، إنّها قوّة من نوع آخر تكمـن في قـدرة الكاتب على تجميع خيوط وتفاصيل السرد الروائيّ بفنية رائقـة، وبلغـة باهرة جذّابة أنيقـة راصدة لتفاصيل الأحداث التاريخيــة، والسياسية والاجتماعية، ذلك ما أتلمّســه في روايـة “سيرة الأفعى ” للصديق الشاعر  والروائي عزالدين ميهوبي،  هذه الرّواية الصادرة عن دار العين للنشر ط 2023 ، والتي يحاول فيها الكاتب استرجاع تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي على امتداد سبعمائة وخمسين صفحة

 ملحمة تاريخية مع الأفعى…. في هذه الرّواية أحس كأنّ الكاتب الشاعر عزالدين ميهوبي ينطلق من همس قصيدة الشاعر العربي “عنترة بن شداد”، وهو يتحدث عن الحرب في أيامه، ويربـط الصورة بالأفعى وهو القائل: –

إِنَّ الأَفاعي وَإِن لانَت مَلامِسُها *   * عِندَ التَقَلُّبِ في أَنيابِها العَطَبُ

 اليَومَ تَعلَمُ يا نُعمانُ أَيَّ فَتىً  *  *  يَلقى أَخاكَ الَّذي قَد غَرَّهُ العُصَبُ

فَتًى يَخُوضُ غِمَارَ الحرْبِ مُبْتَسِماً ** وَيَنْثَنِي وَسِنَانُ الرُّمْحِ مُخْتَضِب

إنّ هذا الربط الفني بين ماورد في نص عنترة الشعري، وما ورد في سيرة الأفعى للكاتب عزالدين ميهوبي يلقي في نقطة واحدة يمثلها خطر الأفعى الحقيقي الذي يكمن في سمّها وفي أنيابها، وخطر الأفعى المجازي في سيرة الأفعى الذي تمثله أفعى البشر الكيان الصهيوني على شعب له أحقية الاستقلال والحرية على أرضه، وذلك عبر مسيرة طويلة من الصراع المحتدم الدامي، وقد تكون هناك أفعى كبرى التي تدعم الأفعى الصغرى في هذا الصراع.

وتشتمل الرواية “سيرة الأفعى” على مرتكزات أساسية تمثلت فيما يلي:

1- عامل الزمن التاريخي من وعد “بلفور” عام 1917مسيرة زمن طويل محفوف بالمخاطر والمجاز الدموية.

2- عامل الشخصيات المتعددة الأسماء والمواقف منها: ريناد – دوميا – أمنون – وعاموس وغيرهم..، فهذه الطفلة ريناد تحاول أن تقدم ملمحا يوميا في شكل مذكرات تصلح أن تكون مذكرات معاناة تاريخية لكلّ مواطن صغير أو كبير في أرض النّبوات وتحديدا في مدينة “حيفا” حيث تقول: “عندما فتحت عيني وجدت رشاشا فوق رأسي، وحين دخلت المدرسة رأيت الدبابة قرب بيتنا، لم أر إلا أصحاب البزّات المرقّطة بأسلحتهم، وكلابهم يحاصرون حي الحليصة في حيفا، وكبرت وكبر معي مشهدهم المخيف…”

إنّ هذه الفقرة من نص الرواية تلخّص معناة الاطفال والرجال والنساء في الأرض المحتلة فلسطين.. معاناة تزداد خطرا على شعب أعزل لا يمتلك قوّة المواجهة من سلاح مضاد، ولا يمتلك قوّة مساندة تردّ عنه خطر الأفعى الصهيونية.

العامل المكاني: لقد اشتملت “سيرة الأفعى” على عنصر المكان المتعدّد داخل الأرض.

3-   المحتلة، وخارجها عبر بلدان عديدة منها: حيفا- فلس -طين – فرنسا- اسبانيا-  تركيا وغيرها، هذا التعدّد الذي يظلّ شاهدا على الصراع العربي الصهيوني الذي ينتهي عند حدّ       معين،  كما يشير ضمنيا إلى ذلك الشتات الفلسطيني في كلّ أرجاء المعمورة،  ويسترسل الكاتب في سرده” سيرة الأفعى” وهو يري أن مسؤولية الكاتب تحتّم عليه تعرية الواقع والصراع التاريخي حين يقول في أحد حواراته: “كنت أدرك أنني أخوض تحديا مزدوجا تجاه نفسي،  وتجاه القارئ،  وبينهما تحدي نجاح النص،  الذي أعتقد أنه مختلف عما هو موجود في منظومة سرديات المقاومة والتاريخ والسياسة،  لأنني انطلقت من الآخر لأستفز الأنا،  وكانت المحصلة هي سؤالي: ماذا نريد لفلس ..طين، ‘وكيف نرافع من أجل حق شعبها”

هذا همس موجز في قراءة ملحمة تاريخية تطول تفاصيلها، وتتشعب أنفاس الحوار على ألسنة شخوصها، التي هي في واقع الكتابة على لسان الكاتب الواحد لصاحب الرّواية، قد جاءت بلغة شاعرية تمازجت أنفاس الشاعر بأنفاس الرّوائي سلسة طيّعة حاول الكاتب فيها ألّا يدخل في تلك التفاصيل الهامشية التي تغرق فيها كثيرا تلك التجارب الروائية العربية التي تناولت موضوع الصراع العربي.

مقالات ذات علاقة

إشكاليّات الترجمة تتجدّد في كلّ آن

المشرف العام

كاتب مصري يؤكد أن الفرنسيين زوروا حجر رشيد

المشرف العام

فراس حج محمد يصدر كتاب “استعادة غسان كنفاني” تزامنا مع ذكرى اغتياله

المشرف العام

اترك تعليق