رائدات ليبيات (الصورة عن: صفحة السقيفة الليبية)
المقالة

الرائدات الليبيات وبناء الدولة الحديثة

بوابة الوسط

امحمد هويسه

ظلت المرأة الليبية على مر العصور كائناً مهمشًا وطاقة معطلة في المجتمع، عزز ذلك المناخ المجتمعي العام الذي لم يكن متفقاً مع ثقافة انطلاق المرأة وانخراطها في مجالات التعليم والعمل، وظل تأثير العقل الجمعي الليبي جامداً تجاه أي تغيير بتلك المفاهيم التراكمية المزمنة، غير أن تاريخ ليبيا الحديث حافل بالعديد من الصفحات المشرقة لرائدات ليبيات شاركن في مشروع النهضة الليبية بمختلف المجالات، ومسيرتهن في العطاء والتميز بقيت دافعاً قوياً للفتيات الليبيات في الاجتهاد وإثبات الذات. ورغم وضوح الرؤية الإسلامية فيما يتصل بالمرأة من ناحية الحقوق والواجبات والمساواة بينها وبين الرجل في أمور العقيدة وأصول الإيمان.. لقوله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذكَرٍ أو أُنْثىَ وهُوَ مُؤمِنٌ فَلنُحْيِينهُ حَياةً طَيبَةً ولنَجْزِيَنهُم أَجْرَهُم بأَحْسَنِ ماَكَانُوا يَعْمَلُون) *النحل: الآية 97، إلا أن المرأة الليبية كغيرها من نساء المجتمعات العربية الأخرى ظلت تعاني واقعاً اجتماعياً ظالماً جراء النظرة الدونية من الآخر والخلط بين الأعراف والدين، والعادات والتقاليد التي وقفت حجر عثرة أمام تطلعاتها المشروعة نحو العمل والإبداع. والسؤال: هل تغيرت نظرة المجتمع الليبي للمرأة ونحن في مطلع القرن الواحد والعشرين؟!.

رائدات ليبيات (الصورة عن: صفحة السقيفة الليبية)
رائدات ليبيات (الصورة عن: صفحة السقيفة الليبية)

يمكن القول أن مكانة المرأة في المجتمع الليبي قد تطورت في السنوات الأخيرة ولم تعد يعتريها الضعف أو التفريط خاصة بعد مشاركتها الفعالة في أحداث ثورة فبراير ـ 2011م ـ حيث كانت في مقدمة الصفوف من الحراك تكتب وتعارض وتتظاهر وتخاطر بحياتها مثلها مثل الرجل في سبيل وطن حر ومستقبل أفضل، ولم تأتِ هذه المشاركة القوية من فراغ فدوافع ثورة المرأة على نظام القذافي وليدة عقود من المعاناة والظلم، حيث قضايا اعتقال وتعنيف النساء الليبيات والزج بهن في السجون كثيرة ومؤلمة، وأرشيف الأجهزة الأمنية وأوكار اللجان الثورية يتحدث عن العديد من الحكايات لمناضلات ليبيات تعرضن للاعتقال والتعذيب منهن طالبات جامعيات وموظفات وربات أسر لم يرتكبن أي جرائم سوى ممارسة حقهن في حرية التعبير ومعارضة النظام.. كالسيدة جميلة فلاق ـ فاطمة التائب ـ آمنة الجرنازي ـ زكية التائب، وفي بعض الحالات يمارس القتل خارج القانون كما حدث مع المعتقلة “سلمى الشهيب” التي تمت تصفيتها جسدياً أثناء الاعتقال.

بعد نجاح الثورة تعاظم دور المرأة الليبية السياسي والحقوقي فأصبح أهم وأعظم، وتطورت نظرة المجتمع لهذا الدور ما أكسبها هالة من التوقير والاحترام، ولم تعد تلك النظرة المريبة إبان (النظام السابق) حيث كان حضور المرأة مختصرا في شخص “عائشة القذافي” وحارسات معمر القذافي، وعضوات اللجان الثورية، ومحور نشاطها المجتمعي مرتبط بالولاء للنظام، بل إن الليبيات بعد الثورة جاهدن في سبيل إثبات وجودهن وضمان حقوقهن بعيداً عن أي قيود سياسية أو اجتماعية.. بالمقابل فالنظام الديمقراطي الجديد يعد منصفاً في دعم تطلعات المرأة في الحرية والمشاركة العادلة مع الرجل في شتى المجالات السياسية والتنموية، وبموجب الإعلان الدستوري تمكنت المرأة من المشاركة بجدارة بعضوية أعلى سلطة سياسية وتشريعية في البلاد وهي المؤتمر الوطني العام، ومجلس النواب، وهيئة صياغة مشروع الدستور. كما تقلدت عديد المناصب التنفيذية الهامة بالحكومات المتعاقبة كوزيرة للسياحة، وزيرة الشؤون الاجتماعية، ووزيرة للصحة.. فضلاً عن الوكيلات في مختلف الوزارات كوزارة الخارجية، والإعلام، والشؤون الاجتماعية، والثقافة.

ومع أن التحديات التي تواجه المرأة الليبية كبيرة نتيجة الخلفيات الثقافية والاجتماعية والتعليمية المختلفة بالمجتمع، إلا أنها متواجدة بقوة من خلال مساهماتها الدؤوبة بالمؤسسات الأهلية والتطوعية التي تناضل بشكل حقيقي وفعال ضد ثقافة التعصب والعنف والتطرف الفكري، والمساهمة في بناء الدولة المدنية التي تحترم حقوق المواطن سواء رجل كان أم إمرأة . وفي هذا المقام لاتفوتنا الإشادة ببعض الليبيات الرائدات اللاتي قهرن مفاهيم الجهل والتخلف في أحلك الظروف وبفترات مختلفة من تاريخ ليبيا الحديث، وكن من المتميزات في شتى مناحي الحياة المعرفية والسياسية والاجتماعية، ولولا إرادة التحدي من هذه النخبة الأوليات لتأخر دخول المرأة الليبية لمحك الحياة العامة والمساهمة في عملية التنمية وبناء الدولة، نذكر منهن:

> الكاتبـة والأديبة “زعيمـة الباروني” ابنة المجاهد سليمان الباروني، تعد أول كاتبة روائية ليبية بداية 1950م، ومن الرائدات في مجال الكتابة الأدبية، وتأريخ حركة الجهاد الليبي ضد الإيطاليين.

> دكتورة “وداد السـاقـــزلي” أول امرأة ليبية تمتهن الصيدلة، تخرجت من جامعة إدنبرة في بريطانيا سنة 1961م، ونالت عضوية جمعية الصيادلة وجمعية الصحة الملكية البريطانية.

> المربية الفاضلة “صالحـة المـدنى” من الرعيل الأول فى مجال التعليم بطرابلس 1950م، ومن عضوات جمعية النهضة النسائية.

> الإعـلامية “خديجــة الجهــمي” أديبة ومذيعة أخبار ومقدمة برامج بإذاعة بنغازي 1960م.

> دكتورة “الفت يونس العبيدي” طبيبة أمراض باطنة 1969م، وتعتبر أول طبيبة ليبية متطوعة أثناء حرب 67 بمصر وكرمها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر نظير خدماتها الإنسانية.

> المعلمة والكاتبة (جمــيلة الأزمــرلي) عملت بمجال التربية والتعليم بطرابلس، وهي صاحـبة المقـالات الهادفة في الصحف بأواخر الثلاثينـيات ومطـلع الأربعينـات.

> المعلمـة “حميـدة طرخـان” التي عرفت باسم “حميدة العنيزي” من المعلمات الأُولَيات بمجال التربية والتعليم في مطلع الثلاثينيات، ومن الرائدات بالحركة النسائية في بنغازي.

> المضيفـة “حميـدة بن صريتـي” أول مضيفة بالخطوط الجوية الليبية 1966م.

> المذيعة “عايدة الكبتي” أول مذيعة أخبار في التلفزيون الليبي 1968م.

> الكاتبة الصحفية “مرضيــة النعّــاس” أول صحفية وروائية ليبية من درنة في زمن الخمسينات.

> السيدة “عائشـة سعيد زريــق” أول ليبيـة في مجـال التنمية الريفية، وعضو مؤسس لجمعية النهضة النسائية عام 1963م.

> القاضية “رفيعة العبيدي” أول امرأة عينت في سلك القضاء في ليبيا.

> “عائشة الأصفر” أول امرأة ليبية تقتحم مجال الطيران “كابتن طيار” في السبعينات.

وتستمر مسيرة المرأة الليبية الزاخرة بالعطاء والإبداع، وستظل رحلة كفاح الرائدات الليبيات اللائي حملن راية النهضة في بلادنا ملهمة للأجيال القادمة، ومبعث فخر واعتزاز لهذا الوطن.

مقالات ذات علاقة

جديد الحياة.. وحرية الاختيار

خلود الفلاح

لَيلةُ العِيدِ وَبَوحُ الأُمنيات!!!

رضا محمد جبران

العري عند الاوروبيين

بشير الأصيبعي

اترك تعليق