زهور ملونة (الصورة: عن الشبكة)
طيوب عربية

النفس البشرية والألوان

MEO

سلمى جمال

هل الألوان حقًّا لها ذلك التأثير النفسي على الفرد، بحيث تتحول نظرته القاتمة للحياة إلى نظرة مشرقة؟ هل تلك الأشعة الملونة لقوس قزح مثلا تحمل في طياتها بعض ألوان التأثير على أفكار الفرد ومشاعره؟ ولذلك نجد كثيرًا من الناس تتحدد ألوان أثوابهم حسب اللون الذي يرتاح إليه الفرد وأحيانا قد يقول لك الطبيب النفسي لا داعي للاكتئاب والحزن وتخلص من اللون الأسود فهو يساهم في كآبتك!
يقول د. مدحت حسن، استشاري الطب النفسي بالقصر العيني: العلاج بالألوان تجربة يلجأ إليها أطباء علم النفس لتحديد مدى تأثير نوع من الألوان على مشاعر وأفكار الإنسان؛ فالنظرية أصبحت الآن فرعًا من فروع العلاج النفسي والروحاني. وتتمثل طرق العلاج بأن اللون له مميزات معينة وصفات خاصة وتردد تذبذبي مختلف؛ أي أن اللون هنا يكون له طاقة خاصة به من الممكن أن تتوحد مع طاقات الجسم إذا كان الإنسان في حالة صحية جيدة، فتكون الألوان هنا مبعث لطاقة فرح وتفاؤل. ولذلك قد تختلف امرأة مع زوجها في ألوان الستائر أو المقاعد داخل الشقة؛ فكل منهما له لون ينسجم معه وتتجاذب نفسيته مع  طاقته.
ونظرية العلاج بالألوان ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالحالات الوجدانية والمرضية البدنية؛ فالفرد عندما يشعر بخلل عاطفي وعدم توازن، يبحث عن شيء ما يبعث فيه الحيوية والنشاط، فيجد الألوان من حوله وقد ينفر من بعض الألوان وينجذب لألوان أخرى.

زهور ملونة (الصورة: عن الشبكة)
زهور ملونة (الصورة: عن الشبكة)

كان لدي مريضة متقلبة المشاعر وتصاب بالتردد في اتخاذ القرار وساءت حالتها النفسية عندما أصبحت وحيدة في البيت. وعندما سألتها عن الوقت الذي تشعر فيه بالارتياح النفسي، قالت إنها تعودت أن تزور حديقة الزهور بجوار بيتها وتنظر إلى ألوان الورود وتجلس هناك ساعات طوال النهار.
وهنا كان ضروريا أن أنصحها بإعداد إصص الزهور عندها في شرفتها، فأصبحت تولي للزهور اهتمامًا كبيرًا وتنسى أحزانها مع ألوان الزهور.
ويضيف د. مدحت: أود أن أضيف أيضًا أن ألوان قوس قزح وتدرجاته اللونية لها تأثير قوي على الإنسان. وإلا لماذا تقف طويلًا تحدق في السماء وأنت ترى قوس قزح وتبتهج لرؤياه وصورته في السماء، أليس لهذا تأثير وجداني وفكري على الفرد في تلك الحالة؟
وألوان قوس قزح تشمل الأحمر والأرجواني والبرتقالي والأصفر والأخضر والتركواز والأزرق والنيلي والبنفسجي، ويُعتقد أن أول أربعة منها هي أكثر الألوان المنشطة. بينما تكون الأربعة الأخيرة الأكثر هدوءًا وراحة، فالبنفسجي مثلًا يعتقد أنه يفيد في تخفيف الاضطرابات الهرمونية. أما البرتقالي، فينشط الجهاز الهضمي فيما يكون الأخضر مفيدًا للقلب والرئتين ويعتبر الأزرق جيدًا للمشكلات التنفسية.
تقول د. سمية شكري، خبيرة العلاج بالطب البديل بالقصر العيني: العلاج بالألوان له تأثيرات كبيرة على سلوك الفرد واتجاهاته الفكرية والعاطفية، ولك أن تصطحب صديقًا إلى مكان ما. فإذا كان المكان تكثر فيه الزهور بألوانها المتعددة والأشجار بثمارها المبهجة، فسوف تنتعش أحواله النفسية ويحدثك وهو يتطلع إلى الزهور والأغصان الخضراء، وكأنما هذه الورود والأشجار بألوانها تلهمه القدرة على التعبير.
وقد تجلس في مكان مغلق مع صديق، فتجده منهارًا أو شديد الغضب ويصرخ بك أن تخرج معه إلى مكان ما فيه مساحات من الخضرة والزهور؛ أي أنه في لحظات الخلل النفسي يبحث عن اللون ليرتاح نفسيا. وأعرف أنه في أحد مراكز العلاج النفسي كان الأطباء يفكرون في تغطية سرائر المرضى بقماش ملون مختلف، وأحيانًا تسليط أضواء معينة من الألوان على أجزاء من أجسامهم. وهناك بعض الشركات تقوم بتسليط ألوان مختلفة من شعاع الليزر ليغمر الشارع ويبهر الناس، فيأتون للشراء من كل جانب؛ وهذا يؤكد أن الألوان تؤثر في الإنسان بطريقة أو بأخرى.

يقول د. سعيد المغربي، استشاري الطب النفسي بعين شمس: لا شك أن هناك علاقة بين اللون المفضل للشخص وبين صفاته وميوله ومزاجه والروح المسيطرة عليه وكذلك حالته الصحية، فمثلًا نجد أن العيادات النفسية تستخدم اللون البنفسجي الفاتح ليعيش المريض في حالة انفصال عن الواقع، ويساعد هذا اللون على مقاومة الانفعالات العصبية الشديدة. والأطباء لاحظوا أن اللون الأحمر يعبر عن الطاقة والحيوية والأشخاص الذين يفضلونه يتمتعون بالنشاط والحيوية والديناميكية والشجاعة والحساسية الشديدة، ويهتمون بالجانب الحسي أكثر من اهتمامهم بالجانب المعنوي.
أما الأزرق، فهو لون بارد والأشخاص الذين يحبونه شخصيات جادة حساسة، وهو يعتبر رمزًا للمعاني المطلقة. أما أصحاب اللون الأصفر فهم سعداء ومتفائلون. أما البرتقالي فهو من الألوان المبتهجة وأصحاب هذا اللون شخصيات اجتماعية. أما اللون البني، فيعبر عن الشخصية الصلبة المتماسكة والإرادة الحديدية. أما الأخضر فهو لون الشخصيات المتسامحة المتفاهمة وهو لون الفنانين والمبدعين والنفوس المرهفة، أما الأسود فالشخصيات التي تفضله غامضة ومنطوية على نفسها. وأخيرا اللون الأبيض، فهو لون العقلانية وتميل شخصياته إلى التعقل والاتزان الفكري.
يقول د. مؤمن الهواري، استشاري الطب النفسي والعلاج الروحاني: لقد أجريت تجارب متعددة بينت أن اللون يؤثر في إقدامنا وإحجامنا ويشعر الإنسان بالحرارة أو البرودة وبالسرور أو الكآبة، بل يؤثر في شخصية الرجل وفي نظرته إلى الحياة ويسبب تأثير اللون في أعماق النفس الإنسانية. فقد أصبحت المستشفيات تستدعي الاختصاصيين لاقتراح لون الجدران الذي يساعد أكثر في شفاء المرضى، وكذلك الملابس ذات الألوان المناسبة. 
وقد بينت التجارب أن اللون الأصفر يبعث النشاط في الجهاز العصبي. أما اللون الأرجواني، فيدعو إلى الاستقرار واللون الأزرق يشعر الإنسان بالبرودة عكس الأحمر الذي يشعره بالدفء. كما توصل العلماء إلى أن اللون الذي يبعث على السرور والبهجة وحب الحياة هو اللون الأخضر. لذلك أصبح اللون المفضل في غرف العمليات الجراحية لثياب الجراحين والممرضات. واللون الأخضر أيضا يريح البصر؛ لأن الساحة البصرية له أصغر من الساحات البصرية لباقي الألوان. كما أن طول موجته وسطى، فليست بالطويلة كاللون الأحمر وليست بالقصيرة كالأزرق، وهو لون إيجابي جدًّا.

مقالات ذات علاقة

كتاب جديد يُطل على الحقبة الأندلسية

مهند سليمان

درس

المشرف العام

ملائكة وشياطين

المشرف العام

اترك تعليق