قراءات

المقالة التي أصبحت كتاباً

د. محمد الخازمي

كتاب محلة كوشة الصفار بين ذاكرتين

مقالة الأستاذ علي الصادق الحُسنين عن (شارع كوشة الصفار بين ذاكرتين) التي نشرها في ثلاث حلقات في مجلة تراث الشعب تلقّفها بعين الخبير المدقّق الأستاذ عمار جحيدر، وأقام عليها دراسة وافية شافية، ونشرها في كتاب من إصدارات مجمع اللغة العربية بعنوان: (محلة كوشة الصفّار بين ذاكرتين).

والذاكرتان هما ذاكرة الأستاذ الكاتب علي الصادق الحُسنين، وذاكرة رفيقه في تجواله في شارع الصفار السيد محمد إبراهيم الورّاق.

ويُحسبُ لمجمع اللغة العربية اهتمامُه البالغ بهذا العمل، ونشرُه له في سلسلة (النصوص التاريخية)، وهو بحقٍّ رسالةٌ مُكمِلةٌ لعمل المجمع الذي يهتم بتنمية الثقافة المحليّة عبر سبر بعض معالمها وأعلامها معًا.

كان يمكن لهذه المقالة أن تكون حدثا عابرًا لجولة عادية في المدينة القديمة لا تثير كبير انتباه، ولا أثرَ لها إلا في عيون مَن يحملون ذكرياتٍ خاصة فيها، لكنّ روحَ البحثِ الصادق عند الأستاذ عمار جحيدر جعلت هذه المقالات الثلاث كتابًا وارفَ الهوامش، غنيًّا بالفوائد، محفوفًا بالدراسات والإيضاحات من بين يديه ومن خلفه، ففيه من الأعلام، والمواقع، والأحداث، والتعقيبات، ومفردات الحياة الشعبية، والمقتنيات المحلية، والعادات، والتقاليد الشيء الكثير. وهو جهدٌ وافر اضطره إلى الرجوع إلى مصادر كثيرة جدا، ويسّر للباحثين من بعده ترجمة عدد لا بأس به من الأعلام السياسيين، والمعلّمين، وشيوخ العلم، والتصوّف، والفن، والثقافة؛ صحافة وموسيقا، وتمثيلا… وغير ذلك.

لقد كانت هوامش الأستاذ عمار كتابا على الكتاب، بل هي من جعلت المقالات الثلاث كتابا، وكذا دراساته المقدّمة، وشرحه الموجز المهم عن المدينة القديمة، ومحلّاتها (الحومات) وسكّانها، وموجز عن التاريخ الأصلي لسُرَّة البلاد ومركز قيادتها.

ومازال ما كتبه الأستاذ عمار جحيدر يحتاج خدمات أخرى من أهمها: الفهارس للأعلام، والأماكن، والمصطلحات الشعبية، والأدوات… وغير ذلك. والفهرسة ستمنح الباحثين خدمات جليلة، ومن الأسف ألا تنتبه أقسام التاريخ والمكتبات إلى أهميّة أن يعمد أساتذتها وطلّابها إلى هذه الأعمال القيمة.

ومازالت بعض الإشارات، والبحوث الصغيرة التي نشرها الأستاذ عمار في ثنايا البحث تصلح لمزيد من الإفاضة والتعقيب، وأحسب أنه ما صَدّه عن ذلك إلا خشية إطالة الكتاب عن الحدّ الذي يليق.

هذا كتابٌ مثالٌ، وعملٌ أسوة؛ في تجديد البحث، والتعقيب على جهود أدبائنا ومثقفينا التي تُلقى في غياهب النسيان، ولا تجد من الباحثين والجامعات سوى التنكر والتجاهل.

طرابلس 13/10/2021م

مقالات ذات علاقة

دردشة على حافة (سمها .. وخذ بلاداً) للشاعر عبدالباسط أبوبكر محمد

سالم أبوظهير

خلود الفلاح .. شاعرة تكتب بصماتها على جسد الصحراء

المشرف العام

سيرة المدن

ناصر سالم المقرحي

اترك تعليق